المجاعة تتفاقم عالمياً.. 720 مليون شخص يواجهون خطر الجوع وسط عجز دولي
المجاعة تتفاقم عالمياً.. 720 مليون شخص يواجهون خطر الجوع وسط عجز دولي
تحوّل الجوع من ظاهرة مرتبطة بالفقر الموسمي إلى أزمة هيكلية عابرة للحدود، تغذّيها الحروب والكوارث والتقلبات الاقتصادية، في حين يُترك ملايين البشر في مواجهة المصير ذاته.. انعدام الأمن الغذائي، وسوء التغذية، والموت البطيء.
ومع كل تقرير أممي جديد، تتأكد حقيقة مؤلمة مفادها أن المجتمع الدولي، رغم الشعارات، ما زال عاجزًا عن تحمّل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية في حماية الحق الأساسي في الغذاء.
وأعلن مدير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة لشؤون التواصل مع روسيا، أوليغ كوبياكوف، اليوم الأحد، أن المجتمع الدولي لا يزال عاجزًا عن مواجهة أزمة المجاعة في العالم، رغم الوفرة التقنية والموارد المتاحة، في مفارقة صارخة بين القدرة والإرادة السياسية.
وقال كوبياكوف، لوكالة «نوفوستي» الروسية، إن هذه الأزمة المتفاقمة لا تعود فقط إلى النقص في الغذاء، بل ترتبط مباشرةً بالنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية وتداعيات جائحة كورونا والصدمات الجيوسياسية والاقتصادية التي تسببت بارتفاع حاد في أسعار الغذاء وتلاشي القدرة الشرائية لملايين الأسر حول العالم.
أرقام صادمة للجوع
كشف كوبياكوف، استنادًا إلى بيانات المنظمة لعام 2024، أن ما بين 638 و720 مليون شخص يعانون من المجاعة حول العالم، وهو ما يمثل ما بين 7.8% إلى 8.8% من سكان الكوكب، أي إن شخصًا واحدًا من بين كل 11 إلى 12 شخصًا يذهب للنوم جائعًا كل ليلة.
وأوضح أن المتوسط الفعلي لعدد الجياع في عام 2024 بلغ نحو 673 مليون إنسان، وهو ما يمثل انخفاضًا طفيفًا مقارنة بعام 2023 بمقدار 15 مليون شخص، وبنحو 22 مليونًا مقارنة بعام 2022، إلا أن هذا “التحسّن الرقمي” لا يعكس بالضرورة تحسنًا حقيقيًا في واقع الأمن الغذائي، بقدر ما يرتبط بتغيرات ديمغرافية وإحصائية.
وتوقّع المسؤول الأممي، وفقًا لتقديرات أولية لعام 2025، أن يرتفع عدد من يعانون من المجاعة إلى أكثر من 735 مليون شخص، ما يعادل 9.1% من سكان العالم، أي مئات الملايين من البشر الذين لن يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية للعيش بصحة ونشاط.
اعتبر أن هذه النسبة، ورغم أنها قد تبدو أقل عند احتسابها مقابل النمو السكاني العالمي، فإنها تعني عمليًا فشلًا واضحًا في بلوغ أهداف التنمية المستدامة، وتراجعًا خطيرًا عن الالتزامات الدولية بالقضاء على الجوع بحلول عام 2030.
إفريقيا في الصدارة
حذّر كوبياكوف من أن استمرار المسار الحالي سيؤدي، بحلول عام 2030، إلى معاناة ما لا يقل عن 512 مليون إنسان من سوء التغذية المزمن، سيعيش نحو 60% منهم في القارة الإفريقية، التي تعاني أصلًا من النزاعات المسلحة، والجفاف، وتدهور الأراضي الزراعية، وانهيار النظم الصحية والاجتماعية.
أعاد ذلك تسليط الضوء على التفاوت العميق بين الشمال والجنوب العالمي، حيث لا يزال ملايين الأفارقة يدفعون ثمن تغيّر المناخ والصراعات الدولية التي لم يكونوا طرفًا فيها.
وشدّد المسؤول الأممي على أن هذه البيانات الكارثية تفرض ضرورة عاجلة لتكثيف التعاون الدولي وتوسيع برامج الدعم الإنساني والزراعي، وزيادة حجم التمويل المخصص للزراعة المستدامة والبنية الأساسية لسلاسل الإمداد الغذائي، بدل الاقتصار على الحلول المؤقتة والمساعدات المحدودة.
وطالب بتحويل الملف الغذائي من مسألة إغاثية طارئة إلى قضية أمن عالمي ذات أولوية قصوى على أجندة الحكومات والمنظمات الدولية.
بؤر جوع حرجة
أشار كوبياكوف إلى أن الدول الأكثر إثارة للقلق حاليًا تشمل فلسطين، ولا سيما قطاع غزة، إلى جانب السودان، وجنوب السودان، وهايتي، ومالي، حيث يعيش السكان بالفعل حالة مجاعة فعلية، أو يقفون على حافتها، أو يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
واعتُبرت هذه المناطق بؤرًا إنسانية ساخنة، نتيجة النزاعات المسلحة والحصار والاضطرابات السياسية والانهيار الاقتصادي، ما يجعل الحصول على الغذاء اليومي معركة بحد ذاتها.
ولفت كوبياكوف إلى أن نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة يواجهون خطر الموت جوعًا، في ظل حرب مدمرة وحصار خانق يستهدف المعابر والمساعدات وسلاسل الإمداد الغذائية.
وأوضح الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد سكان القطاع عام 2024 بلغ نحو 2.13 مليون نسمة، ما يعني أن الغالبية الساحقة من سكان غزة باتوا مهددين بشكل مباشر بالجوع، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.
حق أساسي منتهك
أكّد خبراء حقوق الإنسان أن ما يجري اليوم لا يُعد مجرد أزمة اقتصادية أو بيئية، بل يمثل انتهاكًا صريحًا للحق الأساسي في الغذاء المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
اعتبروا أن استمرار الجوع بهذا الشكل، في عالم قادر على إطعام جميع سكانه، يُعد جريمة أخلاقية عالمية تتطلب مساءلة سياسية وقانونية عاجلة.











