عقب تبرع غيتس بـ20 مليار دولار.. "المسؤولية المجتمعية" كلمة السر لإنجاح الكيانات الاقتصادية
عقب تبرع غيتس بـ20 مليار دولار.. "المسؤولية المجتمعية" كلمة السر لإنجاح الكيانات الاقتصادية
"بعض الناس من الغباء بما يكفي لأن تتصور أن الثروة والشهرة تطمئنان القلوب، ما لم يتم استخدامهما لتوزيع السعادة في العالم".. عبارة قالتها هيلين كيلر الأديبة الأمريكية الكفيفة الصماء قبل أكثر من 100 عام.
عبارة جسدها عقب نحو قرن الملياردير الأمريكي، بيل غيتس، المؤسس المشارك لشركة "مايكروسوفت" وأحد أثرى أثرياء العالم، بعد أن تبرع بمبلغ 20 مليار دولار لجمعية خيرية تابعة لعائلته.
ودٌون غيتس عبر حسابه على موقع "تويتر"، أنه ينوي في النهاية منح كل ثروته تقريباً لمؤسسة "بيل وميليندا غيتس"، التي شارك في تأسيسها مع زوجته السابقة في عام 2000.
ودعا غيتس المليارديرات على مستوى العالم ومن لديهم ثروة مماثلة أن يفعلوا مثله الشيء نفسه، قائلا: "هناك التزام بإعادة ثروتي إلى المجتمع بحيث يكون لها أكبر الأثر على تقليل المعاناة وتحسين الحياة".
وبيل غيتس هو رابع أغنى أغنياء العالم، بثروة تقدر بـ146 مليار دولار، وفقًا لمؤشر "Bloomberg Billionaires"، لكنه تبرع بنسبة 27 بالمئة من صافي ثروته للأعمال الخيرية خلال السنوات الماضية.
وفي عام 2017 استثمر غيتس 50 مليون دولار في أبحاث مرض "ألزهايمر"، كما منح 30 مليون دولار أخرى لصندوق مشروع خيري باسم "Diagnostics Accelerator" والذي يهدف إلى تشخيص مرض الزهايمر في وقت مبكر.
ورغم أن الملياردير الأمريكي يعيش أسلوب حياة مقتصد نسبيًا مقارنةً بباقي أثرياء العالم، إلا أنه سيحتاج لأكثر من 400 عام لإنفاق ثروته لو صرف مليون دولار يوميا، وفق الإعلام الأجنبي.
وجمعية بيل وميليندا غيتس، هي مؤسسة خيرية تأسست عام 2000، ومن المقرر أن ترفع نفقاتها من 6 مليارات سنويا إلى 9 مليارات سنويا، بحلول عام 2026، بسبب الأزمات العالمية الأخيرة والتي أبرزها جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وتأثير التغيرات المناخية.
وتعمل الجمعية في عدد من الدول، بهدف مكافحة الأمراض مثل الملاريا، وتحسين التعليم، ومعالجة مشاكل الصرف الصحي، وصنفت في عام 2020 بأنها ثاني أكبر جمعية خيرية في العالم، بأصول قيمتها 49.8 مليار دولار.
وخلال السنوات الأخيرة باتت الجمعية ثاني أكبر المانحين من القطاع الخاص، لمنظمة الصحة العالمية، بعد الولايات المتحدة، ما أثار القلق الدولي حيال التأثير الكبير الذي أصبح يملكه هذا المشروع الخاص.
المسؤولية المجتمعية
وفتح قرار الملياردير الأمريكي بيل غيتس الأبواب على مصراعيها إزاء المسؤولية المجتمعية لرأس المال الخاص، وتعاطي المجتمعات العربية مع فلسفة وجود عقد ضمني يحدد واجبات ومسؤوليات رجال الأعمال تجاه مجتمعاتهم.
ورغم أن الهدف الرئيسي لرأس المال هو تحقيق أعلى معدلات للربح، إلا أنه من الضروري أن يسهم أيضا في تحقيق بعض الأهداف الاجتماعية.
ووفق دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية (غير حكومي) فإن مفهوم المسؤولية المجتمعية لرأس المال ليس جديدا، حيث بدأ في ستينيات القرن الماضي، وتزايد الاهتمام به عقب انهيار حائط برلين وتداعي الشيوعية مطلع تسعينيات القرن المنصرم.
وتعود على الشركات الملتزمة بالمسؤولية المجتمعية العديد من المزايا، أبرزها تحسين سمعة الشركات وتسهيل الحصول على الائتمان المصرفي، واستقطاب أكفأ العناصر البشرية، وبناء علاقات قوية مع الحكومات وغيرها.
مزايا وعوائد
بدوره، قال رئيس ملتقى المسؤولية المجتمعية (غير حكومية، مقرها القاهرة) حسن مصطفى، إن المسؤولية المجتمعية لرأس المال الخاص تحولت من عمل تطوعي للشركات ورجال الأعمال إلى عمل إلزامي أصبح جزءاً لا يتجزأ من نجاح نماذج الأعمال الخاصة وضمان استدامتها.
وأوضح مصطفى في تصريح لـ«جسور بوست» أن الأعمال الخيرية والتنموية التي تقوم بها الكيانات الاقتصادية أصبحت مثل العلامة التجارية المفضلة للعملاء، ما ينعكس بالضرورة على حجم المبيعات والربحية ومرونة نماذج الأعمال.
وأضاف: "كما باتت أيضا انعكاسا لمدى استقرار الشركات في مواجهة الأزمات، نظرا لتنامي ولاء العاملين وحرصهم على استقرار نموذج الأعمال وزيادة قدرته على الصمود والاستمرار والتطور".
وتابع: "مع التطور الهائل لمفاهيم مواطنة الشركات والاستثمار المسؤول، أصبحت المسؤولية الاجتماعية مرتبطة بنماذج الأعمال العائلية إلى حد كبير، وأصبح انعكاسها على أصحاب الأعمال أقوى من العلامات التجارية".
واستشهد مصطفى بالدول المتقدمة التي تحولت الأعمال التنموية بها إلى إستراتيجية لرسم صورة ذهنية عن أصحاب الأعمال، كالزيارات التي يقوم بها رجال الأعمال إلى الدول الفقيرة في إفريقيا للترويج لأنفسهم وأعمالهم.
واستطرد: "مع ارتباط نجاح نماذج الأعمال بشهرة ونجاح القائمين عليها تحولت هذه الإستراتيجيات إلى آليات تنفيذية في الدول كافة، وبالتالي فإن المسؤولية المجتمعية للأعمال الخاصة ليست أعمالا خيرية، بل تهدف إلى إحداث تنمية ومردود إيجابي على رجال الأعمال والعلامات التجارية التي يمتلكونها.
واختتم حديثه، قائلا: "أصبح الآن بإمكانك أن تتبرع بمليون دولار وسيكون العائد الخاص بها أعلى من قيامك بحملة إعلانية تقدر بـ١٠ ملايين دولار، لأن مساعدة الفقراء والمحتاجين سيكون مفضلا ومحببا لدى عملائك ومتابعيك".