«منها الاعتداء الجنسي والزواج القسري».. مخاطر تهدد النساء العربيات في مناطق النزاعات

«منها الاعتداء الجنسي والزواج القسري».. مخاطر تهدد النساء العربيات في مناطق النزاعات
المخاطر تهدد حياة النساء في مناطق النزاعات

تتفاقم ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاعات بالدول العربية، بفعل البيئة غير المستقرة وسيطرة الجماعات المسلحة، فضلا عن هشاشة أوضاع النساء في تلك المناطق، وغياب الحماية وآليات الردع القانوني حيال تلك الممارسات وغيرها.

ويزداد العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاع بشكل ملحوظ، ويعد من أكثر القضايا الإنسانية والاجتماعية حساسية وتعقيدًا، حيث يتجلى في العديد من الأشكال، أبرزها العنف الجنسي، والذي يستخدم كوسيلة حرب لإرهاب المجتمعات وتشتيتها، ويستخدم أحيانًا كوسيلة لإذلال الأعداء أو كأداة حرب لزعزعة استقرار المجتمعات، وانتشر بشكل خاص في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا.

وينتشر الزواج القسري والمبكر نتيجة فقدان الأمان والموارد الاقتصادية، ما يدفع الأسر إلى تزويج الفتيات في سن صغيرة كوسيلة "لحمايتهن"، جراء التدهور الأمني والاجتماعي وانهيار المؤسسات وتراجع سيادة القانون.

وتتعرض النساء والفتيات للاتجار بالبشر لأغراض جنسية أو للعمل القسري في ظروف سيئة، كما يعانين من انعدام الوصول للموارد والخدمات الأساسية، مثل الغذاء، والصحة، والتعليم، ما يزيد من هشاشتهن ويعرضهن لمزيد من الانتهاكات.

ويفاقم النزوح واللجوء في مناطق النزاعات المسلحة من المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات بسبب الافتقار إلى الحماية في مخيمات اللاجئين ومراكز الإيواء وغيرها، إلى جانب أن النزوح القسري يجعل النساء والأطفال أكثر عرضة للاستغلال الجنسي.

ويعد الحرمان الاقتصادي والاجتماعي أحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاعات، حيث يتم تقييد النساء من الوصول إلى الموارد الأساسية، مثل الغذاء، والمياه، والخدمات الصحية، كما تجبر النساء على تحمل مسؤوليات إضافية بسبب غياب الرجال في حالات النزاع.

وتعاني النساء في ظل هذه الأوضاع من إصابات جسدية، وأمراض منقولة جنسيًا، وحمل غير مرغوب فيه، ما يساهم في تدهور الصحة النفسية، بما في ذلك اضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب تعرضهن لوصمة العار والنبذ الاجتماعي في مناطق النزاع.

وبالتوازي مع هذه الأوضاع، غالبا ما تستهدف الجماعات المتطرفة النساء لفرض أيديولوجياتهن، في ظل الأعراف الثقافية التي تحرم المرأة من المطالبة بحقوقها وتحد من تمكينها اقتصاديا واجتماعيا بعدم توافر فرص للعمل والتعليم، وسط انهيار المؤسسات وتراجع سيادة القانون.

وعادة ما تفتقر مناطق النزاعات المسلحة لبرامج الدعم النفسي والاجتماعي للنساء الضحايا، إذ تشهد الخدمات المتخصصة لإعادة التأهيل النفسي والجسدي نقصا شديدا، إلى جانب عدم وجود مراكز آمنة للنساء والفتيات في مناطق النزاع.

حماية أممية

ويعد العنف القائم على النوع الاجتماعي واحدًا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعًا وانتشارًا في العالم، وهو لا يعرف حدودًا اجتماعية أو اقتصادية أو وطنية، ورغم أنه يقوض صحة الناجيات وكرامتهن وأمنهن واستقلاليتهن، فإنه لا يزال محاطاً بثقافة الصمت، وتدعمه معايير وموروثات  ثقافية إما تؤازره أو تبرره أو تقلل من شأنه باعتباره ظاهرة مألوفة.

وينص قرار الأمم المتحدة رقم 1325 (المرأة والسلام والأمن) على ضمان حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي في سياقات النزاع وما بعد النزاع، وتوفير بيئة آمنة تمكن النساء من الحصول على حقوقهن الأساسية، وتعزيز مشاركة النساء على جميع مستويات صنع القرار في عمليات السلام، والمفاوضات، وإعادة الإعمار.

وينص أيضا على زيادة تمثيل النساء في المؤسسات الوطنية والدولية المعنية بحفظ السلام، وتعزيز دورهن في منع النزاعات وحلها، ودمج منظور النوع الاجتماعي في استراتيجيات الوقاية، ومراعاة احتياجات النساء والفتيات أثناء تقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة بناء المجتمعات المتضررة من النزاعات.

ويظل القرار الأممي مرجعًا رئيسيًا لتمكين النساء في سياقات النزاعات وضمان حقوقهن، وتسليط الضوء على أهمية المساواة الجندرية لتحقيق سلام مستدام، وتقديم إطار عمل دولي يُلزم الدول الأعضاء بإدماج النساء في عمليات السلام والأمن، وأداة لدفع التغيير نحو مجتمع أكثر عدالة وشمولية في زمن السلم والنزاع على حد سواء.

