أنفاس محبوسة تحت الخيام.. حين يصبح الهواء أمنية لمرضى الربو في غزة
أنفاس محبوسة تحت الخيام.. حين يصبح الهواء أمنية لمرضى الربو في غزة
تعيش آلاء الكفارنة المريضة بالربو في قطاع غزة حيث لا يتوقف صوت الانفجارات ولا تختفي رائحة الغازات السامة، فتتحول عملية التنفس إلى معركة يومية للبقاء بين أنقاض الحرب وغياب الدواء.
تنقل الشابة تفاصيل معاناتها مع المرض في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل رغم وقف إطلاق النار المعلن، حيث لم تعد نوبة الربو حالة طبية طارئة فقط، بل باتت انعكاساً لواقع صحي وبيئي قاتل تحوّل فيه الهواء إلى خليط من الخوف والسموم والدخان، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، اليوم الأحد.
يعاني مرضى الربو من مرض صدري مزمن يلازمهم مدى الحياة، وتتفاقم حدته بتأثير عوامل متعددة، أبرزها تبدل الطقس، والضغط النفسي الحاد، والتعرّض للغازات السامة والغبار الكثيف، وهي عوامل اجتمعت كلها بشكل قاسٍ في بيئة الحرب داخل قطاع غزة.
ويتأثر الجهاز التنفسي بشكل مباشر بالروائح الحادة الناتجة عن القصف، مثل الفسفور، والغازات الخانقة، والحرائق المفتوحة، الأمر الذي يجعل فرص تحسن المريض شبه معدومة، ويحوّل كل لحظة إلى خطر محتمل على الحياة.
لحظات بين الحياة والموت
توضح آلاء أنها اكتشفت إصابتها بالربو في سن الرابعة عشرة، لكن حالتها كانت مستقرة نسبياً قبل الحرب، ولم تكن بحاجة للدخول إلى المستشفى إلا نادراً.
تفاقمت حالتها بشكل حاد مع تصاعد العدوان ونزوحها القسري، وحرمانها من أدويتها الأساسية وأجهزتها الطبية التي دُمّرت تحت الركام بعد قصف منزلها، فلم يعد لها سوى بخاخ واحد نادر الوصول، يُستخدم بحذر شديد كمن يقسّم أنفاسه على ساعات اليوم.
واجهت آلاء، في واحدة من أشد نوبات الاختناق، لحظات فاصلة بين الحياة والموت، حين تغيّر لون وجهها إلى الأزرق دون أن تجد سريراً شاغراً في المستشفى لأن الأولوية كانت لضحايا القصف المباشر.
يروي والدها كيف قضى يوماً كاملاً يتنقل بين الصيدليات مشياً على قدميه، بحثاً عن بخاخ واحد ينقذ حياة ابنته، قبل أن يعثر عليه بصعوبة باعتباره آخر ما تبقّى في السوق المنهك.
كانت تملك جهاز تبخير يحوّل الدواء إلى رذاذ يصل للرئتين مباشرة، لكن القصف دمّر الجهاز، فلم يبقَ لها سوى محاولات بدائية للحفاظ على التنفس.. تتأثر آلاء حتى من الروائح البعيدة، كمياه الصرف الصحي أو دخان الطهي، رغم أنها لا تقترب من مصادر النيران، وتضطر لاستخدام البخاخ مرة واحدة فقط يومياً بسبب ندرته وارتفاع ثمنه.
بدائل قسرية تحت الحصار
لجأت آلاء إلى خلطات عشبية من النعناع والبابونج، محاولة تخفيف وطأة المرض بما توفر، فكانت تغلي الأعشاب وتستنشق البخار تحت غطاء خفيف، كأنها تستنجد بالطبيعة بعد أن أُغلقت أبواب المستشفيات.
تُسرع والدتها بوضع قطعة قماش مبللة بالماء والخل على أنفها عندما تنتشر الغازات، في محاولة لمنع تسرب السموم إلى رئتيها المتعبتين، وهي حيلة باتت تُستخدم داخل آلاف البيوت والخيام.
تتذكر آلاء لحظة اعتقدت فيها أنها فارقت الحياة، حين استُهدفت خيمة مجاورة لمكان نزوحها في النصيرات، فتطايرت الأشلاء حولها وداهمها الاختناق القاتل، قبل أن تستيقظ في المستشفى وعلى وجهها قناع الأكسجين.
حلم الأدوية والعودة
تتمنى اليوم فقط أن تدخل الأدوية إلى غزة، وأن تعود إلى منزلها بعيداً عن الاكتظاظ داخل الخيام، حيث تقضي ليالي طويلة في العراء باحثة عن نفسٍ نقيّ لا يحمل رائحة الحرب.
وتمثل قصة آلاء الكفارنة نموذجاً يتكرر آلاف المرات في قطاع غزة، حيث لا يُقاس عدد الضحايا بمن سقطوا تحت القصف فقط، بل بمن يُحاصرهم المرض ويحرمهم الاحتلال من أبسط مقومات الحياة: الهواء والدواء والأمان.











