"نيويورك تايمز": إقالة خبراء لجنة التطعيمات يُثير القلق من تسييس المؤسسات العلمية

"نيويورك تايمز": إقالة خبراء لجنة التطعيمات يُثير القلق من تسييس المؤسسات العلمية
وزير الصحّة الأمريكي روبرت كينيدي جونيور

أثارت إقالة وزير الصحة الأمريكي، روبرت إف. كينيدي الابن، جميع أعضاء اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين، موجة من القلق في الأوساط العلمية والطبية، وسط تحذيرات من أن القرار يعكس توجّهًا لتسييس المؤسسات العلمية في الولايات المتحدة، ويهدد بإضعاف ثقة الجمهور بسياسات الصحة العامة، خصوصًا المتعلقة بالتطعيمات.

ووفقا لتقرير نشرته "نيويورك تايمز"، الثلاثاء، بينما يرى الوزير أن الإقالة ضرورية لاستعادة الحياد والاستقلال العلمي، يصفها خبراء في الصحة العامة بـ"الخطوة الكارثية"، ويتهمونه بتقويض جهود التلقيح في الداخل والخارج، وتغليب الاعتبارات الإيديولوجية على القرارات المبنية على الأدلة.

وترى الصحيفة الأمريكية أن القرار، الذي أعلن عنه يوم الاثنين، لا يُقرأ بمعزل عن سلسلة إجراءات اتخذها كينيدي منذ تسلمه المنصب، والتي شملت خفض التمويل، وتعديل السياسات الخاصة بلقاحات الأطفال والحوامل، ما يعكس تغيّرًا جذريًا في توجهات الإدارة الصحية، ويزيد من المخاوف حول مستقبل برامج التطعيم الوطني والدولي.

وأقال وزير الصحة الأمريكي جميع أعضاء اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، وعددهم سبعة عشر عضوًا.

وأشار الوزير كينيدي، في مقال رأي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن قرابة ثلثي الأعضاء جرى تعيينهم خلال السنة الأخيرة من إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وأكد أن اللجنة الجديدة التي سيجري تعيينها ستضمن استقلالًا علميًا أكبر، وتبتعد عن التأثيرات المزعومة لشركات الأدوية.

وأعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية أن اجتماع اللجنة المقرر عقده في الفترة بين 25 و27 يونيو سيٌجرى كما هو مخطط له، رغم إقالة الأعضاء، ولم تكشف الوزارة حتى الآن عن الأسماء الجديدة التي ستُعيَّن مكانهم.

مستقبل اللقاحات

يملك أعضاء اللجنة الاستشارية دورًا محوريًا في سياسة اللقاحات الوطنية، إذ يُراجعون الأدلة العلمية، ويُحددون الفئات التي يُوصى بتطعيمها، كما تُبنى على قراراتهم تغطيات التأمين الصحي الحكومية والخاصة.

وأثارت هذه الإقالة مخاوف واسعة من احتمال تغيير جذري -وربما إلغاء- بعض توصيات التطعيم، لا سيما المتعلقة بلقاحات الأطفال.

ونقض الوزير كينيدي وعدًا سابقًا قطعه خلال جلسة الاستماع لتأكيد تعيينه أمام مجلس الشيوخ، حين أكد للسيناتور الجمهوري بيل كاسيدي أنه لا ينوي تغيير تركيبة اللجنة.

وكتب السيناتور كاسيدي عبر منصة X (تويتر سابقًا): "الخوف الآن أن يُملأ مقعد اللجنة بأشخاص لا يملكون سوى الشك تجاه اللقاحات".

من جانبه، وصف رئيس لجنة الأمراض المعدية بالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، الدكتور شون أوليري، القرار بأنه "كارثة صحية عامة لا هوادة فيها".

قال الدكتور أوليري إن الخطوة ستُعمّق أزمة الثقة الحالية، بدلًا من معالجتها، مؤكدًا استمرار الأكاديمية في تقديم التوصيات العلمية بشأن جداول اللقاحات.

