تركيا مضيفة وأستراليا تتفاوض.. تمثيل دول المحيط الهادئ في كوب31 "مشاركة بلا سلطة"
تركيا مضيفة وأستراليا تتفاوض.. تمثيل دول المحيط الهادئ في كوب31 "مشاركة بلا سلطة"
أظهرت نتيجة الاتفاق بين تركيا وأستراليا حول استضافة مؤتمر الأطراف الأممي (COP31) أن الدول الكبرى لا تتوقف عند مجرد التنافس على الرئاسة، بل تسعى لضبط الأجندة السياسية والاقتصادية للمفاوضات، فقد تقرر أن تستضيف تركيا المؤتمر في أنطاليا، بينما تتولى أستراليا رئاسة المفاوضات الحكومية، وفق ما أوضح وزير المناخ الأسترالي كريس بوين.
ووفقا لصحيفة "الغارديان" يعكس هذا الترتيب محاولة للتوفيق بين مصالح الطرفين، لكنه في الوقت ذاته يُسلط الضوء على هشاشة التعددية المناخية، حيث يظل قرار الاستضافة بين القوى الكبرى، في حين تُجبر الدول الصغيرة، ولا سيما جزر المحيط الهادئ، على التفاوض من موقع ضعف، مع تبني حلول رمزية مثل عقد فعالية مسبقة في إحدى الجزر لتعزيز التمويل والصمود أمام الكوارث المناخية.
وأوضح بوين أن الفعالية المقررة في جزيرة بالمحيط الهادئ تهدف إلى إنشاء صندوق لتعزيز مرونة الدول الصغيرة أمام الكوارث المناخية، ومع ذلك، تبقى هذه الخطوة، رغم أهميتها "محدودة النطاق"مقارنة مع حجم التهديد الذي يواجهه السكان المحليون، فارتفاع منسوب مياه البحر يهدد أراضيهم وصحة مجتمعاتهم وسبل معيشتهم، كما تشير بيانات وكالة ناسا ومنظمة الهجرة الدولية، التي سجلت تشرد نحو 320 ألف شخص بين عامي 2008 و2017.
يشير هذا الوضع إلى ضرورة إدراج العدالة المناخية وحقوق الإنسان البيئية كعنصر جوهري في كل اتفاقيات التمويل والمفاوضات، وليس مجرد بند شكلي ضمن جدول الأعمال، فالتمويل يجب أن يكون مرتبطًا بمساءلة واضحة، ويضمن قدرة الدول الصغيرة على حماية حقوق مواطنيها وحياتهم اليومية، وليس مجرد تقديم دعم مالي محدود أو مؤقت.
الإحباط الدولي
عبرت بابوا غينيا الجديدة عن استيائها من انسحاب أستراليا عن استضافة مؤتمر COP31، معتبرة أن العملية الحالية مضيعة للوقت وغير فعالة في حماية مصالح دول الجنوب، وفق تصريح وزير الخارجية جاستن تكاتشينكو والتي نقلتها "الغارديان".
وأكد المراقبون أن انسحاب أستراليا يمثل إخفاقًا في الوفاء بالالتزامات الدولية تجاه العدالة المناخية، ويعكس هشاشة آليات الحماية الدولية لحقوق السكان الأكثر عرضة للآثار المناخية، فالأزمة المناخية لا تعرف حدودًا سياسية، ولكن قدرة الدول الصغيرة على الدفاع عن حقوقها تبقى محدودة أمام القوى الكبرى التي تتحكم في أجندة المؤتمر وجدول الأعمال.
عبر رئيس الوزراء السابق لتوفالو، بيكينيبو باينيو، عن أن القرار الأسترالي يظهر "عدم التزام أستراليا بالعدالة المناخية"، مشددًا على ضرورة إعادة صياغة العلاقات بين دول المحيط الهادئ وأستراليا لضمان حماية حقوقهم البيئية والاجتماعية، وأضاف: "المحيط الهادئ سيواصل كفاحه مهما كلف الأمر"، وهو ما يبرز مقاومة هذه الدول الصغيرة أمام الإهمال الدولي المستمر.
التمويل المناخي
يُظهر الاتفاق بين تركيا وأستراليا أن التمويل المناخي أصبح أداة سياسية بقدر ما هو أداة حقوقية، فصندوق تعزيز المرونة الذي أُعلن عنه يمثل محاولة لدعم دول المحيط الهادئ، لكنه لا يضمن تحقيق حقهم في الاستقرار البيئي والمعيشي.
يشير تحليل "الغارديان" إلى أن التمويل يجب أن يرتبط بآليات واضحة للمساءلة، بما يشمل تقييم أثر المشاريع على المجتمعات المحلية، وضمان عدم استغلال الدول الصغيرة كمساحات تجريبية للسياسات المناخية الدولية، فالتمويل وحده لا يكفي إذا لم يكن جزءًا من إطار حقوقي يضمن المشاركة الفعلية والتمثيل الحقيقي لهذه الدول في كل مراحل صنع القرار.
وأكدت " الغارديان" أن أي اعتراض على جدول الأعمال قد يؤدي إلى رفعه إلى مقر الأمم المتحدة في بون لمدة تصل إلى 12 شهرًا ويبرز هذا الإجراء هشاشة التعددية المناخية، حيث يُترك القرار النهائي في يد الدول الكبرى، فيما تُجبر الدول الصغيرة على الانتظار أو القبول بالحلول الرمزية.
ويشير تكاتشينكو إلى أن العملية الحالية "لا تحقق العدالة المناخية ولا تُحاسب كبار الملوثين"، وهو تقييم يوضح أن حقوق الإنسان البيئية تُهمل غالبًا في سياق القرارات الدولية، رغم أن هذه الحقوق تُعد أساسية لبقاء الشعوب الصغيرة والمتأثرة بالمناخ.
ويطرح هذا الوضع تساؤلات حقيقية حول جدوى المفاوضات الدولية إذا لم تُدمج حقوق الإنسان البيئية بشكل فعلي في آليات اتخاذ القرار.
تحديات المستقبل
يظهر الاتفاق أن دول المحيط الهادئ تواجه تحديًا مزدوجًا: الحفاظ على أصواتها ضمن المفاوضات، والمطالبة بحماية حقوقها البيئية الأساسية في مواجهة قوى عظمى تتحكم في جدول الأعمال.
يشير تقرير نشرته "أسوشيتد برس" إلى أن أي اتفاق بين الدول الكبرى يجب أن يُترجم إلى إجراءات ملموسة تشمل: حماية الأراضي السكنية والزراعية من الغمر البحري، ضمان استقرار الأمن الغذائي والصحي للسكان المحليين، تمويل الوقاية وإعادة الإعمار بعد الكوارث، إشراك المجتمعات المحلية في صياغة السياسات واتخاذ القرار.
بهذه الطريقة، يمكن أن تتحول الاجتماعات الدولية إلى أدوات حقيقية لتعزيز حقوق الإنسان البيئية، وليس مجرد مناسبات دبلوماسية رمزية.
يُظهر تحليل الاتفاق التركي-الأسترالي أن النتائج المترتبة على استضافة COP31 تتجاوز مجرد المكان أو الدور التمثيلي، لتصل إلى صميم العدالة المناخية وحقوق الإنسان البيئية، فالتمويل، التمثيل، والمساءلة الدولية تمثل عناصر أساسية لضمان حماية دول المحيط الهادئ، التي تواجه خطرًا وجوديًا بسبب تغير المناخ.
يمكن القول إن الاتفاق يخلق فرصة حقيقية لتحسين مشاركة الدول الصغيرة في صنع القرار، لكنه يضع في الوقت نفسه مسؤولية كبيرة على الدول الكبرى لضمان عدم تحويل المؤتمر إلى أداة سياسية على حساب حقوق الأكثر ضعفًا.