وتطالب المنظمات المحلية والدولية، بتعزيز أطر المساءلة ودعم المحاكم الوطنية والدولية لمحاسبة الجناة الذين تورطوا في ارتكاب أعمال عنف ضد النساء، إلى جانب ضرورة إشراكهن في عمليات السلام واتخاذ القرار وإنشاء مراكز لدعم الناجيات، وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والقانونية والاجتماعية.

ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي على نحو شامل، وذلك عبر سلسلة من التدابير الإنسانية والإنمائية والتي تنطوي على تدابير الاستجابة لمسائل السلم في أكثر من 150 دولة وإقليمًا في جميع أنحاء العالم.

وإجمالا تتطلب مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق النزاع، تعاونًا متعدد المستويات بين الحكومات، والمنظمات الدولية، والمجتمعات المحلية لضمان حماية وكرامة الجميع، مع ضرورة الالتفات إلى الوقاية من النزاعات ومعالجة جذور النزاع وتقليل الهشاشة المجتمعية.

تكلفة باهظة

وقالت ميار مكي، مديرة مبادرة "بر أمان" المعنية بخلق مجتمع آمن وخالٍ من العنف ضد المرأة بمصر، إن النساء يواجهن عواقب مضاعفة للحروب والنزاعات، بدءا من التعذيب والاغتصاب والانتهاكات الجسدية والجنسية، ووصولا إلى الحرمان من الفوط الصحية وخدمات الصحة الإنجابية وغيرها.

وأوضحت مكي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن عواقب تعرض النساء والفتيات للعنف القائم على النوع الاجتماعي، تطال الصحة البدنية والعقلية والجنسية والإنجابية، إذ تحدث لهن جروح وإصابات، ويتعرضن للحمل غير المرغوب فيه، أو عدوى بأحد الأمراض المنقولة جنسيًا، أو الإصابة باضطرابات الأمراض النسائية، ويفقدن الشعور بالخصوصية والكرامة في المخيمات ومراكز الإيواء، إضافة إلى ما يشعرن به من قلق واكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والإيذاء الشخصي.

وأضافت: “هذا النوع من العنف ليس انتهاكا لحقوق النساء والفتيات فحسب، بل إن الإفلات من العقاب الذي يتمتع به الجناة، والخوف الناجم عن أفعالهم، له آثاره السلبية على جميع النساء والفتيات، وتكون تكلفته الاجتماعية والاقتصادية باهظة، ما يحد من الإسهامات التي يمكن أن تقدمها المرأة في التنمية والسلام والتقدم الدوليين”.

وأشارت ميار مكي، إلى أن العنف ضد النساء والفتيات عادة ما يتضخم في أوقات النزاعات والحروب، ولذلك فإن الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي يستحققن الحصول على دعم وخدمات، لا سيما الرعاية الصحية المنقذة للحياة والدعم النفسي الاجتماعي، لما لذلك من أهمية قصوى في مرحلة التعافي والشفاء النساء والفتيات.

وأوضحت الخبيرة في التنمية وحقوق الإنسان بالمغرب، آمال الراغ، أن ثمة تكلفة باهظة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق الصراع، وذلك سواء على الأفراد أو المجتمعات أو الدول، أبرزها التكلفة الإنسانية والاجتماعية من خلال الإصابة بالصدمات النفسية والتفكك الأسري والحد من فرص النساء والفتيات في التعليم والعمل، الأمر الذي يضعف مساهمتهن في تحقيق التنمية وبناء المجتمع.

وقالت الراغ، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن هناك تكلفة اقتصادية للعنف ضد النساء في مناطق النزاع، والتي تشمل التكاليف الطبية لعلاج الإصابات الجسدية والنفسية ورعاية الضحايا، إلى جانب فقدان الإنتاجية بسبب تأثر النساء المعنفات، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية بسبب تغيبهن عن العمل، الأمر الذي يدفع الأسر إلى دائرة الفقر بسبب فقدان الموارد أو الدخل.

وأضافت: "الأطفال الذين يشاهدون العنف يكونون عرضة لخطر تقليد هذا السلوك أو التعرض لآثار نفسية تؤثر على نموهم وتعليمهم، ما يؤدي إلى استمرار العنف بين الأجيال، وإعاقة التنمية طويلة الأجل، مثلما يحدث في سوريا واليمن والسودان".

وفي ما يتعلق بالحلول لتقليل تكلفة العنف، أشارت الخبيرة المغربية إلى ضرورة تعزيز الحماية القانونية لضمان محاسبة الجناة وتعزيز القوانين الموجهة لحماية النساء، وكذلك زيادة الوعي والتثقيف بمخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي وآثاره طويلة الأمد، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، إلى جانب برامج إعادة الإدماج، وتعزيز دور المرأة في صنع القرار والمشاركة في إعادة بناء المجتمعات بعد النزاعات.

ويعد العنف ضد المرأة واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا وتدميرًا في العالم، ولم يزل مجهولا إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية