واقع مقلق.. الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين يثير القلق بالعراق
واقع مقلق.. الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين يثير القلق بالعراق
يشهد العراق منذ سنوات تدهوراً مقلقاً في واقع حرية الصحافة، إذ تحوّل من ساحةٍ لتعدد الآراء بعد عام 2003 إلى واحدة من أخطر البيئات المهنية في العالم، وفقاً لتقارير محلية ودولية.
وفي اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، أصدر مركز النخيل لحقوق وحرية الصحافة تقريراً خاصاً أكد فيه أن البلاد فقدت خلال العقد الماضي مئة صحفي، بينما لا تزال التهديدات مستمرة ضد العاملين في المجال الإعلامي، في ظلّ تقصيرٍ حكومي في كشف الجناة ومحاسبتهم، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، الاثنين.
وأشار التقرير إلى أن عمليات الاغتيال لم تكن عشوائية، بل استهدفت أصواتاً مستقلة وصحفيين كشفوا ملفات فساد أو انتهاكات حقوقية، الأمر الذي يعكس ما وصفه المركز بـ"ثقافة الصمت والإفلات من العقاب" التي تغلغلت في بنية النظام السياسي العراقي.
تتجاهل التحقيقات
كشف التقرير أن 30 صحفياً وناشطاً قُتلوا خلال احتجاجات تشرين الشعبية التي اندلعت قبل ست سنوات، والتي أودت بحياة أكثر من 600 شخص وأصابت آلافاً آخرين، دون أن تُعلن أي حكومة عراقية –بما في ذلك الحكومة الحالية– نتائج التحقيقات الموعودة.
وأكد المركز أن جميع الوعود الرسمية التي قُطعت للكشف عن قتلة المتظاهرين والصحفيين لم تتجاوز نطاق التصريحات الإعلامية.
وأوضح التقرير أن العراق يواجه أزمة قانونية عميقة، إذ يوجد أكثر من 2,700 ملف جنائي غير محسوم تتعلق بجرائم قتل واختفاء قسري، من بينها 11 قضية تخص صحفيين لم تُفتح منذ أكثر من عشر سنوات، ما جعل البلاد تتبوأ المرتبة السابعة عالمياً في مؤشر الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين، والمرتبة الحادية عشرة في أطلس الإفلات من العقاب الصادر عن منظمات دولية.
مخاوف من اتساع الظاهرة
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 90% من جرائم قتل الصحفيين حول العالم تمر دون محاسبة، وأن 41% من الضحايا تلقوا تهديدات مباشرة قبل اغتيالهم.
وفي العراق تحديداً، تتضاعف هذه النسبة بسبب ضعف المؤسسات القضائية وتسييس الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يعمّق أزمة الثقة بين الصحفيين والدولة.
كما سلّط مركز النخيل الضوء على ظاهرة "الاستهداف المزدوج" ضد الصحفيات، اللواتي يواجهن تهديدات مستمرة تشمل التشهير، والابتزاز الرقمي، والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، في مجتمع لا يزال يتعامل مع المرأة الصحفية على أنها "كسرٌ للمألوف" في مهنة محفوفة بالمخاطر.
وفقاً لبيانات اليونسكو، يحتل العراق موقعاً متقدماً إلى جانب الصومال وسوريا وجنوب السودان في مؤشر الإفلات من العقاب، إذ لم تنجح أي جهة رسمية في تقديم القتلة إلى العدالة رغم توافر الأدلة في عدد من القضايا البارزة.
وأفادت المنظمة بأن 73% من الصحفيات العراقيات أبلغن عن تعرضهن للترهيب أو التهديد عبر الإنترنت بسبب عملهن الصحفي، ما يزيد من القيود الذاتية والخوف داخل الوسط الإعلامي.
إرادة سياسية للإصلاح
ويرى المراقبون أن استمرار هذا الواقع المأزوم يعكس غياب الإرادة السياسية الجادة لحماية حرية التعبير، في بلدٍ يُفترض أنه ديمقراطي.
ويؤكد الحقوقيون أن العراق بحاجة إلى تشريعات جديدة تضمن حماية الصحفيين، وتُلزم السلطات بفتح تحقيقات شفافة ومعلنة في كل حالة اغتيال أو اختفاء، مع إنهاء تدخل الأحزاب والمليشيات في عمل القضاء.
وتشير منظمات المجتمع المدني إلى أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب أكثر من بيانات تنديد؛ بل تحتاج إلى إصلاحٍ شامل في بنية العدالة، واستقلال النيابة العامة، وتفعيل دور نقابة الصحفيين في توثيق الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها قانونياً.
وفي ختام تقريره، دعا مركز النخيل إلى إعلان وطني لمناهضة الإفلات من العقاب، يُلزم الحكومة بنشر نتائج التحقيقات في جميع القضايا العالقة، ويُعيد الثقة لذوي الضحايا الذين يعيشون منذ سنوات في انتظار الحقيقة، ففي بلدٍ لم يعد فيه القلم آمناً، تبدو العدالة هي الخطوة الأولى نحو استعادة صوتٍ طال إسكاتُه تحت رصاص الخوف والصمت.