وأعرب المدير السابق بالوكالة لمراكز السيطرة على الأمراض، الدكتور ريتشارد بيسر، عن صدمته، رغم عدم مفاجأته، إزاء القرار.

قال الدكتور بيسر: "لم يُخفِ الوزير كينيدي أبدًا أجندته المناهضة للقاحات، وقد عمل أكثر من أي شخص آخر على تقويض الثقة العامة بها"، وحذّر من أن إعادة تشكيل اللجنة بأفراد يتفقون مع توجهات الوزير ستُعقّد مهام الأطباء والصيادلة والممرضين في تقديم المشورة للمرضى.

واتهم الوزير كينيدي اللجنة بوجود "تضارب مصالح مزمن"، مدعيًا أن العديد من أعضائها تلقوا تمويلًا من شركات الأدوية، وأن 97% من نماذج الإفصاح المالي تحوي إغفالات.

لكن هذا الرقم، كما أشار متخصصون، يعود إلى تقرير قديم صدر عام 2009، وتعلّق بأخطاء إدارية في ملء الاستمارات، لا بتضارب مصالح مالي فعلي.

وأكد مستشار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، الدكتور بول أوفيت،  أن الوزير كينيدي يروّج لنظريات مؤامرة بشأن صناعة الأدوية منذ عقدين، وأضاف: "هذه الخطوة استمرار لهوسه بفكرة أن شركات الأدوية تتحكم في الصحة العامة".

من جهتها، وصفت رئيسة جمعية الأمراض المعدية الأمريكية، الدكتورة تينا تان،  القرار بأنه "متهور وضار ويقوّض ثقة الجمهور في نظام التطعيم".

قرارات سابقة

قيدت وزارة الصحة في عهد كينيدي توصيات لقاحات كوفيد-19 لتشمل فقط البالغين فوق سن 65 عامًا وأصحاب الأمراض المزمنة.

كما أُعلنت تغييرات مفاجئة في سياسة اللقاحات للنساء الحوامل والأطفال الأصحاء، ما تسبب في ارتباك داخل الصيدليات والتأمينات.

وأُلغيت توصية مراكز السيطرة على الأمراض بتطعيم الحوامل، ما أدى إلى رفض بعض الصيدليات منحهن اللقاح، بانتظار توضيحات في اجتماع اللجنة المرتقب.

وخفض الوزير كينيدي مليارات الدولارات المخصصة لمؤسسات الصحة العامة، وأوقف تمويل أبحاث التردد في أخذ اللقاحات، وعلّق برامج تطوير لقاحات للأوبئة المستقبلية.

أوقفت الوزارة أيضًا العمل على لقاح فيروس نقص المناعة البشرية، وكذلك عقدًا لتصنيع لقاح إنفلونزا الطيور.

وتُظهر الميزانية الجديدة للإدارة الأمريكية توجهًا لإلغاء تمويل برامج تطعيم عالمية، بما فيها برامج تحصين ضد شلل الأطفال، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة في الداخل والخارج.

سياسيون يحذرون من العواقب

قال السيناتور الديمقراطي زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إن قرار الوزير يُحطم الثقة بدلًا من بنائها، مضيفًا: "ما حدث يُرسل رسالة خطيرة: أن الأيديولوجيا باتت تسبق الأدلة، وأن السياسة تتفوق على الصحة العامة".

يمتلك الوزير كينيدي، بحكم منصبه، صلاحية تعيين أو إنهاء عضوية أعضاء اللجنة، وبإقالته الحالية، لم تعد الإدارة الحالية بحاجة إلى الانتظار حتى عام 2028 لتشكيل غالبية جديدة داخل اللجنة.

يخدم أعضاء اللجنة عادةً لفترات متداخلة تمتد أربع سنوات، وتضم اللجنة عادةً خبراء في طب الأطفال، والوبائيات، والأمراض المعدية، وسياسات اللقاحات.
 




ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية