وسط أزمة معيشية حادة.. معلمو إدلب يعلقون الدوام الرسمي احتجاجًا على تدني الرواتب
وسط أزمة معيشية حادة.. معلمو إدلب يعلقون الدوام الرسمي احتجاجًا على تدني الرواتب
أعلن معلمو محافظة إدلب تعليق الدوام الرسمي في جميع مدارس المحافظة ابتداءً من يوم غد الأحد، في خطوة احتجاجية تهدف إلى الضغط على الحكومة المؤقتة ومديرية التربية لتأمين رواتب عادلة تواكب الظروف المعيشية الصعبة التي تعانيها سوريا.
وأكد بيان صادر عن تكتل معلمي سوريا الأحرار أن تعليق الدوام سيشمل مدارس مدينة إدلب ومحيطها، مشددًا على أن الهدف من الإضراب ليس تعطيل التعليم، بل الدفاع عن حقوق المعلمين وضمان حياة كريمة لهم وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وحمل البيان الجهات المعنية مسؤولية تدهور أوضاع الكوادر التعليمية نتيجة تجاهل مطالبهم المستمرة، داعيًا جميع المعلمين والأهالي إلى دعم التحرك السلمي لضمان تحقيق المطالب المشروعة التي تشمل تحسين الرواتب وتأمين مستلزمات العملية التعليمية بصورة عادلة ومستقرة.
تصعيد مستمر في شمال سوريا
سبق أن شهدت محافظة إدلب وريف حلب احتجاجات مشابهة خلال الأيام الماضية، حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان في السادس من نوفمبر إعلان رابطة المعلمين السوريين بدء إضراب عام في عدد من المدارس تحت شعار "إضراب الكرامة"، وقد شمل الإضراب مدارس باتبو الشرقية للبنين في ريف حلب، ومدارس الجينة في الريف ذاته، إضافة إلى ثانوية ترمانين في ريف إدلب، في خطوة احتجاجية تصعيدية تعكس الاحتقان المتواصل بين المعلمين والجهات الإدارية.
وأشار المعلمون المشاركون إلى أن الإضراب جاء نتيجة تجاهل مطالبهم بتحسين الرواتب وتأمين مستلزمات العملية التعليمية، مؤكدين مواصلة التحرك الاحتجاجي حتى تحقيق مطالبهم المشروعة، وأفادت مصادر محلية بأن مدير ثانوية ترمانين قام بتسجيل المعلمين المضربين تحت وصف الغياب الإداري، ما أثار استياءً واسعًا في صفوف المعلمين واعتُبر محاولة للضغط عليهم لوقف الإضراب.
الأسباب الاقتصادية والاجتماعية للتحرك
تأتي هذه الإضرابات في سياق أزمة معيشية حادة يعاني منها الكادر التعليمي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المؤقتة، إذ تشير تقديرات محلية إلى أن غالبية المعلمين يعيشون على دخل شهري لا يغطي الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، ومنها الغذاء والإيجار والمستلزمات التعليمية، وتؤكد مصادر تربوية أن هذه الأزمة الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر في جودة التعليم، إذ تضطر العديد من المدارس إلى العمل بموازنة محدودة، وعدم قدرة المعلمين على تأمين مستلزمات الصفوف الدراسية بشكل كافٍ.
ويشير خبراء تربويون إلى أن استمرار تجاهل مطالب المعلمين في سوريا قد يؤدي إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي، ويزيد من احتمالية استمرار الإضرابات على نحو يهدد انتظام العملية التعليمية خاصة في إدلب وريف حلب، ما ينعكس سلبًا على الطلاب وأسرهم في ظل وضع إنساني هش أصلاً.
تضامن محلي وتأييد دولي
أعربت جمعيات حقوق المعلمين والنقابات المحلية عن تضامنها مع الكوادر التعليمية، مشددة على أن تحسين رواتب المعلمين وتوفير بيئة عمل مستقرة يمثلان ضرورة لضمان استمرارية العملية التعليمية، وحماية المعلمين من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد حياتهم المهنية، كما حثت الجهات المعنية على الحوار الجاد مع التكتل واللجان النقابية؛ لتفادي تصعيد الاحتجاجات وتأمين حقوق المعلمين بما يتوافق مع القانون المحلي والاتفاقيات التربوية الدولية.
وفي السياق الدولي، أبدت منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية مثل اليونيسيف واليونسكو اهتمامها بمراقبة الأوضاع التعليمية في المناطق السورية المتأثرة بالنزاع، مؤكدين ضرورة توفير رواتب عادلة للمعلمين وتأمين استقرار العملية التعليمية، بما يحمي حق الأطفال في التعليم ويحد من تأثير النزاع الاقتصادي والاجتماعي في الفئات الأشد ضعفًا.
التأثير في العملية التعليمية والطلاب
يشير معلمون وأولياء أمور إلى أن تعليق الدوام في إدلب قد يؤدي إلى تعطيل جزئي للصفوف الدراسية، لكنه يأتي في إطار احتجاج سلمي يهدف إلى تحقيق مطالب أساسية، وليس لإلحاق الضرر بالطلاب، وتؤكد المصادر أن المعلمين يسعون إلى إيصال رسالة واضحة للجهات الإدارية بأن ضمان حقوقهم يشكل جزءًا لا يتجزأ من ضمان استمرارية التعليم بجودة عالية.
ويؤكد التكتل أن الهدف من الإضراب ليس فقط الحصول على رواتب أفضل، بل أيضًا لفت الانتباه إلى دور المعلم ومكانته في المجتمع، إذ يعد المعلمون أنفسهم عماد العملية التعليمية ومسؤولين عن مستقبل الأجيال القادمة، ويطالبون بحماية كرامتهم ومراعاة ظروف حياتهم المهنية الصعبة.
أبعاد سياسية وإدارية
يأتي الإضراب في سياق ضغوط متزايدة على الحكومة المؤقتة في شمال غرب سوريا، حيث تواجه تحديات كبيرة في إدارة الموارد وتوفير رواتب العاملين في مختلف القطاعات، ومنها التعليم، وتشير مصادر مطلعة إلى أن الأزمة الحالية تكشف عن قصور في التخطيط المالي للقطاع التربوي، وعدم قدرة الإدارة على الاستجابة لمطالب الكوادر التعليمية في الوقت المناسب، ما أدى إلى تصعيد الاحتجاجات.
ويعد الإضراب رسالة سياسية وإدارية في آن واحد، تدعو إلى إعادة النظر في السياسات المالية والتربوية، وتحقيق العدالة الاجتماعية للمعلمين، وضمان استمرارية التعليم ضمن بيئة مستقرة وآمنة.
تحركات مستقبلية وتوقعات
مع استمرار الأزمة، تشير المؤشرات إلى احتمال تمدد الإضراب ليشمل مناطق إضافية في إدلب وريف حلب إذا لم تستجب الجهات المعنية للمطالب، في حين يواصل المعلمون تنظيم التحركات السلمية واللقاءات مع لجان التربية لضمان تحقيق أهدافهم دون المساس بمصلحة الطلاب.
وتؤكد مصادر تربوية أن الحوار مع المعلمين يجب أن يشمل وضع خطة مالية واضحة لتأمين الرواتب المستدامة، وتوفير الدعم اللازم للمدارس لضمان استمرارية التعليم دون انقطاع، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها السكان المحليون في المناطق المتأثرة بالنزاع.
يعكس إضراب المعلمين في إدلب وريف حلب أزمة مركبة تجمع بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتكشف عن هشاشة الوضع التعليمي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المؤقتة، وتظل مطالب المعلمين بالرواتب العادلة وضمان حياة كريمة جزءًا أساسيًا من حماية حقوقهم، وتحقيق استقرار العملية التعليمية، وضمان حق الطلاب في تلقي تعليم مستمر وفعال، في وقت تشدد فيه المنظمات المحلية والدولية على ضرورة احترام حقوق العاملين في القطاع التربوي والحفاظ على كرامتهم بوصفها مكوناً أساسياً لبناء مجتمع مستقر ومتطور.











