"نيويورك تايمز": سياسات التقشف تحرم فقراء تكساس من أنظمة الحماية

"نيويورك تايمز": سياسات التقشف تحرم فقراء تكساس من أنظمة الحماية
فيضانات تكساس

 

 

كشفت كارثة الفيضانات التي اجتاحت وسط ولاية تكساس عن هشاشة خطِرة في منظومة الإنذار المبكر والقدرة المؤسسية على حماية السكان، لا سيما في المناطق الأقل حظًا.

ربطت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشرته ،اليوم الأحد، بين الأضرار البشرية والمادية التي وقعت، وبين تقليص الموارد الحكومية وتفاقم النقص في الموظفين المختصين داخل مكاتب الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية.

أكد عدد من الخبراء أن هذه الفجوة المؤسسية لم تأتِ من فراغ، بل تعود إلى سياسات تقشفية ممنهجة حرمت المجتمعات الفقيرة من نظم الحماية الأساسية، ما جعلها عرضة للخطر حين ضربت الأمطار الغزيرة أجزاءً من وسط تكساس، صباح الجمعة.

غياب الموظفين المختصين

أظهرت التقارير أن مكاتب الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في سان أنجيلو وسان أنطونيو، وهما الجهتان المسؤولتان عن تغطية المناطق الأكثر تضررًا، كانت تعاني من شغور في مناصب أساسية تشمل خبير تنسيق التحذيرات، وكبير اختصاصيي المياه، ومتنبئًا جويًا، ومسؤولًا علميًا.

أوضح المدير التشريعي لمنظمة موظفي الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية، توماس فاهي، أن نقص الكوادر أثّر مباشرة في قدرة المكاتب على التعاون مع مسؤولي إدارة الطوارئ المحليين، وشدّد على أن هذه الأدوار تُعدّ محورية في التخطيط للفيضانات، وتحذير السكان ومساعدتهم على الإخلاء، وهي خدمات غابت في لحظة الحاجة القصوى.

وأشار فاهي إلى أن بعض هذه الشواغر تعود إلى ما قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلا أن معدل الشغور تضاعف تقريبًا منذ يناير، حين عاد ترامب إلى البيت الأبيض.

مجتمع بلا إنذار

أكد قاضي مقاطعة كير، روب كيلي، وهو أعلى مسؤول منتخب في المقاطعة، أن منطق التقشف هو من حال دون إنشاء نظام إنذار محلي للفيضانات، رغم تكرار الكوارث، وأوضح أن المقاطعة لا تمتلك مثل هذا النظام لأن تكلفته مرتفعة، ولأن السكان يرفضون تمويله من أموال الضرائب.

قال كيلي: "لن يتحمل دافعو الضرائب تكاليفها"، مضيفًا أنه لا يعلم إن كانت الكارثة الأخيرة ستُغير من موقفهم، وقد كانت مقاطعة كير، الواقعة شمال غرب سان أنطونيو، من أكثر المناطق تضررًا، حيث فُقد فيها عدد من الأرواح، ولا تزال 27 فتاة من مخيم صيفي مسيحي في عداد المفقودين.

أطلقت مكاتب الهيئة أولى تحذيراتها من الفيضانات المفاجئة بعد منتصف ليلة الخميس، وطلبت من السكان التوجّه فورًا إلى مناطق مرتفعة، واستمر إصدار التحذيرات طول الليل، ما يُشير إلى أن الجهاز الفني أدى دوره في الإبلاغ.

لكن لم تتضح حتى الآن الخطوات التي اتخذها المسؤولون المحليون استجابة لهذه التحذيرات، ولم يُصدر متحدث باسم إدارة الطوارئ في مقاطعة كير أي تعليق فوري، في ظل تساؤلات متزايدة حول فعالية الاستجابة وسبل الوقاية المستقبلية.

تغير المناخ يزيد صعوبة التنبؤ

أوضح مدير الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية السابق، الدكتور لويس أوتشيليني، أن التنبؤ بكميات هطول الأمطار الغزيرة يُعد من أكثر التحديات التقنية تعقيدًا، خاصة في ظل التغير المناخي الذي جعل مثل هذه الظواهر أكثر شدة وتكرارًا.

قال الدكتور أوتشيليني: "من الصعب جدًا التنبؤ بمعدلات هطول الأمطار بهذا الحجم"، مؤكدًا الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحسين أدوات التنبؤ، ولفت إلى أن التحدي لا يتوقف عند التوقع، بل يمتد إلى آلية التواصل مع مسؤولي الطوارئ المحليين، وهو ما يتطلب وجود شبكة تنسيق بشرية مدرّبة ومستمرة.

أشار إلى أن بناء هذه العلاقة بين الهيئة ومجتمع إدارة الطوارئ يتطلب حضورًا فعليًا، وموظفين يشرفون على التنسيق والتخطيط، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل النقص الكبير في الموارد البشرية.

فقدت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية نحو 600 موظف خلال السنوات الماضية نتيجة عمليات تسريح وتقاعد مبكر، خاصة في ظل سياسة تقشف شجعتها إدارة ترامب، وتُعد هذه النسبة كبيرة في هيئة لا يتجاوز عدد موظفيها 4000 موظف في الأصل.

أدى هذا النقص إلى إغلاق بعض مكاتب التنبؤات ليلاً، وتقليص عدد مرات إطلاق بالونات الطقس التي تُغذي نماذج التنبؤ بالبيانات الدقيقة، كما ذكرت الهيئة في تقارير سابقة أنها تُحضّر لمرحلة "العمليات المتدهورة" بسبب تراجع عدد خبراء الأرصاد الجوية القادرين على تعديل التوقعات في الوقت الفعلي.

رغم إعلان الهيئة في يونيو الماضي عن نيتها توظيف 126 شخصًا لتعويض النقص، لم تُنشر هذه الوظائف على بوابة التوظيف الفيدرالية حتى الأسبوع الجاري، ما يعكس فجوة بين النوايا والتطبيق، ووصفت المتحدثة باسم الهيئة، إريكا سي، الخطة بأنها "جهد لإعادة الاستقرار"، دون تقديم جدول زمني واضح للتنفيذ.

 غياب التنسيق الميداني

أكد المدير السابق لشؤون الكونغرس في الهيئة، جون سوكيتش، أن أحد أهم جوانب العمل الميداني في حالات الكوارث هو إرسال موظفين لعقد اجتماعات دورية مع مسؤولي الطوارئ في المقاطعات والبلديات.

قال سوكيتش إن هذه "العمليات المكتبية" تسمح بالتخطيط المسبق، وتضع سيناريوهات لما يجب فعله عند حدوث فيضان مفاجئ أو عاصفة كبيرة، لكن تقليص عدد الموظفين، إضافة إلى القيود المفروضة على التوظيف والسفر، قلّص من قدرة الهيئة على الحفاظ على هذا النوع من الشراكة.

وختم بالقول إن التخفيضات لا تُعد بالضرورة أمرًا خاطئًا في حد ذاتها، لكن يجب تنفيذها بحذر ووعي، لا على حساب حقوق الناس في الحماية والحياة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية