فيسبوك يشعل نيران التعصب والكراهية في الهند
فيسبوك يشعل نيران التعصب والكراهية في الهند
كشف تسريب لوثائق داخلية من شركة فيسبوك العملاقة للتكنولوجيا في أكتوبر الماضي، عن تفاصيل دامغة حول ممارسات الشركة العملاقة التي اُتهمت بالحض على الكراهية من خلال نشاطها في الهند.
وقالت صحيفة “فورين أفريز”، في تقرير لها إن الشركة التي أعادت تسمية نفسها مؤخرًا باسم Meta، تدرك ذلك ولكنها تجاهلت العواقب الضارة لمنصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها في جميع أنحاء العالم.
وأضافت الصحيفة أن العاملين في موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة انزعجوا بشكل خاص من التطورات في الهند، والتي هي السوق الأكبر لها برصيد 340 مليون مستخدم بحسب “فورين أفريز”.
وقالت الصحيفة إن التسريبات تشير إلى أن Facebook كان يعلم أن صفحاته تُستخدم لنشر معلومات مضللة، واستهداف 172 مليون مسلم هندي بخطاب الكراهية وبث العنف، وعلى الرغم من ذلك لم يغير من سياساته شيئا.
ووجهت برامج Facebook هذا المحتوى إلى المستخدمين، حتى عندما فشلت آليات المراقبة الخاصة به في السيطرة وهي برامج ذكاء اصطناعي قادرة على تصفية المحتوى لخمس لغات فقط من أصل 22 لغة رسمية في الهند ومراقبة أي محتوى، اختارت الشركة التي تُقدر بتريليون دولار أن تدّخر جهدها، وألقت باللوم على شح الموارد في عدم تعديل مسارها بشكل صحيح.
تزامن توسع الإنترنت في الهند مع صعود رئيس الوزراء نار يندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي بهاراتيا جانتا (BJP) ومنذ أن أصبح رئيسًا للوزراء في عام 2014 تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت في الهند أربع مرات ففي عام 2020 وحده تضاعف من 213 مليونًا إلى 825 مليونًا.
وكانت بداية الاستخدام في الهند بـ78 مليون هندي فقط من القادرين على التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي.
تفكير راجح
يُقر دستور الهند، الذي سُن في عام 1950 في أعقاب الحكم البريطاني، أن الدولة كانت في الأساس ديمقراطية علمانية وليبرالية على النمط الغربي والتي لم يكن أفرادها مجرد وحدات سياسية في الدولة المستقلة حديثًا، بل كانوا أيضًا وحدات اجتماعية واقتصادية.
وكان هذا الافتراض للفردانية والليبرالية على خلاف في ذلك الوقت ولا يزال حتى اليوم مع الطريقة التي يعيش بها الهنود حياتهم بالفعل.
وكشفت دراسة استقصائية أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2021، وهي واحدة من أكبر الاستطلاعات من نوعها، أنه على الرغم من أن معظم الهنود متسامحون دينيًا، إلا أن أغلبية كبيرة منهم -سواء كانوا من الهندوس أو المسلمين أو السيخ يعيشون بين إخوتهم في الدين، ولديهم أصدقاء من خلفياتهم الخاصة.
ووجد الاستطلاع أيضًا أنه بالنسبة لغالبية الهندوس (الذين يشكلون 80 في المئة من السكان الهنود)، فإن هويتهم الوطنية ودينهم ولغتهم الأساسية (الهندية، وهي اللغة الرئيسية في العديد من المناطق الشمالية والوسطى من البلاد) تتماشى بشكل وثيق مع بعضها البعض، هذا الاختلاط بين الفصل والتسامح والهوية الجماعية والأصوات الفردية هو الطريقة التي يعيش بها معظم الهنود.
ومن المفارقات أن التحول الديمقراطي والاندماج السياسي الأكبر دفع الهند بعيدًا عن مُثلها التأسيسية.
كان مؤسسو الهند الحديثة -رجال مثل جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء، وبي آر أمبيدكار، أول وزير قانون أشرف على صياغة دستور الهند- على دراية بأن رؤيتهم تتعارض مع الواقع الذي يعيشه معظم الهنود.
ولكن كما جادل المنظِّر السياسي مادهاف خوسلا، فقد كانوا يأملون في أن “تفسير القواعد من خلال التقنين”، والدولة المركزية، والتمثيل الذي يركز على الأفراد من شأنه أن يعيد بمرور الوقت تشكيل مجتمع تقليدي قائم على المجموعة في مجتمع مناسب لحالة ديمقراطية ليبرالية مستنيرة.
وعند استقلال الهند عام 1947، بالكاد كان بإمكان واحد من كل عشرة هنود القراءة والكتابة (مقارنة بنحو ثمانية من كل عشرة اليوم). تنافس 55 حزبًا على المستوى الوطني في أول انتخابات هندية عام 1951 (مقارنة بـ669 حزبًا في الانتخابات الوطنية الأخيرة لعام 2019).
