وسط تصاعد الضغوط الدولية.. ليبيا تنفذ عملية ترحيل دفعة جديدة من المهاجرين

وسط تصاعد الضغوط الدولية.. ليبيا تنفذ عملية ترحيل دفعة جديدة من المهاجرين
ترحيل المهاجرين من ليبيا

نفذت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عملية ترحيل دفعة جديدة من المهاجرين غير الشرعيين من الجنسية النيجيرية، في إطار البرنامج الوطني لترحيل المهاجرين غير النظاميين الذي تشرف عليه الوزارة، وسط تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية المرتبطة بملف الهجرة عبر البحر المتوسط.

وجرت عملية الترحيل عبر مطار معيتيقة الدولي، حيث أكدت الجهات المختصة الأحد اعتماد الإجراءات القانونية والإنسانية المعمول بها، بما يضمن احترام المعايير المعتمدة في التعامل مع المهاجرين، من لحظة الاحتجاز وحتى المغادرة، في محاولة لتحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن والالتزامات الإنسانية، وفق صحيفة الوسط الليبية.

برنامج يومي لمواجهة تدفقات الهجرة

أوضحت وزارة الداخلية أن تنفيذ البرنامج الوطني لترحيل المهاجرين غير الشرعيين يتم بوتيرة شبه يومية، ضمن خطة أوسع تهدف إلى الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية، وتعزيز الأمن والاستقرار داخل البلاد، وربطت الوزارة هذه الجهود بخططها الأمنية والتنظيمية المستمرة، مؤكدة أن تنظيم ملف الهجرة بات ضرورة ملحة في ظل ما تشهده ليبيا من ضغوط متزايدة على حدودها البرية والساحلية.

ويندرج البرنامج ضمن سياسة رسمية تسعى إلى مكافحة الهجرة غير النظامية بالتعاون مع الجهات ذات الصلة محليا ودوليا، مع التأكيد على احترام القوانين الوطنية والمواثيق الإنسانية، في ملف لطالما شكّل تحديا معقدا للدولة الليبية، سواء على المستوى الأمني أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

ليبيا في قلب مسارات الهجرة العالمية

تأتي هذه الإجراءات في وقت أظهرت فيه بيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل فرونتكس تصاعدا غير مسبوق في أعداد المهاجرين الوافدين إلى جزيرة كريت اليونانية قادمين من ليبيا، بنسبة بلغت 260 بالمئة خلال الأشهر 11 الأولى من العام، ما جعل هذا المسار من أكثر مسارات الهجرة نشاطا على مستوى العالم.

ووفق تقرير الوكالة، لا يزال مسار وسط البحر المتوسط الأكثر ازدحاما عالميا، ومسؤولا عن عبور نحو 40 بالمئة من إجمالي المهاجرين الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي منذ بداية عام 2025، في مؤشر واضح على استمرار الضغط على السواحل الليبية كنقطة انطلاق رئيسية نحو أوروبا.

قفزة قياسية رغم تراجع مسارات أخرى

أشارت فرونتكس إلى أن مسار الهجرة بين ليبيا وجزيرة كريت كان الأكثر نشاطا خلال شهر نوفمبر الماضي، وسجل قفزة قياسية في أعداد العابرين بنسبة 260 بالمئة منذ بداية العام، ويأتي ذلك في وقت شهدت فيه مسارات أخرى تراجعا ملحوظا، حيث انخفضت أعداد المهاجرين عبر شرق البحر المتوسط بنحو 30 بالمئة.

هذا التباين يعكس تحولا في أنماط الهجرة، حيث يلجأ المهاجرون وشبكات التهريب إلى مسارات بديلة مع تشديد الرقابة في بعض المناطق، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والإنساني في ليبيا والدول المجاورة.

أرقام تكشف حجم الظاهرة

سجلت الوكالة الأوروبية وصول 63 ألفا و231 مهاجرا عبر مسار وسط البحر المتوسط، ينحدر معظمهم من بنغلاديش ومصر وإريتريا، وفي المقابل، وصل 46 ألفا و158 مهاجرا إلى أوروبا عبر مسار شرق البحر المتوسط، غالبيتهم من أفغانستان ومصر والسودان.

كما ارتفعت نسبة عبور المهاجرين غير القانونيين عبر غرب البحر المتوسط بنسبة 15 بالمئة، وكانت الجزائر نقطة العبور الرئيسية لما يزيد على 70 بالمئة من هؤلاء المهاجرين، في حين شهد مسار غرب إفريقيا أكبر انخفاض بين المسارات الرئيسية المؤدية إلى الاتحاد الأوروبي، بتراجع بلغ 60 بالمئة مع عبور 16 ألفا و800 مهاجر، معظمهم من مالي والسنغال وغينيا.

خسائر بشرية 

على الرغم من تسجيل انخفاض نسبي في أعداد المهاجرين الوافدين إلى أوروبا خلال الأشهر الماضية، إلا أن الخسائر في الأرواح لا تزال مرتفعة بشكل مقلق، وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أكثر من 1700 شخص فقدوا حياتهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط منذ بداية عام 2025.

وتعكس هذه الأرقام خطورة الرحلات البحرية التي يخوضها المهاجرون، في قوارب متهالكة غالبا، وتحت رحمة شبكات تهريب لا تتورع عن تعريض الأرواح للخطر مقابل المال.

تراجع عام لا يلغي حجم التحدي

في الوقت نفسه، أظهرت بيانات فرونتكس انخفاضا في حالات الدخول غير القانوني إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 25 بالمئة خلال الأشهر 11 الأولى من العام الجاري، مع تراجع الوافدين عبر غرب البلقان بنسبة 43 بالمئة، وسجلت الوكالة دخول 166 ألفا و900 مهاجر إلى دول الاتحاد منذ بداية العام.

ورغم هذا التراجع النسبي، يؤكد خبراء أن الضغط لا يزال كبيرا على دول العبور، وفي مقدمتها ليبيا، التي تتحمل أعباء أمنية وإنسانية تفوق إمكاناتها في كثير من الأحيان، في ظل هشاشة الوضع السياسي والانقسامات الداخلية.

بين الأمن والالتزام الإنساني

يثير استمرار عمليات الترحيل من ليبيا نقاشا واسعا بين من يراها ضرورة لحماية الأمن الداخلي وتنظيم ملف الهجرة، وبين منظمات حقوقية تحذر من مخاطر إعادة المهاجرين إلى بيئات غير مستقرة، وتؤكد وزارة الداخلية الليبية التزامها بالمعايير الإنسانية، مشددة على أن عمليات الترحيل تتم بالتنسيق مع الدول المعنية، وبما يحفظ كرامة المرحلين.

في المقابل، ترى جهات أوروبية أن معالجة جذور الهجرة تتطلب مقاربة أشمل، تتجاوز الإجراءات الأمنية إلى دعم الاستقرار والتنمية في دول المصدر والعبور، وفي مقدمتها ليبيا.

تحولت ليبيا خلال العقد الأخير إلى أحد أبرز مراكز العبور للمهاجرين غير النظاميين القادمين من إفريقيا وآسيا نحو أوروبا، مستفيدة شبكات التهريب من طول السواحل الليبية وضعف السيطرة على الحدود في فترات عدم الاستقرار، ومع تزايد الضغوط الأوروبية للحد من الهجرة، باتت ليبيا في قلب معادلة معقدة تجمع بين متطلبات الأمن، وضغوط الشركاء الدوليين، والتحديات الإنسانية، وبينما تواصل السلطات تنفيذ برامج الترحيل وتنظيم الملف، يبقى البحر المتوسط شاهدا على مأساة إنسانية مستمرة، يدفع ثمنها آلاف الباحثين عن حياة أكثر أمنا، في رحلة محفوفة بالمخاطر لا تزال تتكرر يوما بعد يوم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية