بعد عام على سقوط النظام.. مخلفات الحرب تواصل حصد أرواح المدنيين في سوريا
بعد عام على سقوط النظام.. مخلفات الحرب تواصل حصد أرواح المدنيين في سوريا
مع مرور عام على سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، لا تزال سوريا تواجه تداعيات النزاع الذي استمر أكثر من عقد، حيث تستمر الألغام ومخلفات الحرب في تهديد حياة المدنيين، وتشكل الأجسام والذخائر غير المنفجرة المنتشرة على نطاق واسع في المناطق السكنية والزراعية خطراً يومياً على المدنيين، ولا سيما الأطفال والنساء الذين يمثلون نسبة كبيرة من الضحايا.
تؤكد الأرقام الصادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم السبت أن هذه المخاطر لم تتراجع، بل إن استمرار الانفلات الأمني وانتشار الألغام والأجسام المتفجرة يزيد من حجم الخسائر البشرية، حتى في مناطق يبدو أنها بعيدة عن خطوط التماس العسكرية السابقة.
حصيلة الضحايا خلال عام
وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ 8 ديسمبر 2024 وحتى 5 ديسمبر 2025 استشهاد 665 مدنياً جراء انفجار مخلفات الحرب، بينهم 199 طفلاً و42 سيدة، موزعين على مناطق سيطرة الحكومة السورية، والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وفصائل "الجيش الوطني"، وتشير الحصيلة إلى أن الأطفال يشكلون نحو 30 بالمئة من الضحايا، وهو ما يعكس هشاشة الإجراءات الوقائية ونقص التوعية المجتمعية في التعامل مع المخاطر.
التوزيع الجغرافي للضحايا
في مناطق سيطرة حكومة دمشق، استشهد 520 مدنياً، بينهم 151 طفلاً و25 سيدة، منهم 8 ضحايا أثناء جمع الكمأة والفواكه البرية، أما مناطق الإدارة الذاتية فقد سجلت استشهاد 43 مدنياً، بينهم 19 طفلاً و4 سيدات، في حين سجلت مناطق سيطرة "الجيش الوطني" 102 ضحية، بينهم 29 طفلاً و13 سيدة.
هذا التوزيع يظهر تركز الخطر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة التي تشهد كثافة سكانية عليا وتنوعاً أكبر في النشاطات الاقتصادية والزراعية، ما يزيد من احتمالية التعرض لمخاطر مخلفات الحرب.
تفاصيل شهرية للضحايا
وفق بيانات المرصد شهد شهر ديسمبر 2024 استشهاد 80 شخصاً، بينهم 12 طفلاً و6 سيدات، وتوزعوا بين حكومة دمشق 64 ضحية، الإدارة الذاتية 4 ضحايا، و"الجيش الوطني" 12 ضحية.
وفي يناير 2025 تم تسجيل 119 شهيداً بينهم 22 طفلاً و5 سيدات، مع تصدر دمشق العدد الأكبر من الضحايا، وشهد فبراير 94 حالة استشهاد بينهم 20 طفلاً و4 سيدات، منهم 8 ضحايا خلال جمع الكمأة، ما يشير إلى خطورة هذه الأنشطة الاقتصادية التقليدية على المدنيين.
وفي مارس تم تسجيل 110 ضحايا بينهم 26 طفلاً و9 سيدات، وفي أبريل 55 ضحية بينهم 18 طفلاً و7 سيدات، وفي مايو شهد 52 حالة استشهاد بينهم 23 طفلاً وسيدتان، يونيو 35 ضحية بينهم 16 طفلاً وسيدتان، وفي يوليو سجل 25 ضحية بينهم 11 طفلاً و3 سيدات.
وفي أغسطس شهد 32 حالة استشهاد بينهم 16 طفلاً و4 سيدات، وفي سبتمبر سجل 23 ضحية بينهم 12 طفلاً، وفي أكتوبر 15 ضحية بينهم 5 أطفال، وفي نوفمبر 24 ضحية بينهم 18 طفلاً، وحتى 5 ديسمبر، استشهد طفل واحد ضمن مناطق حكومة دمشق.
