خطة ترامب بشأن القوة الدولية في غزة.. حماية للمدنيين أم فرض للسيطرة؟
خطة ترامب بشأن القوة الدولية في غزة.. حماية للمدنيين أم فرض للسيطرة؟
تسعى الولايات المتحدة لإصدار تفويض من مجلس الأمن الدولي يمتد حتى نهاية 2027 لإنشاء مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية في قطاع غزة، وذلك في إطار خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في المنطقة، ويهدف مجلس السلام إلى الإشراف على الحكم الانتقالي في غزة لحين تمكن السلطة الفلسطينية من تنفيذ برنامجها الإصلاحي، فيما ستكون قوة الاستقرار الدولية مسؤولة عن تأمين الحدود ونزع السلاح وحماية المدنيين وتدريب الشرطة الفلسطينية، وفق مشروع القرار، بحسب وكالة فرانس برس.
وقد عرضت الولايات المتحدة النص لأول مرة أمام جميع أعضاء مجلس الأمن، بعد سلسلة من المشاورات الثنائية، ويأتي ذلك في محاولة لتوحيد موقف المجلس بشأن خطة السلام الأمريكية، التي سمحت بوقف إطلاق نار هش في العاشر من أكتوبر، بعد عامين من الحرب المدمرة التي اندلعت إثر الهجوم غير المسبوق لحركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
ويشمل مشروع القرار تمديد التفويض لمجلس السلام والحضور الدولي المدني والأمني حتى 31 ديسمبر 2027، مع إمكانية تمديد تفويض قوة الاستقرار الدولية وفق تقديرات الدول المشاركة، ويجوز لهذه القوة استخدام جميع التدابير اللازمة لإنفاذ مهامها ضمن القانون الدولي، بما في ذلك مراقبة الحدود، ونزع سلاح الفصائل المسلحة غير الحكومية، وحماية المدنيين.
نقاط الخلاف والتحديات الدبلوماسية
على الرغم من دعم أعضاء مجلس الأمن لمبدأ إنشاء مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية، أثار المشروع تساؤلات عدة حول آليات الرقابة، ودور السلطة الفلسطينية في العملية الانتقالية، وحدود صلاحيات القوة الدولية، وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن مشاركة دول مسلمة مثل إندونيسيا في القوة الدولية قد تواجه تعقيدات في حال نشبت مواجهات مباشرة مع حماس، وهو ما يتطلب دراسة دقيقة لتفاصيل التفويض والمسؤوليات الميدانية.
ويشير مراقبون إلى أن نجاح المجلس يعتمد على قدرة الولايات المتحدة على ضمان تعاون جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل ومصر والدول المساهمة، مع الفصائل الفلسطينية والسلطة المحلية، لضمان أن يكون تنفيذ التفويض سلميًا ويحقق الاستقرار، دون أن يؤدي إلى تفاقم الصراع أو التوتر في المنطقة.
النزاع في غزة وخطط السلام السابقة
يعود النزاع في قطاع غزة إلى عقود من التوتر بين الفلسطينيين وإسرائيل، وتفاقم الوضع بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، وما أعقب ذلك من سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، وقد شهد القطاع عدة حروب متتالية بين حماس وإسرائيل، أودت بحياة آلاف المدنيين وأدت إلى دمار واسع للبنية التحتية، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان غزة يبلغ نحو مليوني نسمة، يعيش معظمهم تحت ظروف اقتصادية صعبة، مع مستويات عالية من الفقر والبطالة ونقص متواصل في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية.
وقد طرحت الولايات المتحدة خطط سابقة لمشاريع السلام في غزة، لكن جميعها واجهت تحديات سياسية وأمنية، سواء بسبب رفض بعض الأطراف الفلسطينية أو معارضة إقليمية ودولية، أو لغياب آليات تنفيذ فعالة على الأرض، ويأتي مشروع القرار الحالي في سياق هذه التجارب، مع تركيز على دور دولي أكثر فعالية لإرساء الاستقرار وضمان حماية المدنيين.
أبعاد إنسانية واقتصادية
تشكل الأبعاد الإنسانية في قطاع غزة تحديًا رئيسيًا لتنفيذ خطة مجلس السلام، فحسب تقارير الأمم المتحدة، يحتاج نحو 1.8 مليون فلسطيني في غزة إلى مساعدات غذائية عاجلة، فيما يواجه الأطفال والنساء والفئات الضعيفة أعلى مستويات المعاناة، وقد أدت الحروب السابقة وعمليات الحصار إلى تدهور البنية التحتية الصحية، مع تسجيل مستويات عالية من سوء التغذية بين الأطفال، ونقص في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
وتشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن نحو نصف سكان غزة يعتمدون على المساعدات الغذائية، وأن أي تصعيد عسكري أو تعطّل الخدمات الأساسية قد يؤدي إلى أزمة إنسانية جديدة، ومن هنا، تبدو الحاجة إلى قوة دولية قادرة على حماية المدنيين وتأمين الخدمات الأساسية أمرًا حيويًا لتحقيق أي استقرار طويل الأمد.
القانون الدولي وردود الفعل الأممية
يتطلب تنفيذ مشروع القرار الأمريكي الالتزام الصارم بالقانون الدولي الإنساني، بما يشمل حماية المدنيين وتجنب أي اعتداءات أو استخدام مفرط للقوة، وقد أكدت الأمم المتحدة على أن أي تفويض للقوة الدولية يجب أن يكون مصحوبًا بآليات واضحة للمراقبة والتقييم، لضمان عدم تجاوز السلطات الممنوحة وحماية حقوق السكان المحليين.
وقد أعربت منظمات حقوق الإنسان عن ترحيبها بالمبادرات التي تهدف إلى حماية المدنيين، لكنها دعت إلى إشراك السلطة الفلسطينية في كل مراحل التخطيط والتنفيذ لضمان شرعية الإجراءات ومساءلة القوة الدولية، وأكد خبراء القانون الدولي أن أي استخدام للقوة يجب أن يتم وفق معايير واضحة لتجنب انتهاكات محتملة، خصوصًا في مواجهة الفصائل المسلحة أو خلال العمليات الأمنية على الأرض.
انعكاسات سياسية وإقليمية
تمثل خطة مجلس السلام تحديًا سياسيًا كبيرًا، إذ يجمع المشروع بين إشراف دولي مباشر على القطاع وقدرة محدودة للسلطة الفلسطينية على ممارسة صلاحياتها، وهو ما يثير مخاوف من فقدان الشرعية المحلية لبعض الإجراءات، ويشير دبلوماسيون إلى أن إشراك دول عربية وغربية في القوة الدولية يحتاج إلى تنسيق دقيق لتفادي أي تصعيد، وضمان عدم المساس بالاستقرار الإقليمي أو التوازن بين الأطراف المتنازعة.
كما يطرح المشروع تساؤلات حول دور الرئيس الأمريكي كرئيس لمجلس السلام، وما إذا كان ذلك يعزز القدرة على اتخاذ القرارات بسرعة أم يثير مخاوف بشأن حيادية الإدارة الأمريكية في المنطقة، ويلاحظ المحللون أن نجاح الخطة يعتمد على التوازن بين القوة الأمنية والشرعية المدنية، وقدرة مجلس الأمن على متابعة التنفيذ بشكل مستمر وشفاف.
تقييم التحديات والفرص
يمثل مشروع القرار فرصة لتعزيز الاستقرار في قطاع غزة بعد سنوات من النزاع المستمر، لكنه محفوف بالمخاطر، إذ يتعين على القوة الدولية التنسيق مع السلطة الفلسطينية والفصائل المحلية والدول المشاركة لضمان تنفيذ التفويض بأمان، مع الالتزام الصارم بالقانون الدولي وحماية المدنيين، ويعكس التفويض المقترح رغبة الولايات المتحدة في خلق نموذج جديد لإدارة النزاعات المحلية بمشاركة دولية، لكنه يواجه تحديات على مستوى الشرعية المحلية، والاستقرار الإقليمي، والقدرة على فرض الأمن دون تصعيد العنف.
في ختام التقرير، يظهر أن المشروع الأمريكي لإدارة غزة من خلال مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية يمثل خطوة غير مسبوقة في تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فهو يجمع بين عناصر الإدارة المدنية والقدرة العسكرية لضمان حماية المدنيين واستقرار القطاع، لكنه يضع مجلس الأمن والدول المساهمة أمام مسؤولية كبيرة لضمان تنفيذ التفويض وفق القانون الدولي وحماية السكان المحليين، مع مراعاة دور السلطة الفلسطينية وحقها في إدارة الشؤون الداخلية، وتظل التحديات السياسية والأمنية والإنسانية قائمة، مما يجعل من متابعة هذا المشروع الدولي في الأشهر المقبلة مسألة حيوية على صعيد السياسة والأمن وحقوق الإنسان.











