تحذير رسمي.. سوق العمل الألماني يدخل مرحلة ركود غير مسبوقة

تحذير رسمي.. سوق العمل الألماني يدخل مرحلة ركود غير مسبوقة
شباب في أحد مراكز التوظيف

أطلقت رئيسة الوكالة الاتحادية للتوظيف في ألمانيا  أندريا ناليس تحذيرا لافتا بشأن مستقبل سوق العمل، مؤكدة أن فرص عودة العاطلين عن العمل إلى الوظائف بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق، في ظل ركود مستمر وفقدان واضح للزخم الاقتصادي، ويأتي هذا التحذير في وقت تشهد فيه البلاد ضغوطا اقتصادية متزايدة تنعكس مباشرة على أوضاع التوظيف والاستقرار المهني لملايين العاملين.

وفي تصريحات نُشرت، اليوم الجمعة، أكدت أندريا ناليس أن سوق العمل الألماني يعاني حالة جمود ممتدة منذ عدة أشهر، مشيرة إلى أن المؤشرات التي تعتمدها الوكالة لرصد فرص إعادة التوظيف سجلت تراجعا غير مسبوق، ما ينذر بتداعيات اجتماعية واقتصادية واسعة خلال المرحلة المقبلة وفق وكالة الأنباء الألمانية.

مؤشرات مقلقة

أوضحت ناليس أن الوكالة تعتمد مؤشرا خاصا لقياس احتمالية عثور العاطلين عن العمل على وظيفة جديدة، وهو مؤشر ظل تاريخيا مستقرا عند مستوى يقارب 7 نقاط، إلا أن هذا المؤشر انخفض حاليا إلى 5.7، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله منذ بدء العمل به، ما يعكس صعوبة متزايدة في إعادة دمج العاطلين في سوق العمل.

وأضافت أن هذا التراجع لا يرتبط بفئة واحدة أو قطاع محدد، بل يشمل مختلف المجالات المهنية في ألمانيا، في إشارة واضحة إلى عمق الأزمة واتساع نطاقها، واعتبرت أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى إطالة فترات البطالة وارتفاع معدلات الإحباط الاجتماعي، خاصة في ظل غياب بوادر انتعاش قريب.

لا فئة محصنة من فقدان الوظائف

حذرت رئيسة الوكالة الاتحادية للتوظيف من أن سوق العمل في ألمانيا لم يعد يوفر مظلة أمان لأي فئة من العاملين، مؤكدة أنه لا توجد حاليا مجموعة مهنية محصنة ضد فقدان الوظائف، ورغم ذلك، أشارت إلى أن أصحاب المؤهلات التعليمية المرتفعة لا يزالون يتمتعون بفرص أفضل نسبيا مقارنة بغيرهم، إلا أن هذه الأفضلية لم تعد كافية لضمان الاستقرار الوظيفي على المدى الطويل.

وأوضحت ناليس أن التحولات الاقتصادية المتسارعة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتباطؤ النمو الصناعي، كلها عوامل أسهمت في زيادة حالة عدم اليقين داخل سوق العمل، ما دفع شركات عدة0 إلى تجميد التوظيف أو تقليص أعداد العاملين.

الشباب في مواجهة مستقبل ضبابي

وفيما يخص الوافدين الجدد إلى سوق العمل في ألمانيا، رسمت ناليس صورة قاتمة للمرحلة المقبلة، مؤكدة أن فرص الشباب أصبحت أكثر محدودية من أي وقت مضى، وقالت إن عدد الشباب الذين جرى إدماجهم في برامج التدريب المهني سجل أدنى مستوى له خلال 25 عاما، وهو مؤشر يعكس تراجع ثقة الشركات في الاستثمار طويل الأجل بالكوادر الشابة.

وأشارت إلى أن هذا التراجع لا يهدد فقط فرص العمل الحالية، بل ينعكس سلبا على البنية المستقبلية لسوق العمل الألماني، إذ يؤدي إلى نقص الكفاءات المدربة ويعمق الفجوة بين متطلبات السوق ومهارات الداخلين الجدد إليه.

انتقادات للإصلاحات الحكومية

لم تقتصر تصريحات ناليس على تشخيص الأزمة، بل شملت أيضا انتقادات مباشرة للإصلاح الحكومي المخطط له فيما يتعلق بإعانات الباحثين عن عمل، واعتبرت أن إعطاء الأولوية المطلقة لإعادة تسكين العاطلين في أي وظيفة متاحة قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

وأكدت أن التعامل مع البطالة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الملفات الشخصية للعاطلين، بما في ذلك مؤهلاتهم وخبراتهم وظروفهم الفردية، محذرة من أن فرض وظائف لا تتناسب مع مهارات الباحثين عن عمل سيؤدي إلى فشل سريع في الاستقرار الوظيفي.

فجوة بين المهارات والوظائف

لفتت ناليس إلى أن واحدة من أبرز مشكلات سوق العمل الحالية تتمثل في عدم التوافق بين مهارات العاطلين عن العمل والوظائف الشاغرة المتوفرة، وأوضحت أن هذه الفجوة تجعل من الصعب تحقيق تسكين مستدام، حتى في القطاعات التي تعلن عن حاجتها لليد العاملة.

وأكدت أن المؤهلات لا تزال عاملا حاسما في ضمان الاستمرارية الوظيفية، مشيرة إلى أن تجاهل هذا الجانب سيؤدي إلى عودة أعداد كبيرة من الموظفين إلى مراكز التوظيف بعد فترة قصيرة لا تتجاوز 3 أشهر، ما يفاقم الضغط على النظام الاجتماعي ويهدر الموارد العامة.

انعكاسات اجتماعية واقتصادية

يحذر خبراء من أن استمرار هذا الركود في سوق العمل قد تكون له انعكاسات واسعة على الاستقرار الاجتماعي في ألمانيا، خصوصا في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد المخاوف المرتبطة بالأمن الوظيفي، ويؤكد مراقبون أن إطالة أمد البطالة، خاصة بين الشباب، قد تؤدي إلى تراجع الثقة بالمؤسسات وتنامي الإحساس بعدم العدالة.

كما أن ضعف فرص التوظيف يهدد بتقليص الاستهلاك المحلي، ما قد ينعكس بدوره على النمو الاقتصادي ويضعف قدرة الشركات على التعافي، في حلقة مفرغة يصعب كسرها دون تدخلات مدروسة وشاملة.

يأتي هذا التحذير في سياق مرحلة اقتصادية دقيقة تمر بها ألمانيا، متأثرة بتباطؤ الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار الطاقة، وتراجع الطلب الصناعي، إلى جانب التحولات الهيكلية المرتبطة بالتحول الرقمي والانتقال نحو الاقتصاد الأخضر، وعلى الرغم من أن سوق العمل الألماني عُرف تاريخيا بمرونته وقدرته على امتصاص الأزمات، فإن المؤشرات الحالية تكشف عن تحديات غير مسبوقة تتطلب إعادة تقييم سياسات التوظيف والتدريب والدعم الاجتماعي، ويرى مختصون أن مواجهة هذه المرحلة تستدعي استثمارات أوسع في التعليم والتأهيل المهني، وربط سياسات الإعانات ببرامج تطوير المهارات، بما يضمن تحقيق توازن بين سرعة التوظيف وجودته واستدامته.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية