نساء في مرمى النيران.. النزاعات المسلحة تغتال صحة المرأة الإنجابية والعقلية

نساء في مرمى النيران.. النزاعات المسلحة تغتال صحة المرأة الإنجابية والعقلية
فلسطينيات وسط ركام الحرب

تؤثر النزاعات المسلحة والحروب بشكل كبير على صحة المرأة بمختلف أبعادها، وتتفاقم آثار هذه النزاعات بسبب التوترات الاجتماعية، وانهيار البنية التحتية، وانتشار العنف الجنسي وغيرها.

وتعد الصحة الإنجابية والعقلية للنساء في زمن الحرب من أبرز القضايا التي تؤثر على حقوق الإنسان والصحة العامة، نظرًا للتحديات المتعددة التي تواجهها النساء في ظل الصراعات والنزاعات المسلحة. 

وعادة ما تتعرض الأنظمة الصحية في البلدان التي تشهد حروبا ونزاعات إلى ضغوط هائلة أو انهيار كامل، ما يجعل من الصعب وصول النساء إلى خدمات الصحة الإنجابية الأساسية مثل رعاية الحمل، والولادة الآمنة، وتنظيم الأسرة وغيرها.

وترتفع معدلات العنف الجنسي والاستغلال في مناطق النزاع، الأمر الذي يعرض النساء لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا عن البكتيريا أو الفيروسات أو الطفيليات، بما في ذلك فيروس نقص المناعة  (HIV)، والحمل غير المرغوب فيه.

وبسبب صعوبة وصول المساعدات الطبية والصحية إلى بؤر النزاعات، ينخفض توفر وسائل منع الحمل والدعم الصحي المرتبط بالحمل والولادة، ما يؤدي إلى زيادة مخاطر مضاعفات الحمل والوفيات المرتبطة بالولادة سواء للنساء أو الأطفال حديثي الولادة.

آثار نفسية خطيرة

وتعاني النساء من آثار نفسية خطيرة نتيجة التعرض للعنف الجسدي، والاضطرار للنزوح، ونقص الخدمات الأساسية كالغذاء والمياه، والحياة في بيئات غير آمنة كالمخيمات ومراكز الإيواء، وقد يظهر ذلك في شكل الإصابة باضطرابات القلق، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة وغيرها.

وعادة ما يحاصر النساء اللاتي يتعرضن للعنف أو الاعتداءات الجنسية الوصم الاجتماعي والشعور بالعار، ما يدفعهن إلى العزلة والانطواء ما لم يحصلن على فرصة في الدعم النفسي اللازم، لكن غالبا ما تكون خدمات الصحة العقلية والدعم الاجتماعي في مناطق النزاع محدودة جدًا أو غير متوفرة على الإطلاق، ما يزيد من معدلات الانتحار وسوء الحالة النفسية للنساء المعنفات.

تدهور الصحة الإنجابية

وتتعرض خدمات الصحة الإنجابية للانهيار أثناء النزاع، ما يؤثر على توفر وسائل منع الحمل، والرعاية السابقة واللاحقة للولادة، ما يساهم في زيادة حالات الحمل غير المرغوب فيه، وارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال حديثي الولادة.

ويضاف إلى ذلك تأثير انعدام الأمان وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الدول التي تشهد النزاعات والحروب، حيث تُجبر الفتيات على الزواج المبكر، مما يعرضهن لمخاطر صحية خطيرة تتعلق بالحمل والولادة في سن مبكرة.

ويزيد إهمال الرعاية الصحية أثناء الحمل من احتمالية وفاة الأم بسبب مضاعفات يمكن تفاديها، مثل النزيف الحاد، وتسمم الحمل، والعدوى، كما يؤدي نقص الرعاية الطبية للنساء الحوامل إلى الإجهاض التلقائي، أو موت الجنين داخل الرحم، إذ يحد الكشف المبكر من التشوهات الجنينية أو المشكلات في نمو الجنين.

والنساء اللاتي لا يتلقين رعاية طبية كافية أثناء الحمل يكنّ أكثر عرضة لمضاعفات خطيرة أثناء الولادة، مثل الولادة المبكرة والتي تعرض حياة الطفل للخطر بسبب عدم اكتمال نمو الأعضاء، إلى جانب احتمالية الإصابة بنزيف ما بعد الولادة والذي يعد السبب الرئيسي لوفيات الأمهات.

