التجار يكسرون الصمت.. اتساع أكبر حركة احتجاج اقتصادية في صنعاء ضد الحوثيين

التجار يكسرون الصمت.. اتساع أكبر حركة احتجاج اقتصادية في صنعاء ضد الحوثيين
إضراب التجار في اليمن

شلل تجاري يضرب قلب العاصمة صنعاء بعد أن تمدد الإضراب الذي أطلقه تجار الملابس والأقمشة إلى ثمانية قطاعات جديدة، ليفتح فصلا غير مسبوق من المواجهة بين التجار وقرارات الجباية التي فرضتها سلطة الحوثيين خلال الأشهر الماضية، وعلى نحو بدا أقرب إلى انتفاضة اقتصادية صامتة، انطفأت الحركة في أسواق المدينة الرئيسية وتحوّل الزحام المعتاد إلى طرقات فارغة ومتاجر مغلقة بإحكام، في مشهد نادر لم تعرفه العاصمة منذ سنوات الحرب.

تصعيد تجاري يعكس ضيقاً متراكماً

جاء الإضراب الواسع بعد أن دعت النقابة العامة لتجار الملابس والأقمشة والأحذية قطاعات جديدة إلى الانضمام إلى الإغلاق الشامل، وتشمل هذه القطاعات تجار الخردوات والألعاب والأدوات المنزلية والتحف والهدايا والأدوات الكهربائية والدراجات النارية والساعات والإكسسوارات والعطور، وبدءا من أمس الأربعاء توقفت المتاجر بإجماع غير معهود، بعد دعوة النقابة إلى ثلاثة أيام من الإغلاق احتجاجا على ما وصفته بسياسات جائرة ضربت السوق المحلي وأرهقته، وفق "بوست 24".

وفي بيان حاد اللهجة أكدت النقابة أن القرارات الضريبية الجديدة جاءت لتزيد الضغوط على التجار الذين يعانون أصلا من كساد ممتد وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، وأشارت إلى أن كل محاولات الحوار لإيجاد حلول وسط قوبلت بالتجاهل من سلطات الحوثي، الأمر الذي دفعها إلى حشد التجار في موقف موحد قائلة إن وحدة الموقف هي السلاح الوحيد المتاح في مواجهة ما اعتبرته ظلما متواصلا.

أسواق تتوقف ومشهد احتجاجي نادر

لم تمض ساعات على إعلان الإضراب حتى بدت الأسواق الشهيرة في صنعاء خالية إلا من المارة القلائل، وفي باب اليمن، مركز تجارة الأقمشة الأكبر في البلاد، أغلقت الممرات التجارية التي كانت تضج بالحركة، وانتقل الإضراب سريعا إلى أسواق التحرير وباب السلام والقاع وشارع هائل وصنعاء القديمة، وهي المناطق التي تشكل العمود الفقري للنشاط التجاري في المدينة، وأشار تجار إلى أن حجم الالتزام أظهر عمق الأزمة وأن شعور الظلم الاقتصادي أصبح عاما ولم يعد مقتصرا على قطاع بعينه.

رئيس النقابة العامة للتجار، يعقوب المقبلي، شدد على أن الإضراب ليس عملا عابرا بل موقفا للدفاع عن مصالح العاملين في السوق في مواجهة ما يصفه التجار بقرارات غير واقعية، وأكد أن النقابة ستطبق إجراءات داخلية على أي تاجر يخرق قرار الإضراب حفاظا على وحدة الصف.

رسوم تتضاعف وتجار يتحدثون عن انهيار وشيك

قبل أسابيع رفعت سلطات الحوثيين الرسوم الجمركية على الملابس المستوردة بنسبة وصلت إلى مئة في المئة، تحت مبرر دعم الإنتاج المحلي وتشجيع المصانع اليمنية، لكن التجار يرون أن هذه القرارات تفاقم الركود بدلا من دعم الصناعة، خاصة في ظل غياب القدرة الإنتاجية داخل البلاد، ويقولون إن القرار الجديد يأتي امتدادا لقرارات أخرى خلال العام الماضي بلغت زياداتها نحو مئة واثنتي عشرة في المئة، الأمر الذي رفع الكلفة النهائية للسلع إلى مستويات لم تعد تحتملها الأسواق.

ويؤكد تجار في صنعاء أن الزيادات المتتالية دفعت الكثير من العاملين في تجارة الملابس إلى حافة الإفلاس، وأن ارتفاع الرسوم الجمركية ينعكس مباشرة على المواطن الذي يعيش تحت ضغوط اقتصادية خانقة، حيث تتآكل قدرته الشرائية مع كل زيادة جديدة، ويرى مراقبون أن تأثير هذه الجبايات لا يتوقف عند حدود السوق بل يؤدي إلى مزيد من الركود الاقتصادي وتراجع حجم التداول النقدي داخل العاصمة، ما يهدد بموجة أوسع من التدهور.

احتجاج من دون أصوات مرتفعة

يلاحظ أن الإضراب اتخذ طابع الاحتجاج الصامت، حيث لم تخرج مسيرات أو بيانات سياسية، بل اكتفى التجار بإغلاق محلاتهم، لكن حجم المشاركة كشف عن مستوى الغضب المكتوم داخل قطاعات الأعمال، ويقول أحد التجار إن السنوات الماضية شهدت محاولات عديدة لمقاومة الضغوط المالية التي فرضتها سلطات الأمر الواقع، لكن تجاوزات الأشهر الأخيرة لم تعد قابلة للاحتمال، حسب وصفه.

ويؤكد عاملون في أسواق صنعاء أن الإضراب أحدث صدمة لدى السكان الذين فوجئوا بالإغلاق المفاجئ، خاصة أن جزءا من القطاعات التي شاركت تمثل مصدر توريد حيوي للسلع الأساسية في المنازل والمتاجر الصغيرة، ولم تصدر حتى اللحظة أي تصريحات رسمية من سلطات الحوثيين حول الإضراب، إلا أن مصادر محلية تحدثت عن نقاشات داخلية لمحاولة احتواء الأزمة قبل اتساعها إلى قطاعات إضافية.

تجار يبحثون عن حماية لمستقبلهم

بالنسبة للكثير من التجار، يمثل هذا الإضراب محاولة أخيرة لكبح الجبايات المتضاعفة التي تفرض عليهم من دون استشارة أو دراسة اقتصادية واضحة، وتقول النقابة إن استمرار هذه الإجراءات سيؤدي إلى إغلاق مئات المحلات وإخراج آلاف الأسر من دائرة العمل. ويشير عاملون في القطاع التجاري إلى أن السوق لم يعد يحتمل مزيدا من الاضطراب وأن تغيير قواعد الضرائب والرسوم بشكل مستمر يدفع البضائع إلى الارتفاع، ويجعل التخطيط المستقبلي للتجارة أمرا شبه مستحيل.

ويعتقد اقتصاديون أن المناطق الخاضعة للحوثيين تواجه أزمة متصاعدة في الإيرادات، الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة عبر فرض رسوم إضافية على القطاعات الإنتاجية والتجارية. لكنهم يرون أن هذه السياسات تحمل خطرا كبيرا على السوق لأنها تستنزف قدرة التجار وتدفعهم إلى تقليل العمل أو الهجرة التجارية إلى مناطق أخرى خارج سيطرة الجماعة.

انعكاسات اجتماعية تتوسع

لا يقتصر تأثير الإضراب على الجانب الاقتصادي فقط، فالأزمة تلقي بظلالها على الحياة اليومية للسكان. فإغلاق محلات بيع الملابس والسلع الأساسية أدى إلى ندرة بعض البضائع وارتفاع أسعار أخرى لدى تجار التجزئة الذين لم يشملهم الإضراب بشكل كامل، كما أدى التوتر بين التجار والسلطات المحلية إلى حالة من القلق داخل المجتمع، إذ يخشى كثيرون من أن يؤدي التصعيد الحالي إلى مواجهات أكبر أو قرارات عقابية تزيد الوضع سوءا.

شهدت أسواق صنعاء خلال السنوات الماضية سلسلة من التحولات العميقة بسبب الحرب وما تبعها من تراجع اقتصادي واسع. ومع سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة منذ عام 2014، فرضت السلطات الجديدة أنظمة مالية وجبائية أثارت اعتراضات مستمرة من التجار والصناعيين، وتعد الجبايات إحدى أبرز أدوات التمويل غير المباشرة التي تعتمد عليها الجماعة لسد فجوات الإيرادات، في ظل انقطاع مرتبات موظفي الدولة وتراجع الموارد الرسمية.

وترافق هذا الوضع مع ارتفاع كبير في الفقر حيث تعتمد معظم الأسر على مساعدات محدودة أو تحويلات خارجية، بينما تتراجع قيمة العملة المحلية وتتصاعد تكاليف الاستيراد. وقد شهدت السنوات الأخيرة موجات متتالية من الانتقادات لسياسات الجمارك والضرائب في صنعاء، إلا أن الإضراب الأخير يعد الأكبر منذ بداية الحرب ويكشف عن تصاعد التوتر بين التجار وسلطة الأمر الواقع، في ظل مخاوف من انعكاسات اقتصادية أعمق إذا لم يتم التوصل إلى حلول عملية تخفف العبء عن السوق والسكان معا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية