وسط تحديات متشابكة.. التعليم في إفريقيا معركة إنسانية طويلة الأمد
وسط تحديات متشابكة.. التعليم في إفريقيا معركة إنسانية طويلة الأمد
واجه الشباب في القارة الإفريقية، خلال السنوات الأخيرة، تحديات متشابكة تتراوح بين ارتفاع معدلات البطالة، وضعف منظومات التعليم والتدريب، وغياب الفرص الاقتصادية، ما جعل الملايين منهم يعيشون على هامش التنمية.
وتفاقمت الأزمة بفعل هشاشة البنية التحتية، والنزاعات السياسية، والصراعات المسلحة التي عطلت بناء الإنسان الإفريقي وقدرته على الإسهام في تنمية مجتمعه، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.
دعت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتعليم بالمغرب رحمة بورقية، خلال مؤتمر عُقد في العاصمة المغربية الرباط يومي 12 و13 نوفمبر الجاري، تحت عنوان "منظومات التربية والتكوين والبحث العلمي في إفريقيا.. ديناميات التحول"، إلى تعزيز الاستثمار في قطاع التعليم باعتباره الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة في القارة السمراء.
وأكدت المسؤولة المغربية أن نحو 25% من شباب إفريقيا خارج منظومات التعليم والعمل، ما يشكّل ناقوس خطر يتطلب تحركاً عاجلاً لمعالجة هذا الخلل الهيكلي.
وقالت بورقية في كلمتها: "الاستثمار في تربية ذات جودة في إفريقيا يُعد محركاً أساسياً لعملية التنمية، وضماناً لإنجاح التحولات المنشودة وتحقيق الرفاهية المستقبلية".
أزمة المدرسين وتحديات الجودة
أوضحت بورقية أن القارة الإفريقية تواجه عجزاً حاداً في أعداد المعلمين، حيث تُقدَّر الحاجة إلى أكثر من 17 مليون مدرس إضافي بحلول عام 2030 لضمان ولوج شامل إلى التعليم الابتدائي والثانوي، مشيرةً إلى أن هذه الفجوة تمثل أحد أبرز التحديات أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وأضافت أن "موضوع المؤتمر يعكس هدفاً مشتركاً يتمحور حول التربية ودورها، ليس فقط في التنمية، بل في فهم التحولات العميقة التي تشهدها مجتمعات القارة في عالم يسوده اللايقين"، مشددة على أن إصلاح التعليم يتطلب تشخيصاً دقيقاً لنقاط الضعف وتجديداً لمنهجيات العمل لضمان تنفيذ فعّال للبرامج التربوية.
لفتت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتعليم إلى أن التركيبة الديموغرافية لإفريقيا، التي تتميز بنسبة عالية من الشباب، تمثل فرصة تاريخية لتحقيق ما يُعرف بـ"العائد الديموغرافي"، لكنها حذّرت من أن استمرار تعثر أنظمة التعليم قد يحوّل هذه الفرصة إلى عبء ثقيل يهدر طاقات جيل كامل.
وقالت بورقية: "إن التعليم يُعد ملكاً عمومياً ثميناً لا يمكن تطويره دون مشاركة فاعلة من جميع الأطراف المعنية، باعتبارهم صناع التغيير والمسؤولين عن مستقبل الشباب والمجتمع الإفريقي".
أزمة التعليم في القارة
تعكس تصريحات بورقية واقعاً مقلقاً للقارة التي تضم نحو 1.3 مليار نسمة، يشكّل الشباب النسبة الأكبر منهم. ورغم الجهود المبذولة لتحسين التعليم خلال العقدين الماضيين، إلا أن التحديات لا تزال ضخمة.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن أكثر من ثلث الأطفال الأفارقة لا يُكملون التعليم الابتدائي، فيما يعاني كثير من المدارس من نقص حاد في التجهيزات، وارتفاع معدلات التسرب بسبب الفقر والنزاعات المسلحة.
وتُظهر دراسات تربوية أن ضعف جودة التعليم وغياب المناهج الحديثة يساهمان في خلق فجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، ما يُبقي ملايين الشباب عالقين بين البطالة والهجرة أو الانخراط في اقتصاد غير رسمي.
مستقبل قائم على المعرفة
يؤكد الخبراء أن بناء مستقبل إفريقيا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر ثورة تعليمية شاملة تُعيد الاعتبار للمدرس والمعرفة، وتربط التعليم بمتطلبات الاقتصاد العصري.
ويُعد المؤتمر الذي احتضنته الرباط خطوة نحو بلورة رؤية إفريقية مشتركة تهدف إلى تحويل التحديات التعليمية إلى فرص استثمار في رأس المال البشري، وتأسيس جيل جديد من الشباب القادر على قيادة التنمية بدلاً من انتظارها.










