أزمة الأجور تدفع أطباء بريطانيا إلى الإضراب مجدداً في وجه التجاهل الحكومي

أزمة الأجور تدفع أطباء بريطانيا إلى الإضراب مجدداً في وجه التجاهل الحكومي
احتجاجات الأطباء في بريطانيا- أرشيف

يستعد الأطباء المبتدئون والمقيمون في بريطانيا لخوض إضراب جديد يستمر خمسة أيام في نوفمبر المقبل، احتجاجًا على ما وصفوه بتجاهل الحكومة لمطالبهم المشروعة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل.

وقالت الجمعية الطبية البريطانية إن الإضراب سيبدأ الساعة السابعة صباحًا يوم الجمعة 14 نوفمبر المقبل ويستمر حتى 19 من الشهر نفسه، في خطوة من المتوقع أن تتسبب في اضطراب واسع داخل هيئة الخدمات الصحية الوطنية، التي تواجه أصلًا ضغوطًا متزايدة مع دخول فصل الشتاء، وفق صحيفة “التليغراف”.

نزاع ممتد من اجل الأجور

الإضراب المرتقب يمثل فصلاً جديدًا في نزاع ممتد منذ مارس 2023، حيث خاض الأطباء في بريطانيا حتى الآن ثلاثة عشر إضرابًا للمطالبة بإعادة رواتبهم إلى مستوياتها الحقيقية لعام 2008، بعد أن فقدت نحو 26 في المئة من قيمتها الشرائية. 

ويطالب الأطباء بزيادة بنسبة 29 في المئة، بينما منحتهم الحكومة هذا العام زيادة بمتوسط 5.4 في المئة، وهي زيادة تراها النقابة غير كافية لمعالجة التدهور في الدخل الحقيقي.

وقال الدكتور جاك فليتشر، رئيس لجنة الأطباء المقيمين في الجمعية، إن النقابة أمضت الأسبوع الماضي في مفاوضات مكثفة مع الحكومة، لكن الرد الرسمي جاء مخيبًا للآمال، وأضاف أن العرض الحكومي يقتصر على زيادة قدرها جنيه واحد فقط في الساعة على مدى أربع سنوات، مع وعود مبهمة بشأن تطوير التدريب المهني، مشيرًا إلى أن هذا يعكس ضعف فهم الحكومة لحجم الأزمة.

وأشار فليتشر إلى أن الأطباء لا يرغبون في الإضراب، لكنهم أُجبروا عليه بعد أن فشلت الحكومة في تقديم اتفاق جاد، مضيفًا أن الحكومة تتحدث عن الحوار فيما تمضي فعليًا في تجاهل المطالب الأساسية.

تأجيل آلاف العمليات الجراحية

ومن المتوقع أن يؤدي الإضراب إلى تأجيل آلاف العمليات الجراحية والمواعيد الطبية في المستشفيات العامة، ما سيزيد من معاناة المرضى ويعمّق أزمة الثقة بين العاملين في القطاع الصحي والحكومة، وحذرت نقابات مهنية من أن استمرار الخلاف قد يدفع عددًا متزايدًا من الأطباء إلى الهجرة نحو دول تقدم ظروف عمل أفضل، مثل كندا وأستراليا.

ويأتي هذا الإضراب في ظل توترات مستمرة بين الحكومة وحركة النقابات المهنية، إذ تقول الحكومة إنها قدمت خلال السنوات الثلاث الماضية زيادات تراكمية بلغت نحو 28.9 في المئة، معتبرة أنها أكبر زيادة في القطاع العام منذ عقود، إلا أن النقابة ترى أن تلك الزيادات جاءت جزئية ولا تعوّض التراجع الكبير في قيمة الرواتب الحقيقية منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.

كما يواجه الأطباء المبتدئون مشكلات أوسع بجانب أزمة الأجور، أبرزها نقص أماكن التدريب والتخصص، وضغط العمل الطويل، وضعف الدعم النفسي، مما يزيد شعورهم بالإحباط ويؤثر في جودة الرعاية المقدمة، وكان أطباء السنة الأولى قد دخلوا في نزاع منفصل قبل أسابيع بسبب نقص الأماكن المتاحة للالتحاق بتخصص بعد عامين من التدريب الأساسي، في مؤشر على أزمة تنظيمية أعمق داخل النظام الصحي البريطاني.

ويحذر المسؤولون في هيئة الخدمات الصحية من أن فترة الإضراب ستتزامن مع ذروة فصل الشتاء، ما يجعلها من أصعب الفترات التي تمر بها المستشفيات منذ سنوات. 

وقد دعت الهيئة المواطنين إلى مراجعة أقسام الطوارئ فقط في الحالات الحرجة.

ورغم القلق العام من تعطل الخدمات، يحظى الأطباء بتعاطف شعبي واسع، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو 60 في المئة من البريطانيين يتفهمون مطالبهم، معتبرين أن إنصافهم ضرورة للحفاظ على استقرار المنظومة الصحية.

وبينما تصر الحكومة على ضبط الإنفاق العام، يصر الأطباء على أن نضالهم ليس من أجل المال فقط، بل من أجل الكرامة المهنية وضمان استمرار خدمة صحية عامة قادرة على جذب الكفاءات. ومع اقتراب موعد الإضراب، تبدو هيئة الخدمات الصحية الوطنية مقبلة على اختبار جديد، يعكس أزمة الثقة العميقة بين الحكومة والعاملين في الصفوف الأمامية لإنقاذ الأرواح.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية