شجاعة الأمهات وذاكرة الألم.. الأمم المتحدة تحيي الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية في سريبرينتسا
شجاعة الأمهات وذاكرة الألم.. الأمم المتحدة تحيي الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية في سريبرينتسا
يستذكر العالم، اليوم الثلاثاء، واحدة من أكثر الفظائع الإنسانية وحشية في تاريخ أوروبا الحديث، خلال فعالية نظمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لإحياء الذكرى الثلاثين لمجزرة سريبرينتسا، والتي راح ضحيتها أكثر من 8,000 رجل وفتى من مسلمي البوسنة في يوليو 1995.
جاء ذلك خلال أول احتفال رسمي باليوم الدولي للتفكر في الإبادة الجماعية التي وقعت في سريبرينتسا، والذي أُقرّ بقرار من الجمعية العامة في مايو 2024 برعاية ألمانيا ورواندا وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
وألقى إيرل كورتيناي راتراي، رئيس ديوان مكتب الأمين العام، كلمة نيابة عن أنطونيو غوتيريش قال فيها إن العالم يتحد "تضامنًا وتأملًا" في هذه الذكرى المؤلمة، مشيدًا بقوة وشجاعة وكرامة الناجين وعائلاتهم، خاصة أمهات سريبرينتسا، اللواتي "أظهرن شجاعة استثنائية في سعيهن وراء الحقيقة والعدالة".
وقال غوتيريش في رسالته: "رغم أن العالم قال: لن يتكرر هذا أبدًا، إلا أن خطاب الكراهية يتصاعد مجددًا، ما يغذي التمييز والتطرف والعنف. ونشهد اليوم تمجيدًا لمجرمي الحرب من جديد".
ودعا الدول الأعضاء إلى التمسك بدروس سريبرينتسا، والوفاء بالتزاماتها القانونية والدولية، قائلاً: "فلنواجه الإنكار بالحقيقة، والإفلات من العقاب بالعدالة، تخليدًا لذكرى الضحايا، وتضامنًا مع الناجين، وباسم إنسانيتنا المشتركة".
صوت في وجه النسيان
بكلمات مؤثرة، وقفت منيرة سوباشيتش، رئيسة جمعية "أمهات سريبرينتسا"، أمام الحاضرين لتروي مأساة شخصية ومجتمعية فقدت فيها زوجها وابنها و20 فردًا من عائلتها، قالت: "لم تتوقف الأمهات، لم ينتظرن أن يُنصفهن أحد، بل نهضن، وصرخن في وجه العالم: أطفالنا أبرياء، لا بد من محاسبة القتلة".
وأضافت بصوت مشحون بالعاطفة: "أرسل رسالة إلى أمهات العالم: الأطفال يولدون بالحب، ويجب أن يُربّوا على الحب، عندما يُقتل طفل، يُقتل جزء من أمه، والعيش دون هذا الجزء لا يُحتمل، لن أسمح بذلك أن يحدث مرة أخرى".
وأكدت أن تعليم الأجيال الجديدة ضرورة لا خيار، لأن "من لا يتعلم من الماضي، لا يمكن أن يكون له مستقبل".
تشرذم يعزز الحاجة للذاكرة
أشار رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيليمون يانغ، في كلمة مسجلة، إلى أن الذكرى تحمل أهمية خاصة في عالم يزداد تشرذمًا بسبب الانقسام والكراهية، مؤكدًا أن "علينا مسؤولية جماعية لضمان عدم نسيان سريبرينتسا وغيرها من المآسي المشابهة".
وقال: "التعليم هو أقوى وسيلة لوقف تآكل الذاكرة، يجب أن نفهم ما حدث ولماذا حدث، كي نتمكن من بناء السلام والتسامح وكرامة الإنسان".
شهادة الألم لا تموت
كشفت براميلا باتن، القائمة بأعمال المستشارة الخاصة لمنع الإبادة الجماعية، عن أنه سيتم دفن رفات خمس من الضحايا في مركز سريبرينتسا التذكاري في بوتوكاري، في حين لا تزال رفات عدد كبير من الضحايا مفقودة أو غير معروفة الهوية، وهو ما يسبب ألمًا لا ينطفئ لعائلاتهم.
وأشارت باتن إلى أن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن إبادة جماعية قد ارتُكبت في سريبرينتسا، مشددة على ضرورة مواجهة إنكار هذه الحقائق، وعدم السماح بتمجيد المجرمين.
قالت: "الوقاية من الإبادة لا يمكن أن تكون فعالة في ظل الإنكار أو التغاضي عن الحقيقة".
وقعت مذبحة سريبرينتسا في يوليو 1995 خلال حرب البوسنة، حيث اجتاحت القوات الصربية المدينة الآمنة التي كانت تحت حماية الأمم المتحدة، وقامت بفصل الرجال والفتيان المسلمين عن النساء والأطفال ثم إعدامهم جماعيًا ودفنهم في مقابر جماعية. وقد عدّت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة هذه المجزرة جريمة إبادة جماعية، وأسفرت حرب البوسنة عن مقتل أكثر من 100 ألف شخص، وتشريد أكثر من مليوني آخرين.