«هيومن رايتس ووتش» تدعو لتشديد البروتوكولات الدولية لحظر الأسلحة الحارقة
«هيومن رايتس ووتش» تدعو لتشديد البروتوكولات الدولية لحظر الأسلحة الحارقة
دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير حديث، الدول المعنية بالأضرار الشديدة التي تسببها الأسلحة الحارقة في المجالات الجسدية والنفسية والاجتماعية والبيئية إلى العمل على تعزيز القانون الدولي الذي ينظم استخدامها.
وقالت المنظمة، اليوم الخميس، إن الدول الموقعة على "اتفاقية الأسلحة التقليدية" يجب أن تدين استخدام الأسلحة الحارقة وأن تتفق على تقييم مدى كفاية البروتوكول الثالث المتعلق بالأسلحة الحارقة، خلال اجتماعها السنوي في الأمم المتحدة في جنيف من 13 إلى 15 نوفمبر 2024.
تأثيرات الأسلحة الحارقة
تناول التقرير المكون من 28 صفحة بعنوان "ما وراء الحرق: تأثيرات الأسلحة الحارقة المتعددة وازدياد الدعوات للعمل الدولي" استخدام الأسلحة الحارقة في النزاعات المسلحة الأخيرة وآثارها الواسعة.
وقدم التقرير دراسات حالة لاستخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض –وهو سلاح له تأثيرات حارقة– في قطاع غزة ولبنان منذ أكتوبر 2023، واستخدام أنواع أخرى من الأسلحة الحارقة في أوكرانيا وسوريا، كما يوضح تزايد اهتمام العديد من الدول بمعالجة القضايا الإنسانية المتعددة التي تثيرها الأسلحة الحارقة.
وقالت المستشارة الرئيسية للأسلحة في "هيومن رايتس ووتش" ومؤلفة التقرير، بوني دوكرتي: "تستخدم الأسلحة الحارقة في عدة صراعات، ما يعرض حياة المدنيين وسبل عيشهم للخطر"، وأضافت: “يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية والبيئة من الآثار الرهيبة لهذه الأسلحة".
الأضرار الجسدية والنفسية
تعتبر الأسلحة الحارقة من بين أكثر الأسلحة قسوة في الحروب الحديثة، فهي تسبب حروقًا شديدة، وأضرارًا في الجهاز التنفسي، وصدمات نفسية، كما أن حرق المنازل والبنية التحتية والمحاصيل يسبب ضررًا اجتماعيًا واقتصاديًا، بالإضافة إلى تدمير البيئة، والأشخاص الذين ينجون غالبًا ما يعانون من معاناة دائمة.
اعتمد التقرير على مقابلات أجرتها "هيومن رايتس ووتش" مع الناجين، والمتخصصين الطبيين، وأعضاء منظمات المجتمع المدني الذين وصفوا تأثيرات استخدام الأسلحة الحارقة.
استخدام الفوسفور الأبيض
منذ أكتوبر 2023، استخدم الجيش الإسرائيلي قذائف الفوسفور الأبيض المندفعة من الجو أو من الأرض في مناطق سكنية في لبنان وقطاع غزة، بحسب ما تظهره الأدلة المصورة.
وقد تحقق فريق "هيومن رايتس ووتش" من استخدام القوات الإسرائيلية لقذائف الفوسفور الأبيض في 17 بلدية على الأقل، بما في ذلك 5 مناطق حيث تم استخدام قذائف الفوسفور بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية في جنوب لبنان بين أكتوبر 2023 ويونيو 2024.
أوكرانيا وسوريا
وتستمر الأسلحة الحارقة المنقولة جويًا أو من الأرض في استخدامها في أوكرانيا، وعلى الرغم من أنه من غير الممكن تحديد المسؤولية عن استخدامها، فإن كلاً من روسيا وأوكرانيا تمتلكان نفس الأنواع من الصواريخ الحارقة المستخدمة في الهجمات، كما استخدم الطرفان الطائرات بدون طيار لإطلاق القذائف الحارقة في ساحة المعركة، بما في ذلك نوع من الطائرات المسمى "طائرة التنين"، التي تحلق فوق المنطقة المستهدفة وتوزع مادة حرارية أو مركب حارق مشابه يشتعل عند درجات حرارة استثنائية، مما ينثر شرارات أو غازًا حارًا.
وتستمر القوات الحكومية السورية في استخدام الأسلحة الحارقة المنقولة من الأرض في سوريا، وعلى مدار العقد الماضي، وثقت "هيومن رايتس ووتش" استخدام هذه الأسلحة في أفغانستان والعراق واليمن أيضًا.
الثغرات في البروتوكول الثالث
انضمت 117 دولة إلى البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية بشأن الأسلحة الحارقة، لكن البروتوكول يحتوي على ثغرتين تضعفان قدرته على حماية المدنيين؛ أولاً، تعريف البروتوكول يستثني الذخائر متعددة الاستخدامات، مثل الفوسفور الأبيض، التي لا "تصمم أساسًا" لإشعال الحرائق أو حرق الأشخاص ولكنها تسبب نفس التأثيرات الحارقة المدمرة، ثانيًا، يحتوي البروتوكول على لوائح أقل صرامة بشأن الأسلحة الحارقة المنقولة من الأرض مقارنة بالأسلحة المنقولة جويًا.
تداعيات بيئية وصحية
في لبنان وحده، تم تهجير مئات المدنيين بعد الهجمات بالفوسفور الأبيض، وقد واجه الناجون مشكلات صحية، بما في ذلك أضرار في الجهاز التنفسي، بعد أشهر من التعرض للأسلحة الحارقة، كما دمر الفوسفور الأبيض بساتين الزيتون والمحاصيل الأخرى، ما أضر بسبل عيش المزارعين وأثر في المجتمعات المحلية.
وهدد الفوسفور الأبيض البيئة بسبب الحريق والدخان الذي يمكن أن يؤذي الحياة البرية ويدمر المواطن الطبيعية، بالإضافة إلى تأثيره على جودة التربة والمياه والهواء، ويمكن أن تتسبب المواد السامة فيه في تلوث خطير في بعض الحالات.
تعزيز القانون الدولي
زاد الزخم من أجل معالجة القضايا المتعلقة بالأسلحة الحارقة في السنوات الأخيرة، ففي اجتماع "اتفاقية الأسلحة التقليدية" الأخير في نوفمبر 2023، انتقدت أكثر من 100 دولة العواقب الإنسانية لاستخدام الأسلحة الحارقة ودعت إلى بدء مناقشات لمعالجة هذه القضايا.
يجب على الدول الموقعة على المعاهدة بدء مشاورات غير رسمية لتقييم مدى كفاية البروتوكول الثالث على الأقل، والسعي لإرساء معايير دولية أقوى، وفقًا لما ذكرته "هيومن رايتس ووتش".
ويجب عليها عقد محادثات خارج إطار اجتماع المعاهدة لدراسة التدابير الوطنية والدولية لمواجهة المشكلات التي تثيرها الأسلحة الحارقة.
قالت دوكرتي: "يجب على الحكومات اغتنام هذه اللحظة للتأكيد على قلقها بشأن الأسلحة الحارقة ومناقشة سبل تعزيز القانون لحماية المدنيين بشكل أفضل"، وأضافت: "من المؤكد أن الحظر الكامل على الأسلحة الحارقة سيكون له أكبر الفوائد الإنسانية".