في ظل سياسات مشددة.. بلجيكا تواجه أزمة إيواء غير مسبوقة لطالبي اللجوء
في ظل سياسات مشددة.. بلجيكا تواجه أزمة إيواء غير مسبوقة لطالبي اللجوء
تشهد بلجيكا منذ أكثر من أربع سنوات أزمة متفاقمة في استقبال طالبي اللجوء والحماية الدولية، تحوّلت من حالة طارئة إلى خلل بنيوي يمسّ أحد الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون البلجيكي والأوروبي، وهو الحق في الإيواء.
وتبرز في شوارع بروكسل مشاهد متكررة لمئات اللاجئين، رجالاً وعائلات، ينامون في العراء أو يعتمدون على مراكز طوارئ مكتظة، في تناقض صارخ مع الأحكام القضائية المتكررة التي تدين الدولة البلجيكية وتُلزمها بتوفير مأوى لطالبي اللجوء، بحسب ما ذكرت شبكة "مهاجر نيوز"، اليوم الثلاثاء.
وتؤكد منظمات إنسانية أن استمرار الحكومة الفدرالية في تطبيق سياسة “عدم الاستقبال” منذ شتاء 2021 أدى إلى تفاقم التشرد، وحرمان آلاف الأشخاص من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والمرافقة الاجتماعية.
اختناق منظومة اللجوء
تُظهر المعطيات الرسمية وجود فجوة متزايدة بين عدد طالبي اللجوء وطاقة الاستقبال المتاحة في البلاد، وتشير أرقام الوكالة الفدرالية لاستقبال طالبي اللجوء (فيدازيل) إلى أن بلجيكا تلقت خلال عام 2024 نحو 39,615 طلب لجوء، بزيادة قدرها 11.6% مقارنة بالعام السابق، في حين لم تتجاوز طاقة الاستقبال المتاحة 35,600 مكان.
وتكشف هذه الفجوة عن وجود ما يقارب 3000 طالب لجوء دون مأوى ثابت خلال العام نفسه، أغلبهم في العاصمة بروكسل، حيث يضطرون للعيش في الشارع أو الاعتماد على حلول مؤقتة وغير مستقرة.
وتؤكد الجمعيات أن الرجال غير المصحوبين هم الفئة الأكثر تضرراً، إذ يُتركون خارج أي إطار مؤسساتي للحماية، أحياناً لأشهر، ما يشكل انتهاكاً مباشراً للقانون البلجيكي والتشريعات الأوروبية.
نقص أماكن الاستقبال
يحذّر فرانسوا برويلانتس، المدير العام المساعد لجمعية “كونفيفيال”، من أن الأزمة باتت “بنيوية ومُدانة قانونياً”، موضحاً أن بروكسل تشهد أعداداً كبيرة من طالبي اللجوء بلا مأوى، نتيجة نقص حاد في أماكن الاستقبال وغياب قرارات حكومية لفتح مراكز جديدة.
ويضيف أن الإشكالية لا تقتصر على طالبي اللجوء، بل تمتد إلى لاجئين حصلوا على صفة قانونية، لكنهم وجدوا أنفسهم في الشارع دون أي مرافقة اجتماعية أو دعم فعلي.
ويشرح أن نظام الاستقبال، في حال كان يعمل بشكل سليم، يفترض أن يضمن الإقامة داخل مراكز توفر المتابعة القانونية والطبية والاجتماعية، غير أن الواقع الحالي يقوّض هذا المسار بالكامل.
تداعيات إنسانية خطيرة
تنبه منظمات طبية وحقوقية إلى أن غياب الإيواء ينعكس مباشرة على صحة اللاجئين الجسدية والنفسية.
وتوضح أستريد بيمسون، مسؤولة المناصرة في منظمة أطباء بلا حدود، أن سياسة “عدم الاستقبال” أدت إلى ارتفاع معدلات التشرد وتدهور الصحة النفسية وصعوبة الولوج إلى الخدمات الأساسية، محذّرة من أن الإجراءات الحكومية الجديدة تتجه نحو إقصاء فئات أوسع من منظومة الحماية.
وتشير إلى أن بروكسل تعاني أصلاً من هشاشة اجتماعية وأزمة سكن، ما يجعل اللاجئين أول ضحايا سياسات التقشف والتشدد.
تشريعات تزيد تعقيد الأزمة
فاقمت تعديلات قانونية حديثة الوضع، بعد دخول قانون جديد حيز التنفيذ في أغسطس 2025، يقضي بحرمان الأشخاص الذين حصلوا سابقاً على حماية في دول أوروبية أخرى من حق الإيواء في بلجيكا.
وشملت الإجراءات أيضاً تقليص المساعدات الاجتماعية، عبر إلغاء الحق في الحد الأدنى المعيشي عند فقدان الإيواء، مع توقع إدخال تعديلات إضافية على قوانين المكاتب الاجتماعية.
وأثار هذا التوجه انتقادات واسعة، خاصة بعد صدور تعليمات برفض طلبات اللجوء بشكل ممنهج دون دراسة فردية للحالات، ما وضع وكالة “فيدازيل” في مواجهة مباشرة مع القضاء.
إيواء طالبي اللجوء
أدانت المحاكم البلجيكية الدولة مرات عدة، وأصدرت أحكاماً تُلزمها بإيواء طالبي اللجوء، وفرضت عليها غرامات بملايين اليوروهات.
وبرز قرار محكمة بروكسل في أكتوبر الماضي، الذي ألزم الحكومة بإيواء عائلة أفغانية كانت تعيش في الشارع، كمثال صارخ على الفجوة بين الأحكام القضائية والسياسات المطبقة.
ورغم ذلك، تؤكد الجمعيات أن الواقع لم يتغير، ولا يزال مئات اللاجئين بلا مأوى، في تحدٍ مباشر لسيادة القانون.
لاجئون يواجهون الشارع
تلعب الجمعيات الإنسانية دوراً محورياً في تعويض غياب الدولة، عبر توفير الغذاء والرعاية الطبية والدعم النفسي والمرافقة القانونية، خاصة في “المركز الإنساني” ببروكسل الذي يستقبل المحتاجين سبعة أيام في الأسبوع.
وتعكس شهادات لاجئين، مثل فيرنان من غرب إفريقيا أو شبان إريتريين وصلوا حديثاً، واقعاً قاسياً من الانتظار الطويل، والنوم في الخيام، والاعتماد شبه الكامل على العمل الإنساني.
وتختزل هذه القصص أزمة أوسع، يعيشها آلاف المهاجرين بين سياسات ردعية ورسائل تحذير رسمية، وواقع يومي من البرد والتشرد في شوارع العاصمة الأوروبية.










