موجة قيظ خانقة تضرب ألمانيا وتكشف هشاشة أوروبا أمام تغيّر المناخ
موجة قيظ خانقة تضرب ألمانيا وتكشف هشاشة أوروبا أمام تغيّر المناخ
اجتاحت موجة حر شديدة شمال أوروبا هذا الأسبوع، بلغت ذروتها اليوم الأربعاء في ألمانيا، محدثة اضطرابات في المواصلات، وضغوطًا على الأنظمة الصحية، وسط تحذيرات من تداعيات مناخية أشد في السنوات المقبلة، وفق وكالة "فرانس برس".
سجّلت ألمانيا، أكثر الدول الأوروبية سكانًا، درجات حرارة تراوحت بين 34 و38 درجة مئوية، وقد لامست 40 درجة في مدن مثل مانهايم جنوب غرب البلاد، وفق بيانات خدمة الأرصاد الجوية الألمانية.
وعلى غرار بلجيكا وهولندا، ضربت موجة القيظ ألمانيا ابتداءً من يوم الثلاثاء، وإن كانت بمعدلات أقل من جنوب القارة الأوروبية التي عانت طيلة أيام من حرارة خانقة.
اختناق في البنية التحتية
تسبّب الحر الشديد في ذوبان الزفت في بعض الطرق الحيوية، ما أدى إلى اضطرابات مرورية، في وقت أعلنت شركة السكك الحديد الوطنية (دويتشه بان) عن تأخر في مواعيد القطارات وقيود على بعض الخطوط، لا سيما في غرب البلاد.
ويقول كلاوس هيرش، أستاذ في فرانكفورت: "أتصبب عرقًا خلال العمل. لن أمارس الرياضة وسأكتفي بشرب الكثير من الماء."
ونظّم نشطاء المناخ من حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" مظاهرات ليلية لتفادي ساعات القيظ، محتجّين على خطط الحكومة الألمانية للاستثمار في الغاز، الذي يعتبرونه مسببًا مباشرًا لتغيّر المناخ وازدياد موجات الحر.
وحذّرت هيئة الأرصاد من زوابع رعدية محتملة مصحوبة برياح قد تصل سرعتها إلى 120 كيلومتراً في الساعة شمال غرب البلاد، في مناطق تمتد من كولونيا إلى هامبورغ.
أوروبا تحت الخطر
ألمانيا لم تكن وحدها تحت الضغط، إذ سجلت بلجيكا 35 درجة مئوية وأغلقت معلم الأتوميوم في بروكسل المصنوع من الفولاذ، بينما لجأ المدرسون في منطقة والونيا إلى ألعاب مائية ومراوح لتبريد الصفوف، حيث لم ينتهِ العام الدراسي بعد.
وفي هولندا، سُجلت أولى "الليالي المدارية" هذا العام، مع بقاء درجات الحرارة فوق 20 درجة ليلاً، وهي ظاهرة نادرة في شمال القارة.
وتأثرت الحيوانات كذلك، إذ أوضح أحد الرعاة المحليين أن الخراف باتت ترعى باكرًا عند الفجر لتفادي الحر، كما لم يُجزّ صوفها حفاظًا على توازن حرارة أجسامها.
عدم مساواة في مواجهة الحر
وفي جنوب القارة، حيث أنهك القيظ المدن الكبرى منذ يونيو، كشفت الحرارة المرتفعة عن فجوة اجتماعية صارخة، إذ قالت جوليا مونوز (60 عامًا) من مدريد: "نستفيق الساعة الثالثة فجرًا، ولا نستطيع تشغيل المكيّفات، حتى في الطبقة المتوسطة".
وفي فرنسا، حيث أعلنت السلطات انتهاء موجة القيظ، تم تسجيل أكثر من 300 حالة طوارئ مرتبطة بالحر، ووفاتين على الأقل، حسب ما ذكرت وزيرة التحول البيئي أنييس بانييه-روناشيه.
وفي إيطاليا، أكدت نقابة الأطباء أن الزيارات لقسم الطوارئ ارتفعت بنسبة 10% في مدن مثل ميلانو ونابولي وفلورنسا، بسبب ضربات الشمس ومضاعفات الحرارة.
تهديد يتكرّر ويتضخّم
تعيد هذه الموجة القاسية إلى الأذهان كوارث حر 2003 و2022، اللتين أسفرتا عن وفاة 70 ألف و61 ألف شخص على التوالي، معظمهم من كبار السن.
وتقول خبراء المناخ إن موجات الحر ليست جديدة، لكنها باتت أكثر حدة، وتأتي مبكرًا أو متأخرة عن المعتاد، نتيجة الإفراط في استهلاك الوقود الأحفوري كالفحم والنفط والغاز.
تؤكد الموجة الحالية أن التغير المناخي ليس تهديدًا مستقبليًا، بل واقعًا يوميًا يهدد صحة البشر وبنية المجتمعات الأوروبية، ومع ازدياد تواتر الظواهر المناخية المتطرفة، تتصاعد الضغوط على الحكومات الأوروبية لتسريع الانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة وتطوير خطط حضرية قادرة على حماية السكان من الحر والجفاف والعواصف.