سجادات الورود في بولندا تقليد تتوارثه الأجيال
سجادات الورود في بولندا تقليد تتوارثه الأجيال
ترتّب كاتارزينا كاتشماريك بعناية مجموعة ورود على أحد الأرصفة أمام منزلها لتعدّ إلى جانب جيرانها سجادة ضخمة ملوّنة يصل طولها إلى أكثر من كيلومترين، وتعبر قريتها سبيتشيميرز الواقعة وسط بولندا.
وتوضح كازماريك، البالغة (38 سنة)، وهي مزارعة وأم لولدين، أنّ إعداد سجادات من الورود لمناسبة عيد القربان المقدّس الذي يصادف بعد 60 يوماً من عيد الفصح، يمثل "تقليداً يعود إلى أكثر من 200 سنة وتتوارثه الأجيال" بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وكان تقليد إعداد السجاد أُدرج السنة الفائتة في قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي، لكن منذ سنوات عدة أصبح هذا العمل الفني مصدر إعجاب لآلاف الأشخاص.
وتشير اليونيسكو إلى أن "إعداد السجاد يستغرق ساعات عدة ويثمر عملاً فنياً مؤقتاً وجماعياً يعكس التديّن والإبداع وتقدير جمال الطبيعة".
ويعود الاحتفال بعيد القربان المقدّس في بولندا إلى سنة 1320، وخلال هذا اليوم، يسير المؤمنون ضمن موكب مهيب في شوارع المدن والقرى ويزورون مواقع دينية يزّينها السكان خصيصاً لهذه المناسبة.
ومنذ سنوات، أصبحت الورود ضمن العناصر المعتمدة خلال الاحتفال بهذا العيد، إذ تنشر فتيات البتلات أمام الكاهن أثناء تأديته الطقوس الدينية الخاصة بالعيد حاملاً القربان المقدس، على ما تذكر وزارة الثقافة البولندية.
ويرجع إعداد سجادات الورود إلى التقاليد التي كانت سائدة في القرون الوسطى، إذ كانت الحدائق الملكية توفّر في يوم العيد زهوراً للكنيسة تُستخدم لتزيين الكنائس بهدف إضفاء طابع جمالي على الاحتفالات بعيد كوربوس كريستي.
ولإعداد سجادتها، ترسم كاتارزينا كازماريك بالكلس الشكل الذي ترغب في اعتماده ثم تحدد إطاره بالتراب وتملأ المساحة الفارغة بالرمل الذي تنشر فوقه بتلات الورود، في مهمة أشبه بالتلوين.
وتقول "يستطيع كل شخص أن يختار الأشكال التي يريد، إذ لا يُفرَض أي أسلوب على أحد"، مضيفةً أنّ بعضهم "يرسمون صلباناً أو أشكالاً هندسية أو قلوباً أو وروداً، والبعض يرسم حتى كنائس".
وتوضح أنّ "إعداد السجاد كان مختلفاً بالعودة إلى إحدى الحقبات، إذ لم تكن الأشكال معتمدة"، مضيفةً "أخبرتني جدتي أنهم كانوا بكل بساطة يمزجون البتلات بشكل عشوائي وينشرونها على الرصيف".
وتُقطف الورود والأوراق ولحاء الشجر والأعشاب المستخدمة في إعداد السجادة من الحقول والحدائق المحيطة قبل أيام عدة من العيد.
ويقول غريغور غوركا، البالغ (49 عاماً) الذي يسكن في منطقة تبعد كيلومتراً واحداً عن سبيتشيميرز إنّ "التقليد يشير إلى أن كل شخص ينبغي أن يعمل على سجادة تمتد على طول منزله".
ويضيف الحارس "بينما يبلغ طول أحد المنازل 10 أمتار، يصل طول بيت آخر إلى 150 متراً، وعندما ينهي أحدهم السجادة أمام منزله يقدم المساعدة للآخرين".
وتعمل كل عائلته المكونة من نحو 20 شخصاً لبضع ساعات بهدف إنجاز السجادة أمام منزل ابنة عمه.
وهذه السنة، استند أحد السكان إلى الأحداث الحالية ورسم بالورود علمي بولندا وأوكرانيا وزيّنهما بكلمة "تضامن".
ويمثل إعداد سجادات الورود تقليداً ثابتاً، ويقول غولكا "يخبرنا كبار السن في القرية أنّ سجادات الورود لم تكن حاضرة في الموكب إلا مرة واحدة فقط لأن عاصفة اندلعت في القرية أدت إلى بعثرة الورود بعد الظهر".
وقد تكسب سجادات الورود أهمية أكبر بعدما أُدرجت في ديسمبر الفائت على لائحة اليونيسكو.
ويشير المونسينيور داريوس زمنياك، وهو كاهن كنيسة سبيتشيميرز، إلى أن "الاندفاع أصبح أكبر منذ إدراج هذا التقليد على قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي"، مضيفاً أن ذلك يرتب على السكان "مسؤولية أكبر لكن التزامهم لا يزال كبيراً".
ولا تأسف كاتارزينا كاتشماريك، لأنّ السجادة التي تعدّها مؤقتة، وتقول مبتسمةً "ننجز هذه المهمة لنمجّد الله، لذلك لا نندم لإقدامنا عليها".