تقوض الجهود الأممية.. قيود طالبان على النساء تعمّق الأزمة الإنسانية بأفغانستان
تقوض الجهود الأممية.. قيود طالبان على النساء تعمّق الأزمة الإنسانية بأفغانستان
في تحذير يعكس خطورة التراجع المتسارع في أوضاع حقوق الإنسان بأفغانستان، دعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة حركة طالبان إلى إنهاء ممارساتها التقييدية، وعلى رأسها حظر دخول الموظفات الأفغانيات إلى مرافق الأمم المتحدة، وهو الإجراء الذي دخل شهره الثالث على التوالي، وسط تداعيات إنسانية متفاقمة تمسّ ملايين النساء والفتيات الأكثر احتياجاً للمساعدة.
وأكدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، في بيان رسمي، الأحد، أن استمرار هذا الحظر لا يشكّل فقط انتهاكاً واضحاً لحقوق المرأة في العمل والتنقل، بل يقوّض أيضاً الجهود الإنسانية الرامية إلى إيصال المساعدات إلى الشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع الأفغاني.
وأوضحت أن الفرق النسائية اضطرت إلى أداء مهامها عن بُعد ومن منازلهن، في ظروف صعبة وغير آمنة، ما أدى إلى تعطّل العديد من البرامج الميدانية، خصوصاً تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية، والدعم النفسي، وحماية النساء من العنف.
ضمان وصول آمن
قالت الممثلة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في أفغانستان، سوزان فيرغسون، إن الحظر المفروض على دخول الموظفات والمتعاقدات الأفغانيات إلى مكاتب الأمم المتحدة يجب أن يُرفع فوراً ودون تأخير.
وشددت على أن ضمان وصول آمن وغير مقيّد للفرق النسائية إلى الميدان يعدّ أمراً بالغ الأهمية لاستمرار العمل الإنساني، لا سيما في ظل تفاقم معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي بين النساء والأطفال.
ويمثّل هذا الحظر امتداداً لسلسلة طويلة من القيود التي فرضتها حركة طالبان منذ عودتها إلى الحكم في أغسطس 2021، حيث سارعت إلى استبعاد النساء من المجال العام بشكل شبه كامل.
ومنعَت النساء من العمل في المؤسسات الحكومية، وأغلقت أمامهن أبواب معظم فرص التوظيف، وحرمت الفتيات من التعليم بعد المرحلة الابتدائية، إلى جانب تقييد حركتهن في الأماكن العامة وفرض قيود مشددة على لباسهن وتنقلهن.
رسالة العمل الإنساني
رغم هذه السياسات الصارمة، واصلت كثير من النساء الأفغانيات العمل ضمن وكالات الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية، إيماناً منهن برسالة العمل الإنساني وضرورة الوقوف إلى جانب الفئات الأكثر ضعفاً، وهو ما يجعل حظر طالبان المفروض الآن ليس فقط ضربة لحقوق المرأة، بل أيضاً صفعة مباشرة للفئات التي تعتمد على مساعدات النساء العاملات في المجال الإنساني.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان (يوناما) أن طالبان تمنع وصول الموظفات إلى مكاتبها في مختلف أنحاء البلاد، وطالبت حينها برفع هذه القيود فوراً.
وأشارت البعثة إلى أن هذه الإجراءات أجبرت وكالات الأمم المتحدة وصناديقها الإغاثية على إعادة النظر في خططها التشغيلية، وإيجاد بدائل مؤقتة لضمان استمرار الحد الأدنى من الخدمات المنقذة للحياة.
إقصاء يفاقم معاناة النساء
يرى خبراء في الشأن الإنساني أن إقصاء النساء من العمل الإغاثي في أفغانستان يفاقم معاناة النساء الأخريات، خاصة في مجتمع محافظ يصعب فيه على الرجال الوصول إلى النساء المحتاجات للمساعدة داخل البيوت والمجتمعات المحلية.
ويؤكدون أن غياب الموظفات يعرقل برامج التوعية الصحية، والدعم النفسي، ومبادرات تمكين النساء اقتصادياً، ويترك فجوة خطيرة في الاستجابة للأزمات.
وتشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 28 مليون شخص في أفغانستان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، يشكّل النساء والأطفال النسبة الأكبر منهم، وتشمل الاحتياجات نقص الغذاء، وانتشار سوء التغذية، وغياب الخدمات الصحية الأساسية، وارتفاع معدلات الزواج القسري، وعمالة الأطفال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
ضغوط على طالبان
في ظل هذا الواقع القاتم، تتجدد المطالبات الدولية بضرورة ممارسة ضغوط حقيقية على طالبان لإجبارها على احترام التزاماتها الدولية، ورفع القيود المفروضة على النساء والفتيات، باعتبار أن حقوق المرأة ليست قضية داخلية يمكن التفاوض عليها، بل جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان العالمية.
وتحذر منظمات حقوقية من أن استمرار هذه السياسات من شأنه إنتاج “جيل معزول من النساء”، محروم من التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، ما يهدد مستقبل البلاد على المدى الطويل، ويحوّل أفغانستان إلى واحدة من أكثر الدول قمعاً للمرأة في العالم المعاصر.
ويبقى مصير ملايين الأفغانيات معلقاً بين واقع مظلم ورهانات دولية لم تتحول بعد إلى أفعال حاسمة، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تحرك عاجل ينقذ النساء من دائرة القمع، ويعيد لهن حقهن في الكرامة، والعمل، والحياة.











