النساء في القانون الدولي.. حماية قانونية تواجه تحديات معقدة أثناء الحروب

النساء في القانون الدولي.. حماية قانونية تواجه تحديات معقدة أثناء الحروب
العنف ضد المرأة

بهدف حماية المرأة خلال الحروب والنزاعات، سعت المنظومة القانونية الدولية من خلال المعاهدات والاتفاقيات والقرارات إلى ضمان عدم تعرض النساء والفتيات إلى آثار النزاعات المسلحة وضمان مشاركتهن في عمليات السلام في بلادهن.

ويحيي العالم، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، في 25 نوفمبر من كل عام، لإبراز أهمية الاستثمار في منع العنف القائم على النوع الاجتماعي في مختلف البلدان، إذ يثير العنف المتفاقم ضد النساء والفتيات في دول النزاع شواغل هامة بشأن الانتهاكات الحقوقية واسعة النطاق التي تتعرض لها المرأة.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تضاعفت نسبة النساء اللاتي قُتلن في النزاعات المسلحة خلال عام 2023 مقارنة بالعام السابق عليه، حيث شكلّت 40 بالمئة من إجمالي الوفيات في الحروب، بينما ارتفعت حالات العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات التي تحققت منها الأمم المتحدة بنسبة 50 بالمئة.

وسجلت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ما لا يقل عن 33 ألفا و443 حالة وفاة بين المدنيين في النزاعات المسلحة عام 2023، ما يمثل زيادة بنسبة 72 بالمئة مقارنة بعام 2022، كما ارتفعت نسبة النساء والأطفال ممن قُتلوا بمعدل ضعفين وثلاثة أضعاف على التوالي.

وذكرت الهيئة أن النساء في مناطق الحرب يعانين بشكل متزايد من محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية، حيث تموت 500 امرأة وفتاة يوميا في البلدان المتأثرة بالنزاعات بسبب مضاعفات تتعلق بالحمل والولادة، وهو ما يحدث في ظل تجاهل صارخ متزايد للقانون الدولي المصمم لحماية النساء والأطفال أثناء الحروب.

وعقب مرور نحو 25 عاما على اعتماد مجلس الأمن قرارا تاريخيا بشأن المرأة والسلام والأمن، وهو القرار رقم 1325 لعام 2000 الذي أقر بالمساهمة الحيوية للمرأة في منع نشوب النزاعات وحلها، إلا أنه رغم الالتزامات التي قُطعت على مر السنين، شكلت النساء أقل من 10 بالمئة من المفاوضين في أكثر من 50 عملية سلام في جميع أنحاء العالم عام 2023.

يأتي ذلك رغم أن الدراسات تُظهر أنه عندما تُشارك النساء، فإن اتفاقيات السلام تستمر لفترة أطول ويتم تنفيذها بشكل أفضل، حيث تؤدي النساء أدواراً متنوعة في المفاوضات وعمليات السلام المعقدة ومتعددة المسارات، ومن ثم يتم الوصول بصورة أسرع إلى اتفاقيات السلام.

القوانين الدولية

ويمنح القانون الدولي الإنساني النساء في أوقات النزاعات والحروب الحماية العامة، لكونهن من المدنيين وحماية خاصة، حيث يأخذ القانون بعين الاعتبار الحقيقة القائلة بأن النساء على وجه الخصوص ربّما يكنّ عرضة لأنواع محدّدة من العنف. 

وتركز هذه الحاجة لحماية خاصة على حاجات النساء كونهن أمهات، وعلى ضرورة حمايتهن من العنف الجنسي بشكل خاص، حيث تكون النساء محميات بموجب القانون الدولي من خلال العديد من المعاهدات والاتفاقيات والتي يأتي أبرزها كالتالي:

- اتفاقية جنيف عام 1949

تشكل اتفاقيات جنيف لعام 1949 مع البروتوكولات الإضافية إطارًا قانونيًا لحماية النساء أثناء النزاعات المسلحة، وتتضمن الاتفاقيات نصوصًا مخصصة تهدف إلى توفير الحماية للنساء، سواء كمدنيات أو كأسرى حرب، إضافة إلى حمايتهن من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وتشمل اتفاقيات جنيف الحماية للنساء بشكل عام كونهن مدنيات أو أشخاصا لا يشاركون في النزاع، وهي تنص على: حظر الهجمات على المدنيين، وحظر العقوبات الجماعية والإيذاء، وتوفير الرعاية الصحية للمرأة، وتفرض حماية خاصة للنساء من العنف الجنسي والاستغلال.

- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

تُعرف هذه الاتفاقية بأنها "دستور حقوق المرأة"، وهي تطالب الدول الأطراف باتخاذ تدابير لضمان المساواة وحماية المرأة من العنف، بما في ذلك أثناء النزاعات والحروب والصراعات، كما تدعو الدول إلى ضمان عدم تعرض المرأة للتمييز، سواء في أوقات السلم أو النزاع.

وتتألف اتفاقية "سيداو" من 30 مادة تغطي مجموعة واسعة من الحقوق والمجالات، أبرزها القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وتعزيز حقوق المرأة وضمان المساواة الكاملة مع الرجل في جميع المجالات.

وتمثل اتفاقية السيداو إطارًا شاملاً لتعزيز وحماية حقوق المرأة عالميًا. ومع ذلك، يبقى التنفيذ الفعلي للاتفاقية تحديًا مستمرًا، حيث تحتاج الدول إلى اتخاذ تدابير فعالة لضمان تحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

- قرار مجلس الأمن رقم 1325 عام 2000 بشأن المرأة

يعد هذا القرار نقطة تحول في حماية حقوق المرأة أثناء النزاعات والحروب، حيث يركز على أهمية مشاركة المرأة في عمليات السلام وصنع القرار، إذ ينص على أهمية حماية المرأة من العنف الجنسي، ويشجع على إدماج المرأة في مفاوضات السلام.

وبخلاف حماية النساء، يدعو القرار إلى زيادة مشاركة النساء على جميع مستويات صنع القرار، بما في ذلك في مفاوضات السلام، وعمليات إعادة الإعمار، والهيئات التشريعية والتنفيذية، كما يشدد على ضرورة تمثيل المرأة في المؤسسات الأمنية والدولية، مثل قوات حفظ السلام والبعثات الدبلوماسية.

- قرار مجلس الأمن رقم 1820 عام 2008 بشأن العنف الجنسي في النزاعات

يركز هذا القرار على محاربة العنف الجنسي خلال النزاعات ويعترف به كسلاح من أسلحة الحرب لإرهاب السكان المدنيين وزعزعة استقرار المجتمعات، ويدعو إلى محاسبة مرتكبي العنف الجنسي وضمان حماية الضحايا، ويشير إلى أهمية مشاركة المرأة في جهود منع النزاعات وحلها، وعمليات بناء السلام.

وينص القرار على تعزيز حماية النساء والفتيات، ويدعو إلى اتخاذ تدابير فعالة لحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي خلال النزاعات المسلحة، والمساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب، ويشدد على أهمية محاسبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي ووقف ثقافة الإفلات من العقاب.

- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998

يعترف النظام بالعنف الجنسي (مثل الاغتصاب والاستعباد الجنسي) كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويعطي هذا النظام إطارًا قانونيًا لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد المرأة خلال النزاعات.

ويمنح نظام روما الأساسي حقوقًا واسعة للضحايا، بما في ذلك الحق في المشاركة في الإجراءات القضائية وتقديم الشهادات، ويمكن للضحايا أيضًا الحصول على تعويضات مالية وجبر الضرر من خلال صندوق خاص أنشأته المحكمة.

ويُعد نظام روما الأساسي خطوة كبيرة نحو تعزيز العدالة الدولية وحماية حقوق الإنسان، وتلعب المحكمة الجنائية الدولية دورًا محوريًا في مكافحة الإفلات من العقاب وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة، لكنها تحتاج إلى دعم دولي قوي لضمان نجاحها.

- إعلان بكين عام 1995 ومنصة العمل

منصة العمل التي تم تبنيها في مؤتمر بكين الرابع للمرأة تركز على حقوق المرأة في جميع المجالات، بما في ذلك الحماية أثناء النزاعات، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمنع العنف ضد النساء والفتيات في أوقات النزاعات والحروب.

ويعد إعلان بكين وثيقة دولية اعتمدت في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي عُقد في بكين، ويُعتبر هذا الإعلان من أهم الوثائق التي تتناول حقوق المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، ويشكل خارطة طريق عالمية لتحقيق التمكين الكامل للنساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.

