تبعات الزلزال.. نداء أممي لدعم جهود التعافي في أفغانستان بـ128 مليون دولار
تبعات الزلزال.. نداء أممي لدعم جهود التعافي في أفغانستان بـ128 مليون دولار
كشف تقييم أممي مشترك عن حاجة أفغانستان إلى 128.8 مليون دولار لإعادة الخدمات الأساسية إلى المقاطعات الشرقية التي ضربتها سلسلة الزلازل الأخيرة، محذرا من أن جهود التعافي تواجه عجزا حادا في التمويل في ظل تراجع دعم المانحين الدوليين، ويأتي هذا التقييم في لحظة حساسة بالنسبة للأفغان، حيث تتقاطع آثار الزلزال مع أزمات اقتصادية واجتماعية ممتدة منذ سنوات، لتضع المجتمعات المحلية في وضع بالغ الهشاشة.
التقييم الذي شاركت فيه الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبنك التنمية الآسيوي، يطرح خطة تمتد لثلاث سنوات تهدف إلى إعادة بناء المنازل المدمرة والمرافق الصحية وأنظمة المياه، وإصلاح الأراضي الزراعية التي تشكل شريان الحياة الرئيسي للقرى في ولايات كونار وننكرهار ولغمان، ويشير القائمون على التقييم إلى أن هذه المناطق لم تكن قد تعافت أصلا من آثار الجفاف والانكماش الاقتصادي، قبل أن يضيف الزلزال طبقة جديدة من الأعباء فوق واقع متدهور، وفقاً لوكالة رويترز.
وضع لا يسمح بصدمات جديدة
ستيفن رودريجيز، الممثل المقيم للأمم المتحدة في أفغانستان، قال في تصريح صحفي إن المجتمعات المتضررة كانت أصلا على حافة القدرة على الصمود، وأضاف أن الجفاف، وتراجع التحويلات المالية، وعودة أعداد كبيرة من اللاجئين في الأشهر الأخيرة، كلها عوامل تركت السكان في وضع لا يسمح بالتعامل مع أي صدمة إضافية، ويؤكد رودريجيز أن الطاقة الاستيعابية للناس والمؤسسات المحلية باتت شبه منهارة، وأن أي تأخير في توفير التمويل اللازم سيؤدي إلى تدهور سريع في الأوضاع الإنسانية.
وبحسب التقييم، فإن الزلازل أسفرت عن خسائر مباشرة بلغت 86.6 مليون دولار في عشر مناطق، وأثرت على 56 ألف أسرة، ويتحدث التقرير عن دمار واسع ضرب المنازل، حيث انهار أكثر من 6200 منزل بشكل كامل، بينما تعرض قرابة 2000 منزل لأضرار جسيمة جعلتها غير صالحة للسكن، ولم تسلم البنية التحتية الخدمية من الأضرار، إذ تضررت 22 منشأة صحية و80 مدرسة، وهو ما يعني فقدان الآلاف من الأطفال لبيئات تعليمية آمنة، وحرمان السكان من خدمات طبية أساسية في مناطق يصعب الوصول إليها أصلا.
إعادة الإعمار
وتعد إعادة بناء المنازل التحدي الأكبر في خطة التعافي، إذ تتطلب هذه الخطوة وحدها 54.9 مليون دولار، وتأتي بعدها الحاجة إلى إعادة تأهيل قطاع التعليم الذي يتطلب 14.9 مليون دولار لضمان استمرار العملية التعليمية ومنع تسرب الأطفال، خاصة الفتيات، من المدارس، وتشمل الخطة أيضا تمويل مشاريع المياه والري وإصلاح الأراضي الزراعية والطرق الريفية، وهي قطاعات حيوية لبقاء المجتمعات المحلية وإعادة دوران عجلة الحياة اليومية.
ورغم وضوح الاحتياجات الملحة، تواجه جهود الإعمار عقبة كبيرة تتمثل في انحسار التمويل الدولي، ففي الوقت الذي تقدر فيه الأمم المتحدة حاجة أفغانستان إلى 3.2 مليار دولار هذا العام وحده لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، لم يتم توفير سوى أقل من نصف هذا المبلغ.
وتشير التقديرات إلى أن عام 2026 سيشهد حاجات مالية مماثلة، ما يعني أن أزمة التمويل ليست طارئة أو استثنائية، بل حالة ممتدة تهدد كل خطط الإغاثة والتعافي.
ويأتي هذا التراجع الحاد في التمويل في سياق سياسي معقد، إذ لم تتلقَ معظم وكالات الإغاثة الدولية سوى مستويات محدودة من الدعم بسبب الظروف السياسية المحيطة بحكم طالبان وسياساتها الداخلية، كما لم تقدم السلطات الأفغانية الحاكمة تعليقا على نتائج التقييم أو على مستويات الدعم المطلوبة، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية حول محدودية قدرة المؤسسات الحكومية على الاستجابة السريعة للأزمات.
تهديد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي
ويتفق الخبراء على أن تأثير الزلازل يتجاوز الدمار المادي إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمناطق الشرقية. فهذه المناطق تعتمد على الزراعة والتجارة البسيطة كمصادر أساسية للدخل، ومع تضرر الأراضي، ونزوح الأسر، وفقدان المساكن والمدارس، تصبح إمكانية التعافي الذاتي شبه مستحيلة، وتشير تقارير ميدانية إلى أن كثيرا من العائلات تواجه حاليا صعوبة في الحصول على مياه نظيفة أو غذاء ثابت، بينما تعيش أسر أخرى في خيام مؤقتة لا توفر حماية كافية من البرد أو الأمطار.
ومن الناحية الإنسانية، يحذر مراقبون من أن استمرار العجز في التمويل سيؤدي إلى تفاقم الهشاشة في هذه المناطق، وربما يدفع السكان إلى اتخاذ خيارات قاسية، مثل النزوح الداخلي أو التخلي عن التعليم أو اللجوء إلى عمل الأطفال لتأمين دخل إضافي، كما قد يؤدي ذلك إلى زيادة انتشار الأمراض في ظل نقص المرافق الصحية، وصعوبة الوصول إلى المياه الآمنة.
إن خطة التعافي التي طرحتها الجهات الدولية ليست مجرد مشروع هندسي لإعادة بناء المنازل، بل محاولة شاملة لإعادة تشكيل بيئة الحياة الأساسية للأفغان في الشرق، وتدعو الأمم المتحدة المانحين الدوليين إلى التحرك العاجل قبل أن تتحول آثار الزلازل إلى أزمة طويلة الأمد يصعب احتواؤها، خصوصا في ظل هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.










