بين القانون والحريات.. أزمة الحجاب الإلزامي تتفاقم في إيران
بين القانون والحريات.. أزمة الحجاب الإلزامي تتفاقم في إيران
يتواصل الجدل في إيران حول قانون الحجاب الإلزامي الذي فُرض عقب الثورة الإسلامية عام 1979، وسط تصاعد حاد في التوتر بين المؤسسة الحاكمة وقطاعات واسعة من المجتمع، وعلى رأسها النساء والشباب.
وفي تطور جديد يعكس عمق الأزمة، وجّه أكثر من نصف أعضاء البرلمان الإيراني انتقادات مباشرة للسلطة القضائية، متهمين إياها بـ"التساهل" في تطبيق القانون، في دعوة صريحة لتشديد الرقابة والعقوبات، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الأربعاء.
ولا يبدو هذا الخلاف مجرد نقاش قانوني عابر، بل يظهر بوصفه جزءاً من محاولة النظام إحكام السيطرة على الفضاء العام، في وقت تتنامى فيه مظاهر الرفض والتمرد السلمي على هذا القانون، خاصة في المدن الكبرى.
انتفاضة نسائية
منذ اندلاع احتجاجات عام 2022 إثر وفاة الشابة الكردية جينا (مهسا) أميني أثناء احتجازها من قبل "شرطة الأخلاق" بزعم عدم التزامها بالحجاب بالشكل "الشرعي"، تحولت قضية الحجاب من نص قانوني جامد إلى قضية رأي عام عالمية.
وأصبحت صور النساء الإيرانيات وهن يخلعن الحجاب في الأماكن العامة رمزاً قوياً للاحتجاج، ليس فقط ضد قطعة قماش، بل ضد منظومة كاملة من القمع والتحكم في الجسد والاختيار والحياة الخاصة.
وقد أسفرت تلك الاحتجاجات عن سقوط مئات القتلى واعتقال آلاف المواطنين، ما عمّق الجرح المفتوح في العلاقة بين الشعب والسلطة.
البرلمان يطالب بالعقوبة
وفي تصعيد جديد، طالب 155 نائباً إيرانياً، أمس الثلاثاء، رئيسَ السلطة القضائية بتشديد العقوبات على النساء المخالفات لقانون الحجاب، ومنها فرض غرامات مالية مشددة وإغلاق المحال والمقاهي المخالفة وإصدار أحكام سجن محتملة.
ويعكس هذا التوجه تمسك التيار المحافظ بخيار الردع والعقوبة بدل الحوار أو الإصلاح، في تجاهل واضح لمتغيرات المجتمع وتحولاته، خاصة بين الأجيال الشابة التي ترفض القوانين المقيدة للحريات الشخصية.
ولم تقتصر الإجراءات على النساء فقط، بل امتدت لتشمل المؤسسات التجارية. إذ أقدمت السلطات على إغلاق مطاعم ومقاهٍ ومتاجر بحجة عدم فرض الحجاب أو تقديم مشروبات "غير مسموح بها"، ما ألحق أذى مباشراً بعشرات الآلاف من أصحاب الأعمال والموظفين.
ويرى محللون أن هذه السياسة تمثل عقاباً جماعياً للمجتمع، وتسهم في زيادة معدلات البطالة والفقر، في بلد يرزح أصلاً تحت وطأة العقوبات الدولية، وانهيار العملة، وارتفاع جنوني في الأسعار.
صراع على الجسد
لم تعد القضية اليوم مرتبطة بـ"التزام ديني" كما تروّج له السلطات، بل تحولت إلى صراع رمزي ومباشر على جسد المرأة وحقها في إدارة حياتها. وبين سلطة ترى في التشدد وسيلة للبقاء، ونساء يعتبرن الحرية حقاً لا يمكن التراجع عنه، تتسع الهوة الاجتماعية يوماً بعد يوم.
وفي شوارع طهران وشيراز وأصفهان، تتواصل مظاهر التحدي الصامت والعلني، في رسالة مفادها أن المجتمع الإيراني بدأ يخط ملامح مرحلة جديدة، عنوانها: "لا عودة إلى الوراء".