- اتفاقيات إقليمية

البروتوكول الإفريقي لحقوق المرأة عام 2003، والذي يتناول حقوق المرأة وحمايتها، بما في ذلك حماية النساء من العنف في أوقات النزاعات والحروب.

اتفاقية إسطنبول عام 2011، والتي تركز على منع العنف ضد المرأة وحمايتها، وتعتبر أداة فعالة لحماية النساء في مناطق النزاعات في الدول الأعضاء في مجلس أوروبا.

التحديات والصعوبات

ورغم وجود هذه القوانين والقرارات، تواجه النساء في النزاعات انتهاكات مستمرة لحقوقهن بسبب ضعف التطبيق، ونقص المساءلة، وتأثير الأعراف الثقافية في بعض المجتمعات، وغالبًا ما تكون النساء والفتيات عرضة للاستغلال الجنسي والاستعباد أثناء النزاعات، ويفشل النظام الدولي أحيانًا في توفير حماية فعالة لهن.

ورغم وجود قبول عالمي بهذه الاتفاقيات، فإن الالتزام بها غالبًا ما يكون ضعيفًا في مناطق النزاعات، لا سيما مع استمرار الانتهاكات ضد المدنيين، وخاصة في النزاعات غير الدولية، حيث لا تلتزم الأطراف المتحاربة في كثير من الأحيان بأحكام الاتفاقيات.

يأتي ذلك إلى جانب صعوبة المحاسبة، حيث تواجه المحاكم الدولية تحديات في ملاحقة ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب بسبب العوائق السياسية والقانونية.

فجوة في التطبيق

قال خبير القانون الدولي، الدكتور عبدالمجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "أفدي" الدولية لحقوق الإنسان، إن هناك ترسانة قانونية دولية توفر حماية لحقوق المرأة خلال النزاعات والحروب، بدءا من اتفاقيات جنيف الأربعة، والبروتوكولات الإضافية التابعة لها، ونظام روما المؤسس للمحكمة الجنية الدولية وغيرها.

وأوضح مراري، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن القانون الدولي الإنساني يوفر للنساء حماية عامة باعتبارها من ضمن المدنيين، وكذلك حماية خاصة بناء على النوع الاجتماعي أثناء الحروب والنزاعات المسلحة لتجريم الاعتداءات الجنسية، والاختطاف، والزواج القسري وغيرها من الانتهاكات ضد النساء.

وأضاف: "الفجوة تحدث بين النصوص والتطبيق في الواقع، لا سيما وأن إجراءات اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية شديدة التعقيد، الأمر الذي يفسر نوعا ما صعوبة اللجوء إلى القضاء الدولي في حالات الاعتداءات الجنسية والجسدية ضد النساء في مناطق الصراع والتي يتم ارتكاب الاعتداءات على المرأة كإحدى أدوات الحرب مثل السودان واليمن وقطاع غزة، وذلك رغم تجريمها من قبل القوانين الوطنية والدولية".

وقال مراري، إن هناك صعوبة بالغة في التحقق من وقوع الاعتداءات ضد النساء أثناء الحروب، لا سيما وإن كان الجاني هو أحد أطراف النزاع، وذلك نظرا لشيوع آليات الإفلات من العقاب وعدم تقديم الجناة إلى العدالة، إلى جانب تعقيدات اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم الدول الأوروبية، الأمر الذي يؤدي إلى إهدار حقوق النساء في النزاعات والحروب".

وعاب خبير القانون غياب الإرادة الحقيقية لدى المُشرع الدولي في تبسيط إجراءات وقواعد القانون الدولي من جانب، وإنشاء محاكم خاصة لمحاكمة المعتدين ومرتكبي الجرائم ضد النساء أثناء النزاعات المسلحة لأنهن أكبر الضحايا في هذه الحروب.

واستشهد مراري، بما يحدث الآن في قطاع غزة حيث يمثل النساء والأطفال نحو أكثر من 50 بالمئة من إجمالي عدد الضحايا، وذلك إلى جانب الصراعات في السودان واليمن وأوكرانيا، حيث تحصد النساء النصيب الأكبر من الانتهاكات والجرائم، لأنهن الحلقة الأضعف في كل الصراعات والنزاعات المسلحة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية