من غزة إلى ضمير العالم.. مادلين صيادة فلسطينية تقاوم البحر والحرب

من غزة إلى ضمير العالم.. مادلين صيادة فلسطينية تقاوم البحر والحرب
الصيادة الفلسطينية مادلين

"نفسنا نأكل، نعيش، نرجع لحياتنا، أطفالنا نفسهم في الطعام النظيف".. كلماتٌ بسيطة تختصر مأساة يومية تعيشها الصيادة الفلسطينية مادلين كُلّاب، التي قاومت البحر والمجتمع والحرب، لكنها ما زالت تقاوم الحصار والخذلان العالمي، رافضة مغادرة غزة رغم الفقد والقهر.

لم تكن تعلم مادلين أن اسمها سيُرفرف يومًا فوق سفينة دولية محملة بالمساعدات، وأن قصتها ستتجاوز حدود قطاع غزة المحاصر لتصبح رمزًا للمرأة الصامدة، بعد أن اختارت أن تظل في بلادها وألا تهجر البحر، رفيقها الوحيد في رحلة الصمود، بحسب ما ذكرت مادلين في تصريحات لموقع "الشروق" المصري، اليوم السبت.

بدأت رحلة مادلين مع البحر وهي طفلة في السادسة، تصحب والدها في قارب الصيد عند الفجر، تراقب الموج وتتعلم أسراره، حتى بلغت الثالثة عشرة، وأقعد المرض والدها، فاضطرت لتقود القارب بنفسها، وتتحمل مسؤولية العائلة.

"لم يكن الصيد هواية، بل هو مصدر رزقنا الوحيد"، تقول مادلين، "لم أملك رفاهية الاختيار، فالبحر كان قدري ومصيري".

لم يكن طريقها سهلاً، إذ واجهت نظرات الريبة واللوم في مجتمع يرى أن البحر للرجال فقط، ويستنكر فتاة تخوض غمار الصيد، لكن مادلين واجهت الانتقادات بعزم، وتحدّت القوالب الاجتماعية: "لم أستمع لكلام الناس. تجاوزت كل الصعوبات، واستمررت حتى قبل الحرب".

الحرب مزّقت كل شيء

تغيّرت حياة مادلين في 7 أكتوبر 2023، حين اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فتوقّف البحر، وغرقت الحياة في فوضى النزوح. 

واضطرت مع عائلتها للنزوح من غزة إلى الجنوب، "تركنا كل شيء ورانا، وعندما عدنا بعد أكثر من عام، لم نجد شيئًا، فلا بيت، ولا شباك صيد، لا قارب، لا شيء".

لم تكن تتخيل مادلين، التي صمدت طويلاً وسط موج البحر، أن تأتيها الضربة من اليابسة. حُرمت من الصيد ومن لقمة العيش، وأصبحت بلا مورد رزق، تجرّ أيامها كما تجرّ قاربها الخشبي في الذاكرة، وتقول: "لا توجد مقومات للحياة. غزة بلا أكل، بلا دواء، بلا مأوى".

الصيادة الفلسطينية مادلين

سفينة الأمل التي لم تصل

في مفارقة درامية، سُمّيت إحدى سفن كسر الحصار باسم "مادلين"، تكريمًا لقصة الصيادة التي واجهت الاحتلال بالفجر وبالصبر. 

وحملت السفينة مساعدات غذائية وطبية، لكن جنود الاحتلال هاجموها في عرض البحر، واختطفوا من كانوا على متنها، لتُجهض المهمة في مهدها.

"كنا نتمنى أن تصل السفينة، لكنها لم تصل"، تقول مادلين، "خذلوا السفينة كما خذلونا، العالم تابع الحكاية لأيام فقط، ثم نسيها تمامًا، اليوم أنا ما زلت هنا، أعيش الجوع مع أطفالي الثلاثة، ومع الجنين الذي أحمله".

ورغم ذلك، لم تُخفِ امتنانها: "فرحت عندما علمت أن هناك من يهتم بي، من أراد أن يجعلني رمزًا. شعرت أن هناك من يسمع صوتي، ويرى معاناتي".

إرث الشهداء وصوت البحر

مادلين، التي فقدت والدها في الحرب، وشقيقها في عام 2018، لا تفكر في الرحيل، "لن أترك غزة. لن أترك مهنة الصيد، مهنتي ومهنة أجدادي وآبائي. هنا وُلدت، وهنا سأموت"، تقول بثبات.

تحمل مادلين شهادتين في تصميم الأزياء والسكرتارية التنفيذية، لكنها لم تجد على اليابسة ما وجدت على الشاطئ: كرامتها وهويتها. "البحر هو حياتي، وذكرياتي، ونفسي الذي أتنفسه. أحنّ لصوت الموج أكثر من أي صوت آخر".

وتحمل مادلين أمنية بسيطة: "أن تنتهي الحرب قبل أن يأتي طفلي الجديد إلى هذه الحياة"، وتطلب من العالم ألا ينسى غزة، ولا ينسى قصتها، التي أصبحت واحدة من آلاف القصص المخبأة في تفاصيل الحصار.

"نحن لسنا أرقامًا.. نحن بشر.. نحلم بالطعام النظيف، والسكن الآمن، والعودة إلى الحياة الطبيعية"، تقول الصيادة الغزّية، التي باتت رمزاً للحياة بين ركام البحر والعدوان، وصرخة تتردد في الضمير الإنساني: لا تنسