«دعها تذهب للمدرسة».. تعليم الفتيات في مناطق النزاع حلم تغتاله نيران الحروب
«دعها تذهب للمدرسة».. تعليم الفتيات في مناطق النزاع حلم تغتاله نيران الحروب
"دعها فقط تذهب للمدرسة".. شعار طُرح قبل أشهر في مؤتمر عربي وإسلامي، بشأن التحديات التي تواجه تعليم الفتيات في مناطق النزاع، لا سيما في قطاع غزة والسودان وليبيا واليمن وسوريا ولبنان، مع تزايد المخاوف من عدم القدرة على انتزاع فرصة تعليم للفتيات وسط أزيز الحروب بالمنطقة.
ورغم إطلاق الأمم المتحدة مبادرة "مدارس آمنة" في عام 2015، فإن المنشآت التعليمية باتت على أرض الواقع هدفا للعمليات المسلحة في البلدان التي تشهد نزاعات بالمنطقة، الأمر الذي يهدد بتسرب الأطفال، لا سيما الفتيات، من العملية التعليمية.
وتعد المبادرة الأممية التزاما سياسيا لتوفير حماية أفضل للطلاب والمعلمين والمدارس والجامعات أثناء النزاعات المسلحة، ولدعم مواصلة التعليم أثناء الحروب، ولوضع إجراءات ملموسة لردع الاستخدام العسكري للمدارس.
ويضمن قانون حقوق الإنسان الدولي، الذي اعتمد عام 1948 الحق في التعليم، فيما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 26 على أن "لكل شخص الحق في التعلم"، ويكفل القانون الدولي حق التعليم للجميع دون أي تمييز، ويلزم الدول بحماية الحق في التعليم واحترامه وإعماله، مع الإقرار بأن هنالك طرقاً عدة لمساءلة الدول عن انتهاك الحق في التعليم.
محدودية فرص تعليم الفتيات
وتشير دراسة حديثة للبنك الدولي إلى أن "محدودية فرص تعليم الفتيات، والعوائق أمام إكمالهن 12 سنة من التعليم، تكلفان البلدان ما بين 15 و30 تريليون دولار في صورة إنتاجية وأرباح مفقودة على مدى العمر"، فيما قدرت منظمة "يونسكو" أن هناك 129 مليون فتاة غير ملتحقات بالمدارس في مختلف أنحاء العالم، منهن 32 مليونا في سن الدراسة الابتدائية، و97 مليونا في سن الدراسة الثانوية.
وتبدو الفجوات بين فرص الذكور والإناث للتعليم أشد وضوحا في البلدان المتأثرة بأوضاع الهشاشة والصراع والعنف، حيث تزيد احتمالية تسرب الفتيات من المدارس بمرتين ونصف المرة عن الأولاد، الأمر الذي دعا منظمة "يونيسف" في 2015 إلى إطلاق مبادرة بعنوان "التعليم في خط النار"، لخفض عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب النزاعات والحروب.
استهداف التعليم
وفي يونيو الماضي، قال التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات، في تقرير بعنوان "الاعتداءات على التعليم 2024"، إن نحو 6 آلاف اعتداء قد وقع على التعليم بين عامي 2022 و2023، وهي زيادة بواقع نحو 20 بالمئة مقارنة بالعدد في العامين السابقين على التاريخ المذكور.
وكانت فلسطين أحد أبرز دول المنطقة التي سجّل باحثو التحالف العالمي فيها أعلى هجمات على التعليم بجانب أوكرانيا والكونغو ما بين تعرض المئات من المدارس إما للتهديد أو النهب أو الحرق أو الاستهداف بأجهزة متفجرة، أو تعرضها لأعمال قصف أو الغارات الجوية، فيما زاد عدد الهجمات في بلاد منها فلسطين والسودان وسوريا وأوكرانيا، وتراجع الأعداد في إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي وموزمبيق.
