"فاينننشال تايمز": الضغوط تدفع بعض شركات النبيذ الأوروبية لتجاهل الانتهاكات ضد العمال
"فاينننشال تايمز": الضغوط تدفع بعض شركات النبيذ الأوروبية لتجاهل الانتهاكات ضد العمال
سلّطت ورشة عمل نُظمت حديثًا في العاصمة البريطانية لندن، الضوء على الجانب المُهمَل من استدامة صناعة النبيذ، والمتمثل في ظروف عمل العاملين في مزارع الكروم.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فاينننشال تايمز"، اليوم الأحد، نظّمت جمعية النبيذ، وهي منظمة شراء تعاونية، هذه الورشة تحت عنوان: "كسر المحظورات - رفع معايير العمل في صناعة النبيذ"، غير أن عدد الحضور لم يتجاوز 12 شخصًا، جميعهم من موظفي الجمعية أو المتحدثين، رغم توجيه الدعوة إلى 70 وسيلة إعلامية متخصصة.
افتتح خبير الاستدامة في الجمعية، دوم دي فيل، الجلسة، مؤكداً أن الطابع الموسمي للعمل في مزارع الكروم، وطبيعة الأجور المنخفضة، يسهمان في جذب اليد العاملة المهاجرة، التي تُعد أكثر عرضةً للاستغلال، وأشار إلى أن ضعف الرقابة، وتدني الأجور، وظروف العمل الخطرة، تشكّل واقعًا لا يُناقَش بما يكفي.
وأوضح مدير شركة "فاين ووركس"، جيمس دودسون، وهي أكبر شركة لإدارة مزارع الكروم في إنجلترا، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فاقم أزمة العمالة الزراعية، وقال إن شركته اعتمدت قبل عام 2016 على فرق رومانية ماهرة، لكن القوانين الجديدة تُجبره على استقدام عمال موسميين عن طريق وكالات محددة لا تمتلك خبرة كافية في العمل الكرمي، مع غياب ضمانات تكرار إرسال نفس الأفراد طول فترة الموسم.
ولجأ دودسون إلى الميكنة، باعتبارها حلاً عمليًا لأزمة اليد العاملة. لكن قواعد إنتاج النبيذ الفوار الإنجليزي، الذي يمثل ما يزيد على ثلثي إنتاج البلاد من النبيذ، تفرض قطف العنب يدويًا، ما يُعقّد هذا التوجه.
الاستدامة الاجتماعية
حيّا مستشارو الاستدامة مثل آنا توريل خطوة جمعية النبيذ في طرح موضوع معايير العمل، ووصفتها بأنها "شجاعة"، وهو ما دفع دي فيل للتساؤل: "كيف وصلنا إلى وضع تصبح فيه مناقشة حقوق العمال خطوة تحتاج إلى شجاعة؟".
وشارك في الجلسة رئيس المجلس المشرف على النبيذ في بوردو (CIVB)، آلان سيشيل، وأكد أن المزارعين، وخصوصًا صغارهم، يواجهون صعوبات كبيرة في التعامل مع متطلبات الاستدامة الكثيرة التي تفرضها الأسواق، ودعا إلى توحيد المعايير، بدلًا عن تكرارها بصيغ مختلفة من قبل كل مشترٍ على حدة.
وأشار سيشيل إلى أن الاعتماد على شركات إدارة مزارع الكروم لا يُعفي المزارعين من مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية، وأوضح أن المزارعين باتوا مُلزمين قانونًا بضمان أن العاملين لديهم يتلقون أجورًا عادلة، ويقيمون في سكن لائق، ويحصلون على الرعاية الصحية، لا أن يُترَكوا في خيام بالغابات.
وأطلق محافظ منطقة آكيتين، التي تسجل أعلى معدل لحوادث العمل في فرنسا، ميثاقًا للعمل عام 2022 بمشاركة 67 جهة، من بينها شركات ومزارعون، للارتقاء بمعايير السلامة والعدالة في ظروف العمل الزراعي.
وحدات سكنية للعمال
تطبّق نيوزيلندا إجراءات مشابهة، تُلزم أصحاب مزارع الكروم بتوفير وحدات سكنية للعمال، وغالبًا ما يكونون من سكان جزر المحيط الهادئ، وذلك بهدف تحسين ظروف معيشتهم وضمان الحد الأدنى من الحقوق الأساسية.
ولفت الرئيس التنفيذي لشركة النبيذ الإسبانية Entrecanales Domecq e Hijos، جونزالو إنتريكاناليس، إلى أن الإنتاج يتم في الغالب داخل دول متقدمة، ما يوفر فرصة لمراقبة الامتثال للمعايير، إلا أن السوق مجزأ للغاية، وصغار المزارعين غالبًا ما يفتقرون إلى أدوات فهم أو تنفيذ معايير الاستدامة الاجتماعية.
شدد إنتريكاناليس على أن المستهلك يلعب دورًا حاسمًا، فشراء النبيذ الأرخص يعني غالبًا أن أحدهم -وغالبًا العامل الزراعي- يدفع الثمن من صحته وكرامته.
ودعا ممثل شركة "هاتش مانسفيلد" البريطانية، دانيال هارت، إلى تحديد "سعر عادل" لزجاجة النبيذ يضمن حماية حقوق العمال، كما هي الحال مع اتفاقية أوزان الزجاجات التي تم تبنيها على نطاق واسع.
وأوضح أن العنب لا يُمثل سوى أقل من 10% من سعر الزجاجة في المملكة المتحدة، حيث يبلغ متوسط السعر 6.63 جنيه إسترليني، منها 64 بنسًا فقط تُصرف فعليًا على النبيذ، وهو ما لا يكفي لحماية حقوق العاملين.
شهادات صادمة
روَت خبيرة النبيذ البريطانية جو أهيرن تجارب مهنية صادمة في بعض مزارع الكروم، حيث لم يُسمح لها بالتحدث إلى العمال رغم تحدثها لغتهم، لأن كل مجموعة عمال كانت خاضعة لرئيس مباشر يتحكم بتواصلهم.
وأكدت أهيرن أن الوثائق التعاقدية التي تُلزم الموردين بشروط العمل الأخلاقية أثبتت فاعليتها، وأشادت بتجربة الدول الاسكندنافية، التي تقاطع الموردين في حال سوء المعاملة، ضمن برامج رقابية تديرها منظمات مثل "أقوى معًا" المختصة بحقوق الإنسان في سلاسل الإمداد.
وأضافت لاحقًا عبر البريد الإلكتروني: "شراء زجاجة نبيذ بسعر مرتفع لا يُعفي المستهلك من مسؤوليته إذا كان ذلك لا يصاحبه تدقيق فعلي في الممارسات".
أطلقت المستشارة لورا فالك، التي تعاونت مع جمعية النبيذ لأكثر من عامين، سلسلة جلسات تدريبية عبر الإنترنت، متاحة بخمس لغات، تستهدف 160 من موردي الجمعية، لتثقيفهم بشأن كيفية معالجة قضايا العمل وتطوير معايير التشغيل، وتسعى الجمعية لمشاركة هذه المعرفة مع الجهات الفاعلة الأخرى في تجارة النبيذ، إذا ما أبدت استعدادها للانخراط الجاد.
ويستمر العمل في مزارع الكروم على مدار السنة، لا سيما بعد موسم الحصاد. يبدأ تقليم السيقان الجافة في الشتاء عندما تكون الكروم خاملة، ومع تزايد مخاطر الصقيع الربيعي، يُؤجَّل التقليم أحيانًا لتقليل الخسائر.
وتتطلب عمليات مثل تقليم البراعم، وترتيب العناقيد، ورش المبيدات، مهارات عالية، أما الحصاد، وهو المرحلة الأهم، فيتم غالبًا تحت أشعة الشمس الحارقة أو ليلًا، للحفاظ على جودة العنب، يترافق ذلك مع إصلاح البنية التحتية للكروم وتغطيتها بشبكات لحمايتها من الطيور، ما يُحول موسم النبيذ إلى عام كامل من الجهد البدني المتواصل.
وتكشف صناعة النبيذ، التي تُعَد إحدى رموز الرفاهية لدى كثيرين، عن جانب معتم يتمثل في معاناة العاملين في مزارع الكروم، بين تدنّي الأجور، وسوء ظروف العمل، وانعدام الحماية القانونية.
وتؤكد الأصوات التي شاركت في ورشة العمل، أن الاستدامة الحقيقية لا تكتمل دون إنصاف هؤلاء العمال، الذين غالبًا ما يُنسَون في خضم الحديث عن جودة التربة والعنب والطعم.