نساء أفغانستان تحت قيود طالبان.. وجعٌ يتكرّر وسط صمتٍ دولي
نساء أفغانستان تحت قيود طالبان.. وجعٌ يتكرّر وسط صمتٍ دولي
تعيش المرأة الأفغانية واحدة من أقسى التجارب الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، بعد أن تحوّلت حياتها منذ أغسطس 2021 إلى مساحة ضيقة تُصادر فيها الحقوق الأساسية، ويُهمَّش فيها الصوت الأنثوي، وتُفرض فيها منظومة قاسية من القيود التي حوّلت الوجود النسوي إلى حالة دائمة من الخوف والحرمان والعزلة.
وبينما يستعد العالم لإحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تعود إلى الواجهة معاناة ملايين الأفغانيات اللواتي يواجهن عنفاً ممنهجاً لا يقتصر على الأذى الجسدي، بل يمتد ليشمل الحرمان من التعليم والعمل والكرامة والوجود العام، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الاثنين.
تحتفل دول العالم في الخامس والعشرين من نوفمبر باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وهو مناسبة سنوية تذكّر بمكانة حقوق النساء وضرورة الدفاع عنها.
لكن هذه المناسبة تأتي هذا العام في حين تعيش نساء أفغانستان واحدة من أقسى موجات العنف الهيكلي، بعد أن أكدت شبكة المشاركة السياسية للمرأة الأفغانية في بيان صدر اليوم الاثنين، أن “العنف في أفغانستان ليس مشكلة فردية بل أزمة شاملة تضرب عمق المجتمع”.
وأضاف البيان أن النساء في أفغانستان يواجهن حرماناً متواصلاً من التعليم والعمل والتنقّل والتعبير، في ظل غياب شبه كامل للحماية القانونية وتحوّل القيود إلى سياسة رسمية تُطبَّق يومياً.
وبحسب الشبكة، فإن “العنف الذي تتعرض له النساء لم يعد خفياً ولا عرضياً، بل أصبح منهجياً ومنظماً، أسهم الصمت الداخلي والخارجي في ترسيخه”.
قيودٌ مفروضة رسمياً
تشدد الشبكة في بيانها على أن منع المرأة من التعليم والعمل هو شكل صريح من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، مؤكدة أن الحرمان من الحرية والكرامة والفرص الاقتصادية يرسّخ دائرة الفقر والعزلة، ويعمّق الفجوة بين النساء وبين مستقبلٍ آمن يمكن أن يضمن لهن حياة طبيعية.
وتوضح الشبكة أن النساء الأفغانيات يعانين اليوم من أشكال متعددة من الرقابة المشددة، تشمل قيود السفر دون محرَم، وإجبارهن على ارتداء زي محدد، ومنعهن من دخول الحدائق، والجامعات، ومعظم المؤسسات الحكومية، إضافة إلى سياسات الإقصاء التي أبعدتهن عن المجال العام وأغلقت أمامهن كل مسارات المشاركة السياسية والاجتماعية.
وتحذّر الشبكة من استمرار الصمت الدولي، مشيرة إلى أن العالم لم يمارس الضغط الكافي لوقف الانتهاكات أو ضمان التزام السلطات الجديدة بالحد الأدنى من حقوق المرأة.
وتؤكد أن الدعم الدولي يجب أن يتحول من بيانات إلى إجراءات، وأن التضامن العالمي مع المرأة الأفغانية يجب أن يكون مسؤولية مشتركة لكل من يؤمن بالعدالة والكرامة الإنسانية.
كما دعت المنظمات الدولية والحقوقية إلى تقديم دعم مباشر للنساء، وتوثيق الانتهاكات، وتوفير منصات تُمكّن المرأة من إيصال صوتها في الداخل والخارج، مؤكدة أن “كسر الصمت ورفع الوعي هما الخطوة الأولى لمواجهة هذا الظلم الممتد”.
عنفٌ تاريخي ممتد
بدأت الأزمة الحالية مع عودة حركة طالبان إلى الحكم في 15 أغسطس 2021، بعد انهيار الحكومة السابقة وانسحاب القوات الدولية من البلاد.
ومنذ الأيام الأولى لاستلام السلطة، بدأت الحركة في إعادة فرض نمط الحكم الذي عرفته البلاد خلال فترة التسعينيات، وهي فترة اتسمت بإغلاق المدارس أمام النساء ومنعهن من العمل وفرض عزلة كاملة على وجودهن العام.
وعلى الرغم من وعود الحركة الأولى بأنها ستتبنى سياسة أكثر انفتاحاً تجاه حقوق النساء، فإن هذه الوعود لم تصمد طويلاً، وسرعان ما بدأت القرارات المتتالية التي أعادت القيود القديمة بشكل أوسع وأكثر صرامة.
ومنذ ديسمبر 2022، مُنعت النساء من الدراسة الجامعية، وتبعه قرار بإغلاق المدارس الثانوية أمام الفتيات، ثم منع عمل النساء في معظم المنظمات غير الحكومية، قبل أن تتوسع القيود لتطول غالبية الوظائف العامة والخاصة.
هذه السياسات، بحسب منظمات الأمم المتحدة، خلقت “أسوأ أزمة حقوق نساء في العالم”، حيث حُرمت ملايين الفتيات من التعليم، وتحوّلت آلاف الأسر التي كانت تعتمد على دخل النساء إلى فقرٍ مدقع، وتفاقمت معدلات العنف الأسري بسبب غياب منظومة الحماية القانونية.
أملٌ يحتاج دعماً
تختتم شبكة المشاركة السياسية للمرأة الأفغانية بيانها بتأكيد أن مستقبل المرأة في أفغانستان لا يزال ممكناً إذا تكاتفت الجهود المحلية والدولية، وتمّ الضغط على السلطات لرفع القيود الممنهجة، وتوفير حماية عاجلة للنساء.
وتشدد على أن “النضال من أجل حقوق المرأة ليس مسؤولية النساء وحدهن، بل هو واجب أخلاقي على كل من يؤمن بالعدالة والمساواة”.
وفي يومٍ يُفترض أن يكون مناسبة للاحتفال بإنجازات النساء حول العالم، لا تزال المرأة الأفغانية تقف في أقسى نقطة من منحنى العنف، تنتظر صوتاً دولياً أكثر شجاعة، وسياسات أكثر عدلاً، وتضامناً إنسانياً لا يتركها وحيدة أمام أكثر أنظمة القمع بطشاً بحق النساء.