وقالت ليزا تشونغ بيندر، المديرة التنفيذية للتحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات: "في أماكن مثل قطاع غزة، وإضافة إلى أهوال الخسائر في الأرواح، يتعرض التعليم نفسه للهجوم، لقد تم إغلاق المدارس والجامعات، وفي بعض الحالات دُمّرت بالكامل، وسيكون لهذا عواقب طويلة الأجل على التعافي الاجتماعي والاقتصادي، إذ إن البنية التحتية المطلوبة لتعميق السلام والاستقرار قد استُهدفت".
وأضرّت الهجمات على التعليم بمئات المرافق التعليمية أو دمرتها بالكامل، وأدت إلى الإغلاق المؤقت أو الدائم لأسابيع وشهور من فقدان الطلاب للتعليم، كما تعرض بعض الطلاب للأذى النفسي بسبب الهجمات، وخَشِي البعض العودة إلى المدرسة، بحسب التحالف العالمي.
وأوضح التقرير تضرر الفتيات والطلاب أصحاب الإعاقات بصورة خاصة بسبب الاعتداءات على التعليم، حيث كابدت الفئتان صعوبات أكبر في استئناف عملية التعلم بعد تعرض المرافق التعليمية للهجمات.
وسجّل الباحثون أكثر من 475 هجوماً على المدارس في فلسطين خلال عام 2023، وكانت الكثير من هذه الهجمات عبر غارات جوية وقصف برّي بأسلحة متفجرة، واستمرت الهجمات في 2024 في غزة، حيث تضررت جميع الجامعات وأكثر من 80 بالمئة من المدارس، طبقاً لمجموعة التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مهاجمة مدارس الفتيات
واستهدفت أطراف النزاعات المسلحة المدارس لتجنيد الأطفال، في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وسوريا واليمن.
وفي سبتمبر 2024، دعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" لحماية التعليم في ظل تصاعد الهجمات عالميا وكانت فلسطين ضمن أعلى أعداد من الهجمات على التعليم عالميا.
تعطل القانون الدولي
قال الخبير العراقي المهتم بشؤون التعليم، حسين السبعاوي، إن التعليم يحتاج إلى بيئة مستقرة آمنة، والنزاعات والفوضى بيئة غير مؤهلة للتعليم على الإطلاق، كما أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية خاصة للفتيات، اللاتي يعتبرن إحدى ضحايا الحروب والنزاعات المنسيات، تزيد من معاناتهن.
وأوضح السبعاوي، في تصريح لـ"جسور بوست" أن الفتيات على وجه التحديد تضررن من الحروب والنزاعات والفوضى بدول الشرق الأوسط، خاصة أن الآباء يخشون على بناتهن من إرسالهن إلى المدارس خشية تعرضهن للعنف أو استغلالهن، مؤكدا أن الحروب والنزاعات المستمرة في غزة ولبنان والسودان واليمن وليبيا أثرت بكل تأكيد على فرص الفتيات في التعليم.
وأضاف: "جميع المبادرات الدولية والأممية لإدماج الفتيات في التعليم بمنطقة الصراعات والنزاعات يكون لها أثر بسيط خاصة أن القانون الدولي معطل في الحروب وبمواجهة إسرائيل كما نرى في غزة ولبنان، وكذلك بمواجهة قادة الحروب والفوضى في السودان المدعومين من دول كبرى بمجلس الأمن".
وأكد أنه لا مكانَ آمناً في غزة وتم استهداف المدارس والمخيمات، وبالتالي تنعدم فرص تعليم الفتيات وغيرهن، ويمتد الأمر ذاته إلى لبنان والسودان الذي لا مكان آمناً فيها، مقترحا البحث عن بدائل التعليم عن بُعد ودعم هذه المبادرات أممياً ودولياً لدمج سريع للفتيات ومنع أي تسريب لهن من المسار التعليم تحت وطأة الحروب والصراعات.
وقال السبعاوي، إنه رغم الدعوات العالمية لإبعاد التعليم والمدارس عن الحروب، فإن قادة تلك الصراعات التي لا يهمهم أرواح المدنيين، لا يهمهم قضايا التعليم ولا خطر تسرب الفتيات بعيدا عن التعليم، لافتا إلى أنه بعد توقف تلك الصراعات والحروب ستكون هناك صعوبات لعودة الفتيات للتعليم، لكن ذلك يمكن تدبيره بالتدرج والإصرار على نجاح المسار التعليمي باعتباره أحد منقذي للشعوب التي تئن تحت الصراعات والداعم لمستقبل أفضل.
