الديمقراطية الغائبة.. كيف تُجرى انتخابات بورما ومليون روهينغي بلا وطن؟
الديمقراطية الغائبة.. كيف تُجرى انتخابات بورما ومليون روهينغي بلا وطن؟
بينما يروّج المجلس العسكري الحاكم في ميانمار/بورما للانتخابات البرلمانية بوصفها خطوة نحو الاستقرار والسلام، يقف أكثر من مليون من أبناء أقلية الروهينغا المسلمة خارج هذا المشهد السياسي بالكامل، محرومين من أبسط حقوقهم المدنية، ومهجّرين قسرا عن قراهم ومدنهم الأصلية، بالنسبة لهؤلاء اللاجئين، لا تعني الانتخابات سوى فصل جديد من الإقصاء، يعمّق شعورهم بأن مصيرهم يُرسم من دونهم.
في مخيم كوتوبالونغ قرب الحدود البنغلاديشية، حيث يمتد أكبر تجمع لمخيمات اللاجئين في العالم، يتساءل كبير أحمد البالغ من العمر 51 عاما عن جدوى هذا الاستحقاق الانتخابي، بحسب ما أوردته وكالة فرانس برس الجمعة، حيث يقول إن تسمية ما يجري انتخابات هو أمر يصعب فهمه في ظل التهجير المستمر والحرب التي لم تهدأ، بالنسبة له، الديمقراطية لا يمكن أن تُختزل في صناديق اقتراع تُنصب في مناطق تخضع لسيطرة عسكرية، بينما يُمنع شعب كامل من المشاركة في تقرير مستقبله.
انتخابات في ظل انقلاب وحرب أهلية
تنطلق الانتخابات يوم الأحد في مناطق يسيطر عليها الجيش الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري في فبراير 2021، وهو الانقلاب الذي أشعل حربا أهلية واسعة النطاق ما زالت مستمرة حتى اليوم، وتأتي هذه الانتخابات في وقت تشهد فيه البلاد انقساما حادا، وتتصاعد فيه المواجهات بين الجيش ومجموعات مسلحة معارضة في ولايات عدة.
لكن بالنسبة إلى الروهينغا، فإن العنف لم يبدأ مع انقلاب 2021، بل يعود إلى سنوات أبعد، ففي عام 2017، شنّ الجيش البورمي حملة عسكرية واسعة في ولاية راخين غربي البلاد، أجبرت مئات الآلاف من الروهينغا على الفرار نحو بنغلاديش، وسط تقارير دولية وثّقت عمليات قتل واغتصاب وحرق متعمد للقرى.
ذاكرة التهجير وقرى بلا سكان
كانت هذه الانتخابات الثالثة على المستوى الوطني منذ حرمان الروهينغا من حق التصويت قبل نحو عشر سنوات، لكنها تُجرى اليوم في ظل موجة تهجير جديدة ناجمة عن الحرب الدائرة، ما يجعلها بالنسبة للاجئين حدثا بعيدا عن واقعهم اليومي المليء بالخسارة وعدم اليقين.
كبير أحمد، الذي كان يشغل منصب رئيس بلدية مدينة يسكنها أكثر من 8000 من الروهينغا في منطقة مونغداو القريبة من الحدود مع بنغلادش، يتحدث بحسرة عن مدينته التي أصبحت شبه مهجورة بعد نزوح سكانها. يتساءل عن أسماء الناخبين التي ستدرج في لوائح الاقتراع، ومن سيصوت، ولأي غاية، في مدن وقرى خلت من أهلها الأصليين.
حياة اللجوء وتأثير محدود للانتخابات
يعيش اليوم نحو 1.17 مليون من الروهينغا في مخيمات مكتظة وغير آمنة في منطقة كوكس بازار البنغلاديشية، على مساحة تزيد على 3200 هكتار.
معظم هؤلاء وصلوا خلال موجة النزوح الكبرى في عام 2017، ولا يزالون يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية في ظل ظروف معيشية صعبة.
منذ استيلاء الجيش على السلطة، تفاقمت معاناة الروهينغا مرة أخرى، إذ وجدوا أنفسهم محاصرين بين الجيش البورمي وجيش أراكان، وهو فصيل انفصالي إقليمي يُعد من أبرز القوى المسلحة التي تتحدى حكم المجلس العسكري في ولاية راخين.