وفي انتخابات عام 1951، كان هناك إقبال بنسبة 45 في المئة من الناخبين المؤهلين في البلاد البالغ عددهم 176 مليونًا (مقارنة بنسبة 67 في المئة من بين أكثر من 900 مليون ناخب في الانتخابات الأخيرة).
باب جديد
أراد مؤسسو الهند الحديثة منع ظهور نسخة هندوسية من باكستان ذات الأغلبية المسلمة، دولة تعكس أعراف مجتمعها الديني ذي الأغلبية. وطالما ظل حزب المؤتمر يتمتع بشعبية وصوتت الأغلبية الهندوسية على أسس أخرى -مثل الانتماء الطبقي والطائفي- وكافح القوميون الهندوس لكسب أرض انتخابية.
تصور بعض المجددين وأصحاب الأفكار الحداثية أن الوصول إلى الإنترنت سيحرر الأفراد من روابط المجتمع المقيدة، ويشجع على تعريفات جديدة للذات وطبيعة العلاقات التي تحكم المجتمع.
هذا الحلم -الصورة الرمزية الرقمية لـ”نظرية التحديث” التي كانت شائعة في السابق والتي تخيلت أن جميع المجتمعات يمكن أن تتطور على مسارات متوازية تقريبًا نحو نسخة من الحداثة الغربية الليبرالية- أثبت أنه كان أمنيًا في معظم الأماكن، لكنه في السياق الهندي هو هلوسة مع مجتمع ضخم بهذا الشكل.
الهنود المحنكون بالإنترنت اليوم هم قارات بعيدة عن مواطنيهم الذين يسكنون وادي السيليكون، ناهيك عن النخب الناطقة باللغة الإنجليزية التي أسست الجمهورية.
أكثر من 90 في المئة من الهنود يتصفحون هواتفهم الذكية بدلاً من الكمبيوتر أو الكمبيوتر المحمول.. وحصل الكثيرون مؤخرًا على هاتف لأول مرة في حياتهم.
على الرغم من أن معظم الهنود يمكنهم القراءة والكتابة من الناحية الفنية فإن القليل منهم يتعامل بشكل نقدي مع الكلمة المكتوبة.
وجدت دراسة استقصائية أجريت عام 2016 على 589 منطقة ريفية أن 50 في المئة من الطلاب لا يستطيعون قراءة الكتب المخصصة حتى لثلاثة مستويات دون مستواهم الحقيقي.
وقال صاحب بوابة إخبارية شهرة في الهند: “إن عشرة ملايين هندي فقط قادرون على قراءة كتاب بأي لغة”.. وبدلاً من رؤية الإنترنت كمساحة لإعادة تعريف أنفسهم يواصل الهنود تفعيل الانتماءات الجماعية للطائفة والدين والمنطقة.
وجدت دراسة سابقة على فيسبوك أن متوسط عضوية المجموعات التي انضم إليها الهنود كان 140 ألف مستخدم، مما يشير إلى أن الهنود يفضلون التواجد من خلال المجموعات الكبيرة في عالم الإنترنت على عزلة الملاحقات الفردية.
رئيس وزراء الإنترنت
ناريندرا مودي هو السياسي الذي أدرك بشكل أفضل تأثير الإنترنت في الهند والأعراف الاجتماعية التي تعكسها، وهو يحافظ على تواجد هائل على Facebook و Instagram و YouTube ، بالإضافة إلى مجموعة من التطبيقات المحلية. لديه حتى الآن 72 مليون متابع على Twitter وهو بذلك أكثر الهنود شهرة على منصات التواصل الاجتماعي والأكثر فهما لشعبه وللغة الخطاب الحديثة معه. في المرتبة الثانية يأتي ممثل بوليوود أميتاب باتشان بكل شهرته وتاريخه.
عندما سأل مذيع التلفزيون الأمريكي ميجين كيلي نار يندرامودي في عام 2017 عما إذا كان قد سمع بتويتر، أثار ذلك عاصفة من السخرية من أتباع رئيس الوزراء، وهو اليوم ثالث أكثر السياسيين متابعة على مستوى العالم، بعد الرئيسين الأمريكيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب.
يعكس المشهد في وسائل التواصل الاجتماعي الهندية الطبيعة المجزأة والقائمة على الطائفية للمجتمع الهندي، حيث يقوم ممثلو كل طائفة ودين أحيانًا بالتجمع حول هذا الخطاب البغيض حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي لكن التواجد الأكبر الأكثر تعصبا كان للهندوس والمسلمين -وهو أمر تبرزه الوثائق الداخلية لفيسبوك- ويرجع إلى أن الهندوس يشكلون غالبية السكان الهنود ولأنهم يحظون بدعم الدولة.
منحت ثورة الإنترنت الملايين والملايين من الهنود صوتًا في المجال العام.. وهم حريصون على أن يكونوا جزءاً من التجربة، وهذا هو المأزق الحقيقي الذي تكشفه فضيحة فيسبوك.
لقد سخر ملايين الهنود العاديين أدوات الحداثة الغربية، لكنهم غير مهتمين بالتحول بواسطتها إلى الحداثة بمعناها الحقيقي.