مرفأ بيروت.. مخاوف من تداعيات نزيف جديد في "الرئة الاقتصادية" للبنان
مرفأ بيروت.. مخاوف من تداعيات نزيف جديد في "الرئة الاقتصادية" للبنان
بكارثة مرتقبة يقف مرفأ بيروت، على شفا انفجار جديد، على وقع اندلاع حريق في محيط صوامع القمح استمر لعدة أيام بفعل الطقس الحار.
والجمعة، حذر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، من مخاطر انهيار إحدى صوامع الحبوب في مرفأ بيروت، بسبب حريق مستمر يتسع وسط حرارة الصيف وارتفاع الرطوبة، في مشهد قد يكرر مأساة انفجار المرفأ قبل عامين.
ويأتي الحادث مع اقتراب حلول الذكرى الثانية لانفجار المرفأ، الذي وقع في أغسطس 2020، وأودى بحياة 200 شخص وإصابة 6 آلاف آخرين، فضلا عن دمار هائل لحق بمعظم بنايات العاصمة اللبنانية.
وبحسب تقديرات رسمية، وقع الانفجار في العنبر رقم 12 بالمرفأ، الذي كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014.
كارثة مرتقبة
والخميس، أوضحت المديرية العامة للدفاع المدني في لبنان في بيان، أنّ الحريق اندلع جرّاء انبعاثات ناتجة عن تخمير مواد موجودة في محيط صوامع القمح نتيجة الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت عام 2020.
وأوضحت أن "هذه المواد غير معروفة بسبب عدم تحديد أنواع المواد الكيميائية المترسبة إثر الانفجار، وما نتج عنها من تفاعلات كيميائية جديدة ومعقدة نتيجة اختلاط الغازات المنبعثة مع غازات أخرى موجودة في الهواء".
وأشارت المديرية إلى أن أي تدخل لإطفاء الحريق سواء بواسطة المياه أو مواد الإطفاء، سيؤجل المشكلة لبضعة أيام لتعود النار والدخان لإنتاج آثار جديدة ربما تسببت بأضرار جديدة أكثر فداحةً.
ووفق وسائل إعلام محلية، أضرمت النيران في واحدة من صومعتين للحبوب بمرفأ بيروت، قبل أن يتم إخمادها، واندلع الحريق أثناء عملية تخمير 800 طن من الحبوب في ظل طقس شديد الحرارة.
وفي خطوة قد تنذر بكارثة، ذكرت الحكومة اللبنانية أن النيران اتسعت رقعتها بعدما وصلت ألسنة اللهب إلى أسلاك كهربائية قريبة، لتعيد إلى الأذهان المشهد الدامي للانفجار الهائل الذي دمر المرفأ قبل عامين.
بدوره، قال وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، إن "ما يحصل اليوم يشكل خطرًا ويجب الوصول إلى حلول (..) إذا بقيت هذه المواد داخل صوامع تخزين القمح وتكرّرت الحرائق، سيؤدّي ذلك إلى انهيارها بشكل تلقائي".
فيما حذر مراقبون وخبراء أن محاولة إخماد النيران الحالية بالماء قد يؤدي إلى تفاقمها بسبب ارتفاع الحرارة والرطوبة، ما ضاعف من صعوبة وتعقيد الأوضاع.
ومرفأ بيروت هو الميناء البحري الرئيسي في لبنان، ويقع في الجزء الشرقي من خليج سان جورج على ساحل بيروت شمال البحر المتوسط وغرب نهر العاصمة، ويعد الرئة الاقتصادية للبلد العربي المأزوم.
صوامع الحبوب
وتعد صوامع الحبوب المتضررة جراء انفجار مرفأ بيروت في 2020، قضية جدلية في لبنان، إذ صنف وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، في مارس الماضي، مبنى الصوامع ضمن "الأبنية التاريخية" ومنع هدمها أو تنفيذ أي أعمال فيها دون موافقة مسبقة.
بالمقابل قال وزير الإعلام زياد مكاري، في إبريل الماضي، إن تقريرا فنيا حكوميا خلص إلى ترجيح انهيار صوامع الحبوب في المرفأ في الأشهر المقبلة وأن تجديدها سيكون مكلفا للغاية.
ما دفع وزير الثقافة إلى تراجع عن قراره السابق، قائلا في تغريدة عبر حسابه على تويتر: "تبين أن الصوامع غير قابلة للترميم، وبقاءها يعرضنا لكارثة أخرى فوجب التحسب".
فيما تطالب عائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت ببقاء صوامع الحبوب المتهالكة في مكانها كنُصب تذكاري على الأقل، أو إلى حين الانتهاء من التحقيق المتوقف والمجمد في الانفجار.
بدوره قال وزير الاقتصاد أمين سلام، في تصريحات إعلامية، إن إعادة إعمار الصوامع ستتم بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية بقيمة 22 مليون دولار.
عجز الدولة
ومن جانبه، قال المحلل السياسي اللبناني المقيم في بريطانيا محمد علوش، إن تعقيدات قضية مرفأ بيروت تتشابه إلى حد كبير مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يغرق بها لبنان منذ سنوات.
وعزا علوش في تصريح لـ"جسور بوست" أسباب ذلك إلى البيروقراطية الإدارية، وتنازع الصلاحيات بين أطراف العملية السياسية، وعدم إنجاز التحقيقات بشأن الانفجار الكارثي لمرفأ بيروت منذ نحو عامين.
وأضاف: "كل هذه العوامل حالت دون إتمام ملف المرفأ المعقد، وأظهرت عجز الدولة اللبنانية وعدم قدرتها على إدارة أكثر الملفات حساسية في تاريخ البلاد، والذي تمثل في انفجار بشع راح ضحيته المئات وأصيب آلاف آخرون".
ومضى علوش قائلا: "حتى ملف صوامع الحبوب المتهالكة في المرفأ لم يتم التوصل إلى حلول كافية بشأنه، ما يعكس حجم الاستسهال والاسترخاص لحياة المواطن اللبناني".
واختتم حديثه بأن "بقاء تركيبة السلطة على هذا النحو، سيزيد من تعقيد أزمات البلاد، ويؤدي إلى مزيد من الكوارث الإنسانية في لبنان".
ولا يزال ذوي ضحايا الانفجار ينظمون وقفات احتجاجية متكررة، للمطالبة بمحاسبة المتورطين، لا سيما في ظل تعطل التحقيقات بسبب طلبات الردّ التي يقدمها المتهمون (نواب ووزراء سابقون) بحق المحقق العدلي طارق البيطار.