مواد سامة وعمالة أطفال وانتهاكات حقوقية.. "بيت الجمال" يكشف الوجه الآخر لصناعة المكياج

كتاب لخبيرة التجميل أرابيل سيكاردي

مواد سامة وعمالة أطفال وانتهاكات حقوقية.. "بيت الجمال" يكشف الوجه الآخر لصناعة المكياج
غلاف كتاب "بيت الجمال"

يبدأ كتاب "بيت الجمال" لـ أرابيل سيكاردي، المتخصصة في التجميل،  بجملة صادمة: "عندما أقول لكم إن الجمال وحش، أريدكم أن تعلموا أنه نوعي المفضل"، حيث تستعرض في كتابها جوانب الخير والشر والقبح في صناعة التجميل التي تبلغ قيمتها 450 مليار دولار، بين الإغراء والضرر.

وكشف الكتاب استغلال العمال والفئات الضعيفة، حيث تناولت الكاتبة الظروف القاسية في المصانع التي تنتج مستحضرات التجميل، وسلطت الضوء على حالات عمالة الأطفال، مشيرةً إلى حجم التواطؤ العالمي في سلسلة الإنتاج، ما يجعل القارئ أمام مسؤولية أخلاقية مباشرة تجاه المنتجات التي يستهلكها.

وأجرت صحيفة "الغارديان" مقابلات متعددة مع مدققين، وموظفي منظمات غير حكومية، ومزارعين، وشركاء تجزئة، وكيميائيين، ومحامين، ورؤساء تنفيذيين، عبر البريد الإلكتروني وزووم  وبشكل شخصي، لتأكيد المعلومات حول وفيات العمال وظروف العمل الاستغلالية.

كتبت سيكاردي الفصل الأول في كتابها بأسلوب "اختر مغامرتك الخاصة"، لتوضيح التعقيدات المرتبطة بتصنيع وتسويق المنتجات ما يتيح للقارئ إدراك التفاعل الإنساني والسياسي والاجتماعي خلف كل منتج تجميلي.

وأكدت الكاتبة أن الوضع السياسي الراهن مرتبط بالموضة والجمال والفاشية، مستشهدةً بعلاقات كوكو شانيل مع النازيين، ما يعكس كيف يمكن للتاريخ أن يتقاطع مع استغلال السلطة والمال على حساب حقوق الإنسان الأساسية.

مواد كيميائية ضارة

من جانبها، أعلنت الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية، وفقًا لتقرير نشرته "فاينانشيال تايمز"، أن 4686 منتجًا من 345 شركة في 13 دولة أوروبية تحتوي على مواد كيميائية دائمة ضارة بالإنسان والبيئة، وأكدت أن 6% من هذه المنتجات تحتوي على مواد محظورة في الاتحاد الأوروبي، مثل PFAS المرتبطة بمشاكل صحية تشمل انخفاض الخصوبة وزيادة خطر السرطان واضطراب الهرمونات.

دعت رئيسة سياسة المواد الكيميائية في المكتب الأوروبي للبيئة، تاتيانا سانتوس،  إلى ضرورة حماية المستهلكين من هذه المواد، معتبرة استمرارها في المنتجات اليومية "فشلًا ذريعًا في المسؤولية المؤسسية والإجراءات التنظيمية".

وأشارت أمينة المظالم في الاتحاد الأوروبي، تيريزا أنجينيو، إلى أن تأخير تطبيق القواعد يشكل تهديدًا لصحة الإنسان والبيئة، إذ تسمح الشركات باستخدام المواد الكيميائية التي قد تكون مسرطنة أو سامة للتكاثر أو معطلة للغدد الصماء، في خرق مباشر لمبدأ الحق في الصحة والسلامة، وهو أحد أركان حقوق الإنسان الأساسية.

وأكدت المفوضية الأوروبية ضرورة التطبيق السليم للقواعد الكيميائية الذي تتحمل حكومات الاتحاد الأوروبي مسؤوليته لضمان حماية المستهلكين، وهو ما يوضح أهمية المساءلة المؤسسية في حماية الحقوق الأساسية.

قواعد جديدة مُلزمة

وفقًا لوكالة "أسوشيتد برس"، اقترحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، قواعد جديدة تلزم شركات مستحضرات التجميل باتخاذ خطوات إضافية لضمان خلو أي منتجات تحتوي على التلك من الأسبستوس السام، بعد سنوات من الدعاوى القضائية ضد شركة جونسون آند جونسون التي ربطت بودرة الأطفال بالسرطان.

وصرحت مديرة مكتب مستحضرات التجميل والألوان في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، الدكتورة ليندا كاتز، بأن التقنيات الجديدة المقترحة للكشف عن الأسبستوس تهدف إلى حماية المستهلكين، خصوصًا الأطفال، وتعكس حقهم الأساسي في الصحة وسلامة المنتجات التي يستخدمونها يوميًا.

أوضح التقرير أن الشركة أزالت التلك من منتجاتها في السوق الأمريكية عام 2020، ثم دوليًا عام 2023، لكنها تبقى مطالبة بالتحقق المستمر من المنتجات لضمان عدم تعرض المستهلكين لأي خطر صحي، ما يعكس واجب حماية الحقوق الأساسية للمستهلكين في إطار المساءلة القانونية.

استغلال العمال والفئات الضعيفة

سلطت سيكاردي الضوء على الهامش الضيق للربح على السلع الأساسية في السجون الأمريكية، مثل الشامبو، وأكدت ارتباط تاريخ صالونات الأظافر بالحروب مثل حرب فيتنام، ما يعكس تداخل الصناعة مع قضايا استغلال العمال والنزاعات، وهو ما يتقاطع مع الحق في ظروف عمل عادلة وحقوق العمال.

وأشارت الكاتبة إلى أن الفئات الضعيفة، ومنها الأطفال والعمال في دول الجنوب، غالبًا ما تكون ضحايا استغلال هذه الصناعة، ما يجعل استهلاك المنتجات اليومية مسؤولية أخلاقية وقانونية على مستوى حقوق الإنسان.

وأضافت سيكاردي أن المشاركة المجتمعية وجمع التبرعات للموارد، مثل صناديق الكفالة ودعم المهاجرين، يعكس دور الجمال بصفته أداة للتواصل ورعاية المجتمع، مؤكدة أن الحق في العناية والكرامة مرتبط أيضًا بطريقة إنتاج واستهلاك مستحضرات التجميل.

وأوضحت سيكاردي أن الأمريكيين ينفقون متوسط 3342 دولارًا سنويًا على خدمات ومستحضرات التجميل، في حين أن منتجات أساسية مثل الصابون ومعجون الأسنان قد تكون أقل ضررًا وأكثر استدامة، وشددت على أن التحرك الفردي لا يكفي، بل يجب الضغط على الشركات لضمان الامتثال للمعايير الأخلاقية والصحية بما يعكس الحق الجماعي في الصحة والسلامة وحقوق الإنسان البيئية.

وأكدت الكاتبة أن الاستهلاك الأخلاقي يتطلب استخدام المنتجات الأقل استهلاكًا للموارد، مثل صابون البار، وتقليل الاستعمال غير الضروري، لضمان استدامة الموارد وحماية صحة الإنسان.

التقدم في حماية الحقوق

أوضحت أن الهدف ليس الكمال، بل التقدم المشترك في حماية الحقوق، مع وضع خطة عملية طويلة الأمد تجمع المجتمع والمنتجين والمستهلكين معًا لضمان الحد الأدنى من الضرر الصحي والبيئي، وهو جوهر المدخل الحقوقي في صناعة التجميل.

وأنهت سيكاردي كتابها بمناقشة أهمية الرعاية والمجتمع، مؤكدة أن العناية بالآخرين جزء لا يتجزأ من صناعة التجميل، خصوصًا في أوقات عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ورأت أن الجمال، رغم كونه "مرعبًا"، يمكن أن يكون أداة للعناية والتمكين، ما يعكس التوازن بين الحقوق الفردية والجماعية.

وأكدت أن استغلال الصناعة للفئات الضعيفة أو استخدام المواد الضارة دون رقابة يمثل انتهاكًا واضحًا للحق في الصحة والسلامة، ويظهر الحاجة إلى ضوابط صارمة وإجراءات مؤسسية حازمة لضمان حماية حقوق الإنسان في صناعة التجميل على مستوى العالم.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية