"الجنائية الدولية" تجدد مطالبتها للسلطات الليبية بتسليم أسامة نجيم
"الجنائية الدولية" تجدد مطالبتها للسلطات الليبية بتسليم أسامة نجيم
جددت المحكمة الجنائية الدولية مطالبتها السلطات الليبية باعتقال وتسليم أسامة نجيم، الآمر السابق لجهاز الشرطة القضائية في طرابلس، والمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في خطوة تعكس تصاعد الضغوط الدولية على حكومة عبد الحميد الدبيبة وتثير تساؤلات جدية حول قدرة الدولة الليبية على تنفيذ الالتزامات القضائية الدولية في ظل تصدع التحالفات وسيطرة الجماعات المسلحة على مفاصل الأمن في العاصمة.
وأصدرت المحكمة مذكرة توقيف بحق نجيم في 18 يناير الماضي، تتضمن اتهامات بارتكاب جرائم قتل واغتصاب واضطهاد داخل سجن معيتيقة، الذي تديره "قوة الردع الخاصة"، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام ليبية، اليوم الأربعاء.
وتُعد هذه القوة من أبرز التشكيلات المسلحة في طرابلس، وتسيطر على مواقع استراتيجية، من بينها مطار معيتيقة، ما يزيد من تعقيد مهمة القبض على نجيم، الذي يُعتقد أنه يحتمي بعناصر القوة في مواجهة محاولات القبض عليه من جانب قوات موالية للدبيبة.
مخاوف من التصعيد
أقر طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، بأن حكومة الدبيبة لا تملك فعلياً القدرة على اعتقال نجيم، مرجعاً ذلك إلى أن "الميليشيات المسلحة هي التي تسيطر فعلياً على العاصمة، وتحالفها مع الدبيبة أصبح من الماضي".
من جانبه، يرى النائب علي التكبالي أن التحركات الأمنية الحالية ضد نجيم لا تخرج عن كونها محاولة انتقام سياسي من رجل أصبح "خصماً للحكومة بعد أن كان شريكاً".
وأشار التكبالي إلى أن الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، وتحديداً الغموض المحيط بمقتل عبد الغني الككلي (غنيوة)، تدفع شخصيات نافذة مثل نجيم إلى الحذر والتحصن بمجموعاتها المسلحة.
تدخلات أممية وتضارب قضائي
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا كانت قد دعت بوضوح إلى توقيف نجيم وتسليمه، واعتبرت إقالته من منصبه خطوة إيجابية على طريق إنهاء الإفلات من العقاب، بحسب ما أكده المدعي العام كريم خان.
إلا أن جهود المحكمة الجنائية تصطدم بحاجز التضارب بين القضاء الوطني والدولي، إذ أكد عبد المنعم الحر، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، أن النيابة العامة الليبية بدأت بالفعل إجراءات التحقيق مع نجيم، ما قد يُستخدم ذريعة قانونية لعدم تسليمه للخارج.
أعرب الحر عن قلقه من تكرار سيناريو الإفلات من العقاب، مستشهداً بظهور محمد بحرون (الفأر) رغم صدور أمر بسجنه، مشيراً إلى أن القضاء المحلي يفتقر أحياناً إلى الإرادة أو القدرة على تنفيذ الأحكام في ظل فوضى السلاح والانقسامات السياسية.
وتداولت وسائل إعلام محلية أن المحكمة الجنائية وجهت خطاباً رسمياً إلى حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي تدعو فيه إلى التعاون المباشر لتنفيذ مذكرة التوقيف بحق نجيم، في خطوة قد تشكّل اختباراً حقيقياً لموقف السلطات من الالتزامات الدولية.
قائمة ملاحقات موسعة
يعتقد حقوقيون أن تسليم نجيم –في حال حدوثه– سيشكل سابقة خطيرة بالنسبة لقادة الجماعات المسلحة في ليبيا، وقد يفتح الباب أمام ملاحقات قضائية دولية تطال شخصيات نافذة أخرى، خاصة بعد إعلان المدعي العام كريم خان عن نية المحكمة إصدار مذكرات اعتقال جديدة بحق مسؤولين متورطين في انتهاكات جسيمة.
وتشير التقديرات إلى أن قائمة المحكمة الجنائية قد تشمل ما يقارب 60 شخصية ليبية، يُشتبه في تورطهم في جرائم تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، وهو ما دفع بعضهم إلى تجنب السفر للخارج خشية توقيفهم.
وفي ظل هذا التصعيد، تترقب الأوساط السياسية في ليبيا كيف ستتعامل حكومة عبد الحميد الدبيبة مع هذا المطلب الدولي الحساس، لا سيما أن تدهور العلاقات مع قوة الردع قد يؤدي إلى تصعيد ميداني يهدد استقرار العاصمة الهش.
ويعكس الإلحاح الدولي المتواصل في قضية نجيم وجود تحولات جوهرية في الموقف الدولي من ملف الإفلات من العقاب في ليبيا، وربما بداية لمرحلة جديدة من فرض المحاسبة القضائية الدولية على أمراء الحرب والقادة العسكريين، وسط جهود لإعادة بناء المؤسسات الأمنية تحت إشراف دولي.