ويتلازم إهمال الرعاية الصحية مع غياب التوجيه الغذائي المناسب للنساء الحوامل، ما يزيد من مخاطر سوء التغذية وفقر الدم (الأنيميا)، جراء نقص توفير بعض العناصر الغذائية الأساسية، مثل الحديد وحمض الفوليك، لنمو صحي للجنين ولمنع مضاعفات مثل الولادة المبكرة.

ويؤدي إهمال الرعاية الصحية الإنجابية إلى الإصابة بتسمم الحمل، وهو حالة خطيرة تتسم بارتفاع ضغط الدم، وإذا لم يتم الكشف عن تسمم الحمل مبكرًا من خلال الفحوصات الدورية، فيمكن أن يؤدي إلى تشنجات، وضرر للأعضاء الحيوية، أو حتى وفاة الأم والجنين.

ويؤدي عدم الحصول على الرعاية الطبية إلى تعرض المرأة الحامل للإصابة بعدوى يمكن أن تنتقل إلى الجنين، مثل العدوى البولية أو العدوى البكتيرية المهبلية، وقد تؤدي هذه العدوى إلى مشكلات خطيرة مثل الولادة المبكرة أو الإصابة بأمراض خلقية للجنين.

وبحسب الأطباء والمتخصصين، فإن النساء اللاتي لا يتلقين رعاية طبية كافية أثناء الحمل قد يعانين من مستويات عالية من التوتر والقلق بسبب الخوف من حدوث مضاعفات، وهذا التوتر يمكن أن يؤثر سلبًا على صحة الأم والجنين ويزيد من مخاطر الولادة المبكرة.

ويعني عدم تلقي الرعاية الصحية المناسبة أن الأم قد لا تحصل على خطة ولادة ملائمة، ما يزيد من احتمالية الولادة غير المخططة أو الحاجة إلى عملية قيصرية طارئة، لا سيما أن وجود خطة ولادة يساعد في التحضير للمضاعفات المحتملة وضمان سلامة الأم والطفل.

احتياجات ضرورية

وتحتاج النساء في مناطق النزاعات إلى تدخلات ومساعدات سريعة، إذ يجب التركيز على التوعية بحقوق النساء وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي الشامل لضحايا العنف الجنسي، إلى جانب ضرورة توفير خدمات الصحة الإنجابية، بما في ذلك خدمات الولادة الآمنة والرعاية الطارئة لضحايا العنف الجنسي.

ويجب تعزيز القوانين والسياسات التي تحمي النساء من العنف وتوفر لهن الرعاية الصحية اللازمة، وضمان محاسبة المتورطين في الانتهاكات النفسية والجسدية والجنسية ضد النساء في مناطق النزاعات.

وتحتاج النساء المتضررات في مناطق النزاعات والحروب إلى إطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي، مع التركيز على تقديم العناية النفسية المتخصصة لضحايا العنف والناجيات من النزاع، إلى جانب تنظيم حملات توعية لمكافحة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعنف الجنسي ودعم حقوق النساء في الحصول على الرعاية الصحية.

ووفق تقارير دولية حقوقية، تعرضت النساء في سوريا واليمن والسودان إلى معدلات مرتفعة من العنف الجنسي، إضافة إلى تدهور شديد في خدمات الصحة الإنجابية بسبب انهيار النظام الصحي في هذه البلاد التي شهدت استمرار النزاعات المسلحة لسنوات طويلة.

وتعاني النساء في قطاع غزة من أوضاع إنسانية صعبة نتيجة الحروب المتكررة والنزاعات المستمرة، حيث تترك الحرب آثارًا جسيمة على حياتهن وصحتهن الجسدية والنفسية والاجتماعية، لا سيما مع تزايد مخاطر العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي خلال النزاعات، وافتقار النساء اللاتي يتعرضن للعنف إلى الحماية القانونية والدعم الاجتماعي.

وتزايدت حالات الصدمة النفسية بين النساء في أوكرانيا نتيجة الحرب المستمرة مع روسيا منذ فبراير 2022، حيث تم الإبلاغ عن نقص حاد في خدمات الصحة الإنجابية الأساسية التي تقدم للنساء في أوكرانيا، إلى جانب تأثير فقدان مصادر الدخل والتشريد القسري والحياة في مخيمات مؤقتة والتي تؤدي لمشكلات صحية ونفسية متعددة. 

وفي دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (تضم 48 دولة) أدت النزاعات وسيطرة الجماعات المسلحة إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات نتيجة نقص الرعاية الصحية، بالإضافة إلى تزايد معدلات الاغتصاب والاختطاف والعنف الجنسي كجزء من الاستراتيجيات الحربية في هذه الدول.