وبحسب مراقبين للنزاع، لم يتبقَ سوى 3 مناطق من أصل 17 في ولاية راخين خارج سيطرة جيش أراكان، ما يعني أن الانتخابات التي وعد بها المجلس العسكري منذ فترة طويلة سيكون تأثيرها محدودا للغاية، سواء من حيث التمثيل أو القدرة على إحداث تغيير فعلي.
أحلام جيل شاب بلا جنسية
بالنسبة لمحمد رحيم، الشاب البالغ من العمر 18 عاما، كان من الممكن أن تكون هذه أول مرة يشارك فيها في التصويت لو تمكن من العودة إلى أرضه، ولو اعترفت بلاده بجنسيته، ولو أُجريت الانتخابات في منطقته في ظروف طبيعية، لكنه نشأ، مثل أشقائه الثلاثة، داخل المخيمات، بعيدا عن وطن لم يعرفه إلا من روايات الكبار.
يقول محمد إن كل ما يتمناه هو أن تنتهي الحرب، وأن تُتخذ خطوات حقيقية تتيح لهم العودة إلى بورما بكرامة، بالنسبة له، التصويت ليس مجرد حق سياسي، بل رمز للاعتراف بوجوده كمواطن له حقوق وواجبات.
سياسات الإقصاء الممتدة عبر العقود
لم يكن حرمان الروهينغا من حقوقهم نتيجة ظرف طارئ، بل جاء نتيجة سياسات طويلة الأمد انتهجتها الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة في بورما، فقد جرى توصيف الروهينغا على أنهم بنغاليون، في إشارة إلى أنهم مهاجرون من بنغلاديش، رغم وجودهم التاريخي في ولاية راخين منذ أجيال.
وفي عام 1982، صدر قانون الجنسية الذي استثنى الروهينغا من الحصول على كامل حقوق المواطنة، على عكس 135 مجموعة عرقية أخرى معترف بها رسميا في البلاد، ومنذ ذلك الحين، فُرضت عليهم بطاقات هوية خاصة، وقيود صارمة على التنقل والتعليم والعمل.
وخلال المرحلة الديمقراطية التي شهدتها ميانمار/بورما في عام 2015، وبينما كان المواطنون الآخرون يستعيدون بعض الحريات السياسية، جُرّد الروهينغا من حق التصويت بشكل كامل، في خطوة عمّقت شعورهم بالتهميش والعزلة.
إحباط واسع وانعدام الثقة
تجلس ريحانة بيبي، البالغة من العمر 52 عاما، في كوخها الصغير المصنوع من القماش المشمع داخل المخيم، وتعبّر عن شعور واسع الانتشار بين اللاجئين، تقول إن أحدا في بورما لا يهتم بمصير الروهينغا، مؤكدة أن نتائج الانتخابات، سواء فاز فيها مرشحون مدعومون من الجيش أو غيرهم، لن تغيّر شيئا من واقعهم.
هذا الإحباط يعكس فقدان الثقة بأي مسار سياسي لا يعترف بحقوقهم الأساسية، ولا يضع عودتهم الآمنة والكريمة في صلب أي حل مستقبلي.
حلم مؤجل بالعودة والمشاركة
رغم كل ما مرّ به، لا يزال كبير أحمد يحلم بالعودة إلى منطقته الأصلية وتنظيم انتخابات حقيقية يشارك فيها أبناء شعبه، يتذكر أيامه كمدرس قبل أن يختاره الناس لقيادتهم، ويؤكد أنه لو أتيحت له الفرصة مرة أخرى، لكان واثقا من نيل ثقتهم مجددا.
تُعد قضية الروهينغا واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدا في جنوب شرق آسيا، فمنذ عقود، يعيش أبناء هذه الأقلية المسلمة في ولاية راخين تحت قيود قانونية واجتماعية قاسية، تفاقمت مع تصاعد النزعة القومية البوذية وسياسات الإقصاء الرسمية، وأدت حملة 2017 العسكرية إلى نزوح جماعي وُصف من قبل الأمم المتحدة بأنه مثال على التطهير العرقي، ومع استمرار الحرب الأهلية منذ انقلاب 2021، تراجعت فرص الحل السياسي، وباتت الانتخابات التي ينظمها المجلس العسكري موضع تشكيك واسع، سواء داخل البلاد أو خارجها، لكونها لا تعالج جذور الصراع ولا تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع، وعلى رأسها الروهينغا الذين لا يزالون بلا جنسية وبلا صوت سياسي.