مقارنة مع مخلفات الحروب السابقة
تشير مقارنة هذه الفترة مع السنوات السابقة من النزاع في سوريا إلى أن مخلفات الحرب تواصل حصد الأرواح حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية، ففي الفترة ما بين 2018 و2020، وثقت الأمم المتحدة استشهاد أكثر من 900 مدني جراء انفجار الألغام والذخائر غير المنفجرة في مناطق مختلفة، ما يؤكد أن هذه المخاطر طويلة الأمد وتتطلب استجابة مستمرة ومنظمة.
كما أظهرت تقارير سابقة أن الأطفال في المناطق الريفية كانوا الأكثر عرضة للوفاة أو الإصابة نتيجة انفجار الأجسام المتفجرة أثناء اللعب أو جمع المحاصيل، في حين تعرضت النساء لحوادث مشابهة أثناء الأنشطة المنزلية والزراعية، ما يعكس العلاقة المباشرة بين نمط الحياة المدني والتهديدات المستمرة.
التهديد النفسي والاجتماعي
لا يقتصر تأثير مخلفات الحرب على الخسائر الجسدية، بل يمتد ليشمل آثاراً نفسية واجتماعية واسعة، فالأطفال الذين يفقدون أفراد أسرهم أو يشهدون انفجارات مباشرة يعانون من اضطرابات نفسية طويلة الأمد، في حين تضطر العائلات إلى تغيير سلوكياتها اليومية لتجنب مناطق الخطر، ما يؤثر في أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية.
مطالب حقوقية
جدد المرصد السوري دعوته إلى إطلاق برنامج وطني شامل لإزالة الألغام ومخلفات الحرب، بمشاركة الجهات المحلية والدولية المتخصصة، إضافة إلى تعزيز تدابير حماية المدنيين عبر تعليمات السلامة والإشراف الميداني في المناطق عالية التلوث.
كما أوصى المرصد بتوسيع برامج التوعية المجتمعية، خصوصاً في المناطق الزراعية والفئات الأكثر عرضة للخطر، وتوفير دعم عاجل للضحايا وذويهم يشمل خدمات الإسعاف والعلاج وإعادة التأهيل الجسدي والنفسي.
وتم تأكيد ضرورة استمرار توثيق الانتهاكات والأضرار لضمان المساءلة القانونية وتوجيه خطط إعادة الإعمار بشكل يحمي سلامة السكان وحقوقهم.
تعد مخلفات الحرب في سوريا جزءاً من التحديات الإنسانية المستمرة بعد النزاعات المسلحة، وتشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني في حال عدم التعامل معها بما يحمي المدنيين، وفق اتفاقيات جنيف، يتعين على جميع الأطراف المتحاربة ضمان حماية المدنيين من مخاطر النزاع، ومنها الألغام والذخائر غير المنفجرة.
كما حذرت الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من استمرار تهديد الأجسام المتفجرة على حياة المدنيين، مشيرة إلى أن أكثر من 60 بالمئة من ضحايا الألغام في النزاعات السابقة كانوا من الأطفال، وتشدد المنظمات الحقوقية الدولية على أن برامج إزالة الألغام تحتاج إلى تمويل مستدام وخطط وطنية طويلة الأمد، إضافة إلى إشراك المجتمعات المحلية لضمان فعالية التدخل وتقليل الخسائر البشرية.
تؤكد الأرقام والحقائق أن مخلفات الحرب في سوريا تواصل كابوسها على المدنيين رغم انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية، ويشكل الأطفال والنساء الفئات الأكثر هشاشة، في حين يبقى غياب برنامج وطني شامل لإزالة الألغام والتوعية الوقائية أكبر عقبة أمام إعادة الأمن والاستقرار، وتمثل حماية المدنيين وضمان سلامتهم شرطاً أساسياً لإعادة بناء النسيج الاجتماعي وتحقيق السلم الأهلي المستدام في البلاد.