معاناة مُركبة

وقالت القيادية المغربية ورئيسة منتدى المرأة العربية سابقا، الدكتورة مليكة شكير، إن أوضاع النساء في مناطق النزاعات والحروب تعتبر من أكثر القضايا الإنسانية تعقيدًا وصعوبة، حيث يتأثرن بشكل خاص بسبب هشاشة أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية، ويتعرضن لانتهاكات جسيمة تشمل العنف الجسدي والجنسي، بالإضافة إلى الحرمان من حقوقهن الأساسية.

وأوضحت شكير في تصريح لـ"جسور بوست"، أن النساء والفتيات هن الأكثر عرضة للعنف الجنسي في مناطق النزاع، لأن هذا النوع من العنف يستخدم أحيانًا كوسيلة حرب لزعزعة المجتمعات وتفكيكها، إلى جانب تعرض العديد من الفتيات للزواج المبكر أو القسري، ما يزيد من تعرضهن للعنف والاستغلال.

وأضافت: "تؤدي النزاعات المسلحة أيضا إلى تهجير ملايين النساء من منازلهن، ما يجعلهن عرضة للعيش في مخيمات اللاجئين أو مراكز الإيواء حيث انعدام الحد الأدنى من الظروف الآدمية، ما يضاعف معدلات مخاطر التعرض للعنف والاستغلال، حيث تواجه النساء نقصًا في الخدمات الصحية والمساعدات الأساسية، بما في ذلك الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية.

وأشارت الخبيرة المغربية إلى تدهور خدمات الرعاية الصحية بشكل كبير، ما يؤدي إلى زيادة معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال بسبب نقص الرعاية الصحية اللازمة، إذ تُحرم النساء من خدمات الصحة الإنجابية، ويواجهن صعوبات في الحصول على وسائل تنظيم الأسرة والرعاية خلال فترة الحمل.

أوضاع مأساوية

وقالت الدكتورة رائدة الذبحاني، أستاذة القانون الدولي وسفيرة السلام والإنسانية باليمن، إن أوضاع النساء في مناطق النزاع في غاية السوء، جراء نقص الغذاء والمياه والأدوية وفقدان عائل الأسرة في بعض الأحيان، إضافة إلى مسؤوليتها الكاملة عن الأطفال في هذه الأوضاع غير الآدمية.

وأوضحت الذبحاني في تصريح لـ"جسور بوست"، أن نسبة النساء اللاتي يتعرض للانتهاكات الجسدية والجنسية في مناطق النزاعات تعد مرتفعة جدا بسبب حالة الفوضى وانعدام تطبيق القانون الناجمة عن الحروب والصراعات، إلى جانب تعرضها إلى انتهاكات اقتصادية واجتماعية عديدة.

وأضافت: "مفهوم الصحة الإنجابية للنساء غير مطروح في مناطق النزاع، فالمرأة الحامل لا تجد مراكز طبية للمتابعة الصحية أو غذاءً مناسبا أو رعاية أثناء وبعد الولادة، ولذلك ترتفع معدلات الوفاة للأم أو الطفل أو الاثنين معا، وجميع هذه الظروف لا تتحسن بالإعانات المالية أو الغذائية التي تقدمها المنظمات الدولية لمدة 3 أو 6 أشهر على الأكثر".

ومضت الذبحاني، قائلة: "هناك مأساة تتعرض لها النساء في مناطق النزاع، لا سيما مع الارتفاع الرهيب في أسعار السلع الغذائية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار أمام العملات المحلية، ولذلك يصعب عن المرأة في هذه الأوضاع إعالة أسرتها وأطفالها، ما يعرضها إلى تدهور حالتها الصحية والنفسية".

وركزت الخبيرة اليمنية على تدهور الحالة النفسية للنساء في مناطق النزاعات، حيث يضطر بعض النساء إلى تزويج بناتهن الصغار لتوفير أغراض المعيشة، قائلة: "هناك حالات تم زواج فتيات في عمر الـ12 عاما لرجال في عمر الخمسين عاما مقابل منح الأهالي بضعة نقود، ولذلك فإن هذه الأوضاع المعيبة تشجع على ظاهرة زواج القاصرات".

وتابعت: "تتعرض النساء في مناطق التوترات المسلحة لجميع أشكال العنف الجسدي والاقتصادي والاجتماعي، ما يعرضها إلى إعاقات نفسية مدمرة ربما تكون أشد وطأة من الإعاقات الجسدية، لأن تلك الأمراض النفسية قد تقود بها إلى الانتحار أحيانا".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية