جثة في كراتشي.. وفاة الممثلة حميراء أصغر تفتح جراح الإهمال العائلي
جثة في كراتشي.. وفاة الممثلة حميراء أصغر تفتح جراح الإهمال العائلي
أشعلت صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي موجة صدمة وتعاطف، بعدما اتّضح أنها تعود للممثلة الباكستانية الشابة حميراء أصغر، التي عُثر على جثتها متحللة في شقتها بمدينة كراتشي، بعد 9 أشهر من وفاتها، من دون أن يسأل عنها أحد.
لم تكن القصة مجرد حالة وفاة، بل تحوّلت إلى صرخة إنسانية مدوية في وجه المجتمع، بعد تداول تفاصيل صادمة عن رفض أسرتها تسلم جثمانها أو حتى الاعتراف بها، ما سلّط الضوء على حجم المأساة النفسية والاجتماعية التي عانت منها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة وحدها، ثم تُركت جثتها تتحلل بعيدًا عن أنظار العالم، بحسب ما ذكرت صحف باكستانية، الجمعة.
وقع الاكتشاف المروّع لجثمان الممثلة في مطلع يوليو الجاري، عندما لجأ مالك العقار الذي كانت تقيم فيه حميراء إلى القضاء، بسبب انقطاعها عن دفع الإيجار لشهور طويلة، وبعد الحصول على حكم قانوني بالدخول إلى الشقة، تفاجأ بجثة متحللة بالكامل وسط غرفة مغلقة.
رجّحت السلطات الباكستانية أن الوفاة حدثت في أكتوبر من العام الماضي، بناءً على فحص درجة التحلل، وآخر استخدام لهاتفها المحمول، وشهادات الجيران الذين قالوا إنهم لم يروها منذ ذلك الشهر.
مشهد الشقة الصامتة، ورفات فنانة لم يُبلغ أحد عن اختفائها، أعاد طرح أسئلة مؤلمة عن العزلة القاتلة التي قد يعيشها بعض المشاهير دون أن يشعر بهم أحد.
نبذ عائلي وردّ مفجع
ما عمّق الجراح أكثر، كان ردّ الأسرة الصادم. حيث أكدت تقارير إعلامية أن والدها، الطبيب العسكري المتقاعد أصغر علي، رفض تسلم الجثمان، مصرحًا للسلطات بأنهم "قطعوا علاقتهم بابنتهم منذ سنوات"، وأنه "غير معني بما سيتم بجثمانها".
وأثار هذا الرد القاسي موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر الآلاف عن حزنهم وغضبهم تجاه ما وصفوه بـ"الإهمال العائلي" و"الخذلان الأبوي"، مطالبين بفتح نقاش مجتمعي جاد حول القطيعة العائلية، وغياب الدعم النفسي والاجتماعي في الأوساط المحافظة.
مسيرة فنية ونهاية قاسية
عرفت حميراء أصغر، البالغة من العمر 32 عامًا، طريقها إلى الأضواء عبر مشاركتها في عدد من الأعمال الفنية المتنوعة، منها مسلسل "تاماشا غار" عبر قناة ARY Digital، وأفلام مثل "جلايبي"، و"لقاح الحب"، و"إحسان فرموش"، و"غورو"، و"شال ديل ميري".
مارست حميراء فنون المسرح والرسم والنحت، بحسب ما ورد في سيرتها الذاتية على حسابها الشخصي على إنستجرام، وكانت تهتم بلياقتها البدنية، ويتابعها أكثر من 713 ألف شخص، ما يعكس قدرًا من الحضور الفني والرقمي الذي لم يمنع عزلتها الاجتماعية القاتلة.
وكانت المفارقة المؤلمة أن الفنانة التي ظهرت في عشرات المشاهد التلفزيونية، ماتت دون مشهد وداع، ودون أن يفتقدها أحد.
خذلان عائلي وغياب مؤسسي
تحوّلت وفاة حميراء إلى قضية رأي عام باكستانية، وأعيد تداول صورها ورسائلها القديمة على نطاق واسع، بوصفها رمزًا لفنانة دفعها النبذ العائلي والفراغ الاجتماعي إلى الموت صامتة، وسط عالم رقمي يقدّم "الإعجابات" لكنه لا يقدم الاحتضان.
وسلطت الواقعة الضوء على الفجوة القاتلة بين الحضور الرقمي والعلاقات الإنسانية الحقيقية، وعلى مسؤولية المجتمع تجاه الأفراد المنعزلين، خصوصًا الفنانين الذين غالبًا ما يعيشون تحت ضغط نفسي هائل، ويخوضون معارك داخلية غير مرئية.
وتطالب أصوات حقوقية وفنية في باكستان بفتح تحقيق اجتماعي موسع في أسباب الإهمال الذي تعرضت له حميراء، ومساءلة المؤسسات المعنية عن غياب آليات الدعم النفسي والاجتماعي للفنانين، لاسيما النساء اللاتي يواجهن أحكامًا أخلاقية قاسية من أسرهن والمجتمع.
كما دعا فنانون إلى تخصيص صندوق خاص لدعم الفنانين المعزولين، وتوفير شبكة حماية نفسية وطبية واجتماعية لهم، خصوصًا في ظل تزايد حالات الاكتئاب والعزلة في الوسط الفني.
ليست حميراء وحدها
قصة حميراء أصغر، رغم قسوتها، ليست حالة فردية، إنها مرآة معاصرة لانهيار الروابط الاجتماعية، وجرس إنذار بشأن مصير أولئك الذين يعيشون خلف الشاشات، ويتحدثون للعالم ولا يجدون من يسمعهم حين يصمتون.
وفي عالم يزداد ترابطًا رقميًا وتفككًا عاطفيًا، تذكّرنا هذه المأساة بأن الصوت الإنساني لا يُستبدل بالمتابعة، وأن الدفء الحقيقي لا يأتي من التعليقات، بل من العائلة والمجتمع.