حماية دولية للمدارس
من جانبه، رأى الحقوقي التونسي ورئيس جمعية العدالة ورد الاعتبار، كريم عبد السلام، إنه رغم مرور نحو 10 سنوات على إعلان أوسلو للمدارس الآمنة حاولت الأمم المتحدة عبر منظمة "يونيسف" وضع حزام آمن وتمتع المدارس بحماية دولية خارج الاستهداف في مناطق النزاع.
وأضاف عبد السلام في تصريح لـ"جسور بوست": "للأسف رغم موافقة 120 دولة على إعلان أوسلو لم يحدث أي نقلة نوعية في المستوى التطبيقي بإبعاد المدارس عن الاستهداف أو القصف، حيث تم ارتكاب انتهاكات جسمية في الحق في التعليم الذي يعني أيضا الحق في الحياة، وأصبح تعليم الفتيات في ظل تلك الظروف محاطاً بكل المخاطر وتسبب في عزوفهن عن التعليم".
وأوضح أنه رغم خروج بعض دول الشرق الأوسط من النزاعات بتحقيق الأمان النسبي مثل العراق وليبيا واليمن، لا تزال الأزمة المتوارثة وكرة الثلج المتدرجة في زمن النزاع تعزز الحلقة المفقودة في الاستمرارية في التعليم ووجود هوة كبيرة جراء النزاعات، وهذا يعيق تحقيق أي طفرة تعليمية.
وأكد الخبير التونسي أن هناك فجوة شاسعة في مسار التعليم، لا سيما تعليم الفتيات بين البلدان الآمنة والبلدان غير المستقرة، مؤكدا ضرورة الاهتمام بحق التعليم ووقف تلك الصراعات والنزاعات لتحقيق مسار تعليم حقيقي يحقق فائدة للشعوب المنكوبة والدول النامية.
إحصاءات أممية
وتخصص الأمم المتحدة 11 أكتوبر من كل عام للاحتفال باليوم الدولي للفتاة، للتذكير بالآثار غير المتناسبة على الفتيات من أزمة المناخ العالمية والصراعات والفقر ومخاطر ضياع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجال حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.
وتقول التقديرات الأممية أن الكثير من الفتيات لا يزلن محرومات من حقوقهن، ما يحد من خياراتهن ويحد من مستقبلهن، حيث لا تكمل واحدة من كل خمس فتيات المرحلة الإعدادية (المتوسطة)، ولا تكمل أربع من كل 10 منهن المرحلة الثانوية، كما لا يستخدم نحو 90 بالمئة من المراهقات والشابات الإنترنت في البلدان منخفضة الدخل، في حين أن استخدام أقرانهن من الذكور للإنترنت هو الضعف.
ولم تزل المراهقات يشكلن ثلاث من كل أربع حالات إصابة بفيروس الإيدز بين المراهقين والمراهقات، وتتعرض واحدة من كل أربع مراهقات ممن هن بين سني 15 و19 عاماً -فضلا عن كونهن من المتزوجات أو ممن لهن عشير- للعنف الجسدي أو العنف الجنسي على يد شريكها مرة واحدة على الأقل في حياتها.
وقبل تفشي جائحة كورونا، كانت 100 مليون فتاة معرضة لمخاطر زواج الصغيرات، والآن تتعرض 10 ملايين فتاة أخرى في كل أنحاء العالم لمخاطر ذلك النوع من الزواج.
وتعد قضيتا تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء جزأين أصيلين من كل هدف من أهداف التنمية المستدامة الـ17، إذ إن ضمان حقوق النساء والفتيات في كل هدف من الأهداف يمكننا من تحقيق العدالة والإدماج وبناء الاقتصادات التي تعمل من أجل الجميع والحفاظ على البيئة المشتركة لنا وللأجيال المقبلة.