بسبب خلافات الأجور.. إضراب الأطباء في بريطانيا يهدد خدمات المرضى ويثير القلق
بسبب خلافات الأجور.. إضراب الأطباء في بريطانيا يهدد خدمات المرضى ويثير القلق
حذر قادة قطاع الصحة في بريطانيا من أن استمرار إضرابات الأطباء المقيمين قد يضطر هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS إلى تقليص عدد الموظفين في الخطوط الأمامية، وتأجيل أو إلغاء المواعيد والفحوصات والعمليات الجراحية، ما قد يزيد من معاناة المرضى في فصل الشتاء المقبل.
ويشارك آلاف الأطباء المقيمين في إنجلترا في إضراب لمدة خمسة أيام اعتباراً من يوم أمس الجمعة بسبب خلاف مستمر حول الأجور، وفق ما أعلن اتحاد الخدمات الصحية الوطنية وهيئة مقدمي الخدمات الصحية الوطنية اللذان يمثلان المستشفيات الصحية في البلاد، ويعد هذا الإضراب الثالث عشر منذ مارس 2023، حيث أظهرت التقديرات أن آخر إضراب في يوليو كلف القطاع الصحي نحو 300 مليون جنيه إسترليني بحسب صحيفة "ستاندرد" البريطانية.
ويشكل الأطباء المقيمون نحو نصف قوة العمل الطبي في هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS، بخبرة تمتد إلى ثماني سنوات في المستشفيات أو ثلاث سنوات بوصفهم أطباء أسرة، ما يجعل لإضرابهم تأثيراً كبيراً في تقديم الخدمات الطبية، وأكدت المنظمات الصحية أن استمرار دفع تكاليف الإضرابات قد يؤدي إلى خفض الموظفين وتقليص الخدمات، ما يزيد أوقات انتظار المرضى ويعوق قدرتهم على تلقي العلاج في الوقت المناسب.
تأثير الإضراب في المرضى
خلال الإضرابات السابقة، اضطرت المستشفيات لإلغاء أو إعادة جدولة أكثر من 54 ألف موعد وإجراء طبي، رغم تنفيذ هيئة الخدمات الصحية الوطنية 93% من النشاط المخطط، وحذر ماثيو تايلور، الرئيس التنفيذي لاتحاد هيئة الخدمات الصحية الوطنية، من أن المرضى هم الأكثر تضرراً، مع تأجيل أو إلغاء عشرات الآلاف من الفحوصات والمواعيد والعمليات، مشيراً إلى أن انتشار الإنفلونزا في الشتاء المقبل قد يزيد من صعوبة الوضع.
في المناطق المتأثرة، يواجه المرضى أوقات انتظار طولى للفحوصات والعمليات الحرجة، في حين يضطر العديد إلى تأجيل الرعاية الروتينية، وأشارت هيئة الخدمات الصحية الوطنية إلى ضرورة الالتزام بالمواعيد المحددة، والحصول على المساعدة الطارئة عبر 999 أو زيارة الطوارئ، إلى جانب خدمات 111 والأطباء المعتادة.
خلافات حول الأجور
ينشب النزاع بين الحين والآخر حول الأجور بين الحكومة البريطانية ونقابة الأطباء BMA، فقد حصل الأطباء المقيمون على زيادة تقارب 30% خلال السنوات الثلاث الماضية، في حين تطالب النقابة بزيادة إضافية قدرها 26% لتعويض التضخم المتسارع.
أكد وزير الصحة، ويس ستريتينغ، أن الحكومة لن تتراجع بشأن الأجور، متهمًا قيادة النقابة بأنها تختار المواجهة على حساب رعاية المرضى، ومن جانبها، قالت نقابة الأطباء BMA إنها لن توافق على "الاستثناءات" التي تسمح للأطباء بالمغادرة لتغطية العمل إلا إذا ألغت المستشفيات النشاط المخطط مسبقاً وشجعت الأطباء غير المضربين على التغطية.
في المقابل، قال د. جاك فليتشر، رئيس لجنة الأطباء المقيمين في النقابة، إن الإضرابات لم تأتِ فجأة، مؤكداً أن العروض الحالية من الحكومة لا تلبّي احتياجات آلاف الأطباء الذين سيجدون أنفسهم بلا دور هذا العام، في حين ترى النقابة أن الحكومة مصممة على خفض الأجور العام المقبل.
توقعات الشتاء القادم
حذر مسؤولو هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS، من أن استمرار الإضرابات سيزيد الضغوط على الميزانيات المثقلة أصلاً، ويؤثر في قدرة المستشفيات على تقديم الرعاية الفعالة، خصوصاً في ظل موسم الإنفلونزا المتوقع.
وقال دانيل إلكيليس، الرئيس التنفيذي لـNHS Providers، إن سلامة المرضى تبقى الأولوية الأولى، وإن قادة المستشفيات وفرق الخطوط الأمامية يعملون بكل طاقتهم لإدارة تأثيرات الإضراب.
وشدد السير جيم ماكي، المدير التنفيذي لـNHS England، على أهمية تنفيذ المستشفيات لما لا يقل عن 95% من النشاط المخطط، محذراً من اعتماد أي أسعار تعسفية تدفعها النقابة للأطباء الذين يغطون أثناء الإضراب.
استطلاعات الرأي بين الأطباء
أظهر استطلاع أجرته صحيفة التايمز أن 48% من الأطباء المقيمين في بريطانيا يفضلون إلغاء الإضراب، مقابل 33% يرغبون في استمراره، في حين بدا أن القرار النهائي للإضراب يتأثر بمزيج من الضغوط المهنية والشخصية، ويعكس هذا الاستطلاع الانقسام داخل الجسم الطبي بين الحاجة إلى المطالبة بحقوق الأطباء ومخاطر التأثير السلبي في المرضى.
تشكل هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS التي تأسست عام 1948، العمود الفقري للرعاية الصحية في المملكة المتحدة، مع توفيرها خدمات مجانية معظمها في المستشفيات والعيادات الأولية، ويواجه النظام ضغوطاً متزايدة في السنوات الأخيرة نتيجة زيادة الطلب على الخدمات، ونقص الكوادر، وارتفاع تكاليف التشغيل، فضلاً عن تأثير جائحة كورونا في قدرة المستشفيات على التعافي من نقص التمويل.
يشارك في NHS نحو 1.5 مليون موظف، منهم نصف مليون طبيب وممرض، ويشكل الأطباء المقيمون نسبة كبيرة من قوة العمل في المستشفيات والمراكز الصحية الأولية، وقد أدت سلسلة الإضرابات منذ مارس 2023 إلى خسائر مالية كبيرة وتأثير ملموس في خدمات المرضى، ومنه تأخير عمليات القلب والأورام والفحوصات الأساسية، ما زاد من المخاطر الصحية للمواطنين خصوصاً كبار السن وذوي الأمراض المزمنة.
تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في المملكة المتحدة خلال العام الحالي، مع ارتفاع تكاليف المعيشة والضغط على الأسر، أدى إلى تأجيج مطالب الأطباء بزيادة الأجور لتعويض الانخفاض الفعلي في القوة الشرائية، في حين ترى الحكومة أن الزيادات السابقة كانت من بين الكبرى في القطاع العام، وتؤكد ضرورة التوازن بين حقوق العاملين واستدامة التمويل الصحي.









