بين أزمات المناخ وسوء الإدارة.. لماذا تتحول عواصف الغبار إلى كارثة متعددة الأبعاد؟

بين أزمات المناخ وسوء الإدارة.. لماذا تتحول عواصف الغبار إلى كارثة متعددة الأبعاد؟
العواصف الرملية والترابية

في كل عام تنطلق مليارات الأطنان من الرمال والغبار في السماء، عابرةً القارات والمحيطات لتغطي مدنًا ومزارع ومراكز اقتصادية، تبدو هذه العواصف الرملية والترابية للبعض مجرد ظاهرة طبيعية قديمة، لكنها في واقع الأمر أصبحت أزمة بيئية وصحية واقتصادية عالمية تتصاعد مع تغيّر المناخ وسوء إدارة الموارد، لتفرض تحديات معقدة على الحكومات والمجتمعات.

وأظهر المؤشر المشترك الذي طورته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من نصف سكان العالم -نحو 3.8 مليار شخص– تعرضوا خلال خمس سنوات لمستويات غبار تتجاوز الحد الآمن للصحة.

المفارقة أن هذا التهديد لا يقتصر على المناطق الصحراوية، بل يمتد عبر آلاف الكيلومترات ليؤثر على مناطق حضرية كبرى ومراكز صناعية وزراعية، في بعض المناطق الأكثر تضررًا، سُجل تعرض لما يعادل أكثر من 1,600 يوم خلال خمس سنوات، أي أكثر من 87% من الأيام.

الصحة أول ضحايا الغبار

تحمل هذه الجسيمات الدقيقة في العواصف الترابية أخطارًا مباشرة وغير مباشرة على صحة الإنسان، فهي تتسبب في زيادة أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والانسداد الرئوي، وتضاعف مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، بل وترتبط أيضًا بارتفاع معدلات الوفاة المبكرة.

الأكثر خطورة أن الأطفال وكبار السن والحوامل هم الفئات الأكثر عرضة، ما يعني أن الضرر الصحي لا يهدد الأفراد فقط بل يُقوض البنية السكانية طويلة الأمد للمجتمعات.

وغالبًا ما يُقاس الأثر الاقتصادي للعواصف الرملية والترابية بتعطيل النقل أو توقف المدارس، لكن التقرير الأممي يكشف أن التكلفة الحقيقية أوسع بكثير حيث تتضمن تعطيل خطوط التجارة البرية والجوية، وكذلك انخفاض إنتاجية الزراعة نتيجة ترسب الغبار على المحاصيل وإفقار التربة، بالإضافة إلى تراجع كفاءة محطات الطاقة الشمسية بسبب تراكم الغبار.

في الولايات المتحدة وحدها، بلغت الخسائر 154 مليار دولار عام 2017 فقط بسبب التعرية الغبارية والرياح، وهي خسائر أكبر بأربعة أضعاف من تقديرات منتصف التسعينيات، ما يعكس مسارًا تصاعديًا مقلقًا.

لماذا تزداد العواصف سوءًا؟

رغم أن العواصف الرملية ظاهرة طبيعية موجودة منذ آلاف السنين، فإن التقرير الأممي يُحذر من أن النشاط البشري زاد من حدة وتواتر هذه العواصف.

تدهور الأراضي الزراعية، وسوء إدارة المياه، وإزالة الغطاء النباتي، إلى جانب التغير المناخي وما يرافقه من موجات جفاف طويلة، كلها عوامل تجعل التربة أكثر عرضة للتعرية، وتحول الغبار من ظاهرة موسمية إلى تهديد دائم.

هذا التداخل بين الطبيعة والسياسات الخاطئة يجعل الحل معقدًا ويحتاج لتدخل متعدد المستويات.

استثمار في التنبؤ والإنذار

وفق ما جاء في التقرير تتجلى أهمية تطوير أنظمة الرصد والتنبؤ والإنذار المبكر بالعواصف الرملية والترابية. فمثل هذه الاستثمارات لا تنقذ الأرواح فحسب، بل تقلل أيضًا من الخسائر الاقتصادية عبر مساعدة قطاعات النقل والطاقة والزراعة على الاستعداد واتخاذ إجراءات وقائية.

ولذلك دعا التقرير إلى تحسين التعاون الإقليمي والعالمي لأن الغبار لا يعترف بالحدود، ما يتطلب سياسات دولية منسقة ضمن مبادرات مثل «الإنذارات المبكرة للجميع».

نحو عقد دولي للتغيير

في خطوةٍ تعكس إدراك المجتمع الدولي لخطورة الأزمة، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفترة من 2025 إلى 2034 عقدًا دوليًا لمكافحة العواصف الرملية والترابية. الهدف هو الانتقال من رد الفعل إلى الوقاية عبر معالجة الأسباب الجذرية: حماية الغطاء النباتي، وتحسين إدارة المياه، واعتماد سياسات زراعية مستدامة.

وتحذر الدراسات العالمية من ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض وكذلك على الحياة البرية وحركة الهجرة والأنشطة البشرية.

وأكد خبراء في مجال البيئة خطورة حرائق الغابات وإزالتها والتي يترتب عليها فقدان أكبر مصنع لإنتاج الأكسجين بالعالم مقابل ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، ما ينذر بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري بجانب تدمير الحياة البرية.

وفي السياق، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن "نصف البشرية يقع في منطقة الخطر، من جراء الفيضانات والجفاف الشديد والعواصف وحرائق الغابات"، مؤكداً أنه "لا يوجد بلد محصن".

وتؤكد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الضرورة الملحة لمعالجة الآثار المكثفة لتغير المناخ وضمان التكيف والمرونة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

ووفقا لبيانات مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، فإن عدد الكوارث قد تضاعف تقريبًا منذ عام 2000، بينما تضاعفت الخسائر الاقتصادية الناتجة بمعدل ثلاثة أضعاف.

وتنشأ العواصف الرملية والترابية عادة في المناطق الجافة وشبه الجافة نتيجة الرياح القوية التي تنقل الجسيمات الدقيقة إلى الغلاف الجوي، ويُقدّر أن أكثر من 80% من الغبار المحمول جويًا عالميًا ينشأ من صحاري شمال إفريقيا والشرق الأوسط. 

هذه الجسيمات قادرة على الانتقال لآلاف الكيلومترات، مؤثرةً على الصحة، والمناخ، والاقتصادات، واليوم يرى الخبراء أن معالجة الظاهرة تتطلب استراتيجيات متكاملة تربط بين حماية البيئة وتحسين صحة الإنسان وتعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية