أزمة الطاقة.. 41 مليون أوروبي غير قادرين على تدفئة منازلهم وسط مخاطر نفسية وصحية

أزمة الطاقة.. 41 مليون أوروبي غير قادرين على تدفئة منازلهم وسط مخاطر نفسية وصحية
منزل دون وسائل تدفئة في أوروبا خلال الشتاء

تفاقمت مشكلة فقر الطاقة في الاتحاد الأوروبي بعد أزمة الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث يجد عشرات الملايين من المواطنين أنفسهم عاجزين عن تدفئة منازلهم بما يكفي خلال فصل الشتاء، ويعد السكن حقًا اجتماعيًا أساسيًا، إلا أن الواقع يفرض على نحو 41 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي العيش في ظروف صعبة، أي ما يعادل 9.2 بالمئة من إجمالي السكان، بحسب بيانات يوروستات، ويتركز نحو ثلثي هؤلاء الأشخاص في الاقتصادات الأربع الكبرى للاتحاد الأوروبي، ما يعكس عمق الأزمة على الرغم من القدرة النسبية لهذه الدول على تحمل تكاليف الطاقة.

وفق تقرير نشرته شبكة "يورونيوز" الجمعة يشير الخبراء إلى أن العيش في منزل بارد لا يقتصر أثره على الراحة النفسية فقط، بل يشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة البدنية، إذ تزيد البيئات الباردة من احتمالات الإصابة بالسكتات الدماغية، والعدوى التنفسية، والحوادث الناتجة عن تراجع البراعة الحركية، بما يجعل أزمة فقر الطاقة مسألة تتعلق بالسلامة العامة وليس فقط بالرفاه المعيشي.

تفاوت واسع بين الدول الأوروبية

تتفاوت معدلات فقر الطاقة بشكل ملحوظ بين دولة وأخرى. ففي الاتحاد الأوروبي، تتراوح نسبة غير القادرين على تدفئة منازلهم بين 2.7 بالمئة في فنلندا و19 بالمئة في بلغاريا واليونان، وعند شمول دول مرشحة للانضمام إلى الاتحاد ورابطة التجارة الحرة الأوروبية، تمتد النسبة من 0.7 بالمئة في سويسرا إلى 33.8 بالمئة في ألبانيا، فيما تسجل مقدونيا الشمالية نسبة 30.7 بالمئة.

وتتجاوز النسبة عشرة بالمئة في كل من ليتوانيا وإسبانيا والبرتغال وتركيا وقبرص والجبل الأسود وفرنسا ورومانيا، في حين تقل عن متوسط الاتحاد الأوروبي في ألمانيا وإيطاليا، ولا تتوافر بيانات حديثة للمملكة المتحدة، حيث تشير الإحصاءات الأخيرة لعام 2018 إلى معدل خمسة بالمئة.

تركيا وإسبانيا وفرنسا في صدارة الدول المتأثرة

تتصدر تركيا قائمة الدول من حيث عدد المتأثرين بفقر الطاقة، رغم تحسن المعدل خلال السنوات الأخيرة، فقد بلغ عدد الأشخاص غير القادرين على إبقاء منازلهم دافئة 12.9 مليون شخص في عام 2024، ويشير التقرير إلى أن تركيا سجلت ثاني أرخص أسعار الغاز الطبيعي مقومة باليورو أو وفق معايير القوة الشرائية حتى النصف الأول من 2025، بينما جاءت أسعار الكهرباء الأرخص باليورو وثالث الأرخص وفق القوة الشرائية، ما يؤكد أن انخفاض التكلفة وحده لا يحل مشكلة فقر الطاقة.

في إسبانيا، بلغ عدد المتضررين 8.5 مليون شخص، فيما وصل العدد إلى 8.1 مليون في فرنسا، و5.3 مليون في ألمانيا و5.1 مليون في إيطاليا، ما يعكس أن أزمة الطاقة تؤثر بشكل واسع على السكان في دول متعددة، حتى ضمن الاقتصادات الكبرى القادرة نظريًا على تحمل ارتفاع تكاليف الطاقة.

العوامل الأساسية لفقر الطاقة

توضح المفوضية الأوروبية أن فقر الطاقة يحدث عندما تضطر الأسر إلى خفض استهلاكها للطاقة إلى حد يؤثر على صحة السكان ورفاههم، ويقوده أساسًا ثلاثة عوامل رئيسية: ارتفاع نسبة الإنفاق الأسري الموجه للطاقة، انخفاض الدخل، وضعف الأداء الطاقي للمباني والأجهزة الكهربائية.

وأضافت المفوضية أن جائحة كوفيد-19 وما تلاها من ارتفاع أسعار الطاقة، إضافة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، فاقمت وضعًا كان صعبًا أصلًا بالنسبة لكثير من مواطني الاتحاد الأوروبي، ويشير المسؤولون إلى أن فقر الطاقة لم يكن مشكلة جديدة، لكنه أصبح أكثر وضوحًا بسبب الأزمة الأخيرة وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء بشكل كبير.

وتشير البيانات إلى أن نسبة غير القادرين على تدفئة منازلهم تراجعت تدريجيًا منذ عام 2011، ووصلت إلى أدنى مستوياتها في 2019 و2021 قبل أن تعود للارتفاع مرة أخرى، مع تراجع آخر في العام الماضي بفضل انخفاض أسعار التجزئة للغاز والكهرباء، وتطبيق تدابير كفاءة الطاقة، وتعزيز وعي المواطنين بمفهوم فقر الطاقة والفئات الأكثر تأثرًا به.

الحلول والسياسات المقترحة

ينظر خبراء الطاقة والاقتصاد إلى تحسين كفاءة الاستهلاك في المنازل كخيار أساسي لمعالجة مشكلة وأزمة الطاقة، بما في ذلك تحسين العزل الحراري للأبنية واستبدال الأجهزة الكهربائية القديمة بأخرى أكثر كفاءة، بالإضافة إلى الدعم الحكومي للأسر ذات الدخل المحدود لتغطية تكاليف التدفئة، ويؤكد المسؤولون الأوروبيون على ضرورة تطوير سياسات متكاملة تجمع بين دعم الطاقة والحماية الاجتماعية، مع التركيز على التخفيف من الفقر الطاقي كجزء من استراتيجيات مواجهة التغير المناخي والأزمات الاقتصادية.

فقر الطاقة يشير إلى عدم قدرة الأفراد أو الأسر على الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الطاقة للتدفئة والتبريد والطهي والإضاءة، وهو يرتبط مباشرة بالدخل وكفاءة الطاقة في المنازل، وتعتبر أوروبا معرضة بشكل خاص لهذه الظاهرة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة واعتمادها على مصادر خارجية للغاز والنفط، وقد أثرت جائحة كوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا على أسعار الوقود والكهرباء بشكل كبير، مما زاد من أعداد المتضررين، ويشير خبراء الصحة العامة إلى أن العيش في بيئة باردة يرفع المخاطر الصحية ويزيد من الضغط النفسي، خاصة على الأطفال وكبار السن والمرضى، ما يجعل معالجة فقر الطاقة مسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية والصحة العامة والسياسة الاقتصادية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية