الذكاء الاصطناعي والطاقة.. النمو الاقتصادي مقابل الاستدامة والحق في بيئة نظيفة

الذكاء الاصطناعي والطاقة.. النمو الاقتصادي مقابل الاستدامة والحق في بيئة نظيفة
النمو الاقتصادي مقابل الاستدامة

حذّر رئيس مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، من أن الكم الهائل من الطاقة التي يستهلكها الذكاء الاصطناعي قد يثير حفيظة الناس، مؤكِّداً أن شركات التكنولوجيا بحاجة إلى كسب ثقة الجمهور لتحقيق تأثير إيجابي.

وصرح ناديلا في مقابلة استمرت ساعة مع ماتياس دوبفنر، رئيس مجلس إدارة مجموعة أكسل سبرينغر، المالكة لصحيفة “بوليتيكو”: "في نهاية المطاف، أعتقد أن هذه الصناعة بحاجة إلى كسب موافقة مجتمعية لاستهلاك الطاقة؛ لأننا نُحقق الخير في العالم"، وفقاً لصحيفة “الغارديان”.

وأقرّ بأن النمو السريع لمراكز البيانات "يُشكّل ضغطاً كبيراً" على شبكة الكهرباء، وأن الجمهور لن يقبل بهذا الضغط إلا إذا "أدى إلى نمو اقتصادي واسع النطاق". 

وأضاف أن القطاع يواجه مسؤوليات سياسية جديدة، خاصة بعد الحملات الانتخابية التي شنها العديد من المرشحين الناجحين في نوفمبر ضد الطاقة الهائلة لمراكز البيانات، ما يهدد توسع الذكاء الاصطناعي بشكل شعبوي إذا لم تُدَر المخاطر بعناية.

وأطلقت "قيادة المستقبل"، وهي لجنة عمل سياسي فائقة الدعم للذكاء الاصطناعي، مشروعاً بميزانية تتجاوز 100 مليون دولار لإقناع الجمهور بأن الذكاء الاصطناعي يعزز النمو الاقتصادي والرفاهية.

الاستفادة من الذكاء الاصطناعي

صرح ناثان ليمر، مدير "بناء الذكاء الاصطناعي الأمريكي" لبوليتيكو، أن المشروع يهدف إلى "سرد قصة إيجابية حول كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لما فيه الخير".

رفض ناديلا فكرة أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقاعة استثمارية، مجادلاً بأنه طالما يُحقق مكاسب إنتاجية واسعة تُترجم إلى اقتصاد موسع، فلن تتشكل فقاعة، وأشار إلى أن النمو لن يكون خطياً، وقال: "لا يُمكن أن يكون الأمر مجرد بضع شركات في قطاع واحد في قارة واحدة تُحقق جميع العوائد، بل يجب أن يكون ظاهرة أوسع نطاقاً بكثير.. وإلا فسيكون طريقاً إلى اللامكان".

واستشهد ناديلا بارتفاع إيرادات منصة مايكروسوفت السحابية Azure بنسبة 40% في الربع الأول، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي يحقق إيرادات حقيقية على نطاق واسع، وأضاف أن مايكروسوفت تتبع نهجاً منضبطاً في الإنفاق الرأسمالي وبناء بنية تحتية موزعة عالمياً مع ضوابط سيادية، وهو ما يضمن الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي.

ومن جانبها، سلّطت "لاتيتود ميديا"، وهى منصة أمريكية رقمية تركز على الأخبار والتحليلات الاقتصادية والتكنولوجية، الضوء على أن شركات التكنولوجيا الكبرى، ومنها أمازون ومايكروسوفت وجوجل وميتا، ستستثمر أكثر من 300 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات في عام 2025. وتوقعت أن يضيف الذكاء الاصطناعي أكثر من 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2030، ما يضع شركات التكنولوجيا أمام اختبار حقيقي لمصداقية وعودها المناخية.

النمو المتسارع للذكاء الاصطناعي

أوضحت "لاتيتيود ميديا" أن النمو المتسارع للذكاء الاصطناعي يعني زيادة هائلة في استهلاك الكهرباء والمواد الخام للبناء، ما يطرح تحدياً حقوقياً وبيئياً معاً، إذ يزداد الضغط على شبكات الكهرباء الوطنية، وتتصاعد الانبعاثات الكربونية لشركات كبرى، حيث ارتفعت انبعاثات جوجل بنسبة 48% من 2019 إلى 2023، وزادت انبعاثات مايكروسوفت بنسبة 30% منذ 2019 بسبب توسع مراكز البيانات.

وأفادت المنصة الأمريكية أن الشركات العملاقة تتخذ خطوات للتخفيف من الأثر البيئي، مثل شراء الطاقة النظيفة والمفاعلات المعيارية الصغيرة، واستخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، لضمان الامتثال للمعايير البيئية وتلبية توقعات العملاء والمستثمرين على المدى الطويل.

وأوضح برايان مارز، رئيس قسم ابتكارات الطاقة في مايكروسوفت، للاتيتود ميديا، أن إزالة الكربون الكامل من سلسلة التوريد ستكون صعبة للغاية بحلول 2030، لكن الاستثمار في حلول عملية وقابلة للتوسع يعد خطوة ضرورية نحو الاستدامة.

وأشارت المنصة إلى أن التحديات لا تقتصر على الطاقة النظيفة فقط، بل تشمل استهلاك الفولاذ والأسمنت ومواد صناعية أخرى، ما يجعل تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية أمراً معقداً، ومع ذلك، استثمرت مايكروسوفت وجوجل بشكل كبير في أرصدة إزالة الكربون، حيث زادت جوجل مشترياتها 14 ضعفاً بين عامي 2023 و2024.

ضغوط على شبكات الكهرباء

كما كشف تحليل أجرته "الغارديان" أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تمثل ما يقرب من نصف استهلاك الطاقة في مراكز البيانات بحلول نهاية عام 2025، مشيرة إلى أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى طاقة تعادل ما تستخدمه اليابان حالياً بحلول نهاية العقد، ما يعكس ضغوطاً هائلة على شبكات الكهرباء الوطنية والعالمية.

أوضح أليكس دي فريس-غاو، مؤسس موقع Digiconomist، أن حساباته تستند إلى الطاقة التي تستهلكها الرقائق التي تصنعها Nvidia وAMD، والمستخدمة لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، مع الأخذ بعين الاعتبار استهلاك الطاقة لتبريد الخوادم، وأكد أن أي مكاسب في كفاءة الطاقة قد تشجع على استخدام الذكاء الاصطناعي أكثر، ما يزيد الطلب على الطاقة على المدى الطويل.

وقدر دي فريس-غاو أن استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة قد يصل إلى 49% من إجمالي استهلاك مراكز البيانات، أي نحو 23 جيجاواط، ما يعادل ضعف إجمالي استهلاك الطاقة في هولندا، وأشار إلى أن المشاريع مثل Stargate التي أعلنتها OpenAI قد تؤدي إلى زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري.

من خلال التقارير والتحليلات السابقة، يطرح التوسع السريع للذكاء الاصطناعي قضايا حقوقية عدة، أبرزها الحق في بيئة نظيفة وآمنة، والحق في المعلومات حول استهلاك الطاقة وتأثيره في المجتمع، يشير هذا إلى أن الشركات تتحمل مسؤولية مباشرة أمام الجمهور والمستثمرين في تبرير استهلاك الطاقة الكبير وتأثيراته البيئية والاجتماعية، وهو ما أكده ناديلا لبوليتيكو حين شدد على ضرورة كسب "موافقة مجتمعية".

ما يعنى أن الذكاء الاصطناعي يطرح تحدياً مزدوجاً: تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص إنتاجية واسعة، مقابل المخاطر البيئية وحقوق الإنسان المتعلقة بالطاقة والانبعاثات.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية