الأوروبيون يقلّصون التعاون الاستخباراتي مع واشنطن خشية استخدامه ضد فنزويلا
الأوروبيون يقلّصون التعاون الاستخباراتي مع واشنطن خشية استخدامه ضد فنزويلا
تثير التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة ضد ما تقول إنه شبكات لتهريب المخدرات الفنزويلية، إضافة إلى تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن ضربات داخل الأراضي الفنزويلية، حالة قلق متصاعدة لدى دول أوروبية تمتلك مناطق وأقاليم حساسة في البحر الكاريبي.
ويخشى الأوروبيون من أن تُستخدم أي معلومات يقدمونها لواشنطن في عمليات قد تُعتبر “غير قانونية” داخل أراضٍ تابعة لهم، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأحد.
وبحسب مسؤولين تحدثوا لوكالة فرانس برس، بدأت كل من فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بمنطقة الكاريبي.
ويستند هذا القرار إلى تخوّف من أن تستخدم واشنطن تلك المعلومات لتبرير ضربات عسكرية قد تورّط الدول الأوروبية في أعمال غير منسجمة مع قوانينها الداخلية أو قواعد القانون الدولي.
وتملك بريطانيا أقاليم صغيرة في الكاريبي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، بينما تُعدّ جزر مارتينيك وغوادلوب وغويانا الفرنسية جزءاً رسمياً من فرنسا، أما هولندا، فهي الأكثر التصاقاً جغرافياً بفنزويلا عبر جزر "أروبا وبونير وكوراساو" المعروفة اختصاراً بـ"إي بي سي".
اتهامات متبادلة
وتتبادل واشنطن وكراكاس الاتهامات منذ أسابيع، ففنزويلا تتهم الولايات المتحدة بالسعي إلى “تغيير النظام” عبر تعزيزات عسكرية تشمل حاملة طائرات وسفناً حربية وطائرات شبح. بينما تتهم واشنطن الرئيس نيكولاس مادورو بقيادة “كارتل مخدرات إرهابي”، وهو ما تنفيه كراكاس بشدة.
وتشير بيانات أمريكية إلى أن الضربات الجوية الأمريكية منذ سبتمبر الماضي أسفرت عن مقتل 83 شخصاً على الأقل، بدعوى أنهم على متن قوارب لتهريب المخدرات في المياه الدولية، إلا أن الولايات المتحدة لم تكشف عن أي تفاصيل تثبت صراحة هوية هؤلاء القتلى، أو أنهم بالفعل من شبكات التهريب.
ووفق مصادر عسكرية أوروبية، تشعر هولندا تحديداً بقلق بالغ حيال مصير جزر "إي بي سي" الواقعة على بعد نحو 50 كيلومتراً فقط من السواحل الفنزويلية، ويحذر خبراء من أن تلك الجزر قد تجد نفسها “على خط المواجهة” في حال انزلاق الوضع نحو مواجهة عسكرية مفتوحة.
تبادل المعلومات الاستخباراتية
مع اشتداد المخاوف، بدأت الدول الأوروبية الثلاث الحدّ من تبادل المعلومات الاستخباراتية العملياتية مع الولايات المتحدة، وهي الخطوة التي أكدها مدير جهاز الاستخبارات الهولندية إريك أكيربوم في تصريحات لصحيفة “دي فولكس كرانت”، مشيراً إلى ضرورة حماية الأجهزة الأوروبية من “التسييس” أو التورط في أعمال قد ترتبط بانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي السياق ذاته، قال رئيس جهاز مكافحة المخدرات الكاريبي ديمتري زولاس إن أي دولة أوروبية لن ترسل معلومات استخباراتية “يمكن أن تُستخدم كذريعة لضربة عسكرية أمريكية”.
ورغم تحفظ السلطات الفرنسية عن تأكيد الموقف علناً، قال مصدر أمني، إن “الأوروبيين لا يقدمون حالياً أي معلومات استخباراتية قد تؤدي مباشرة إلى ضربة”.
وفي لندن، نقلت صحيفة “تايمز” عن المدعي العام ريتشارد هيرمر دعوته الوزراء إلى وقف تبادل المعلومات الحساسة، خشية أن تستخدم في “اغتيال” تجار مخدرات في الكاريبي، غير أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو نفى هذه التقارير واعتبرها “أخباراً كاذبة”.
ويرى رئيس جهاز "إم آي 6" البريطاني السابق ريتشارد ديرلوف أن الوضع ليس استثنائياً، وأن مثل هذه التحفظات حدثت في الماضي لحماية الأوروبيين من التورط القانوني في عمليات قد تكون مشروعة في الولايات المتحدة لكنها غير قانونية في أوروبا.
توازن حذر
يدرك الأوروبيون أن معارضة واشنطن علناً خطوة حساسة، خاصة أن الولايات المتحدة تقدم كماً كبيراً من المعلومات الاستخباراتية لحلفائها، لكن مصادر عسكرية أمريكية سابقة ترى أن مساهمة الأوروبيين في عمليات مكافحة المخدرات الأمريكية في الكاريبي تُعد محدودة أساساً، ما يقلّل عملياً من تأثير هذا التراجع الأوروبي.
وبحسب خبراء، يبدو أن الخلاف مرتبط بالشق القانوني أكثر منه بتغيير جوهري في العلاقات الاستخباراتية عبر الأطلسي. فوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وفق ديرلوف، “مدركة تماماً لهذه الإشكاليات”، مضيفاً أن الأمر “لا يمثل تغييراً جذرياً في التعاون الاستخباراتي”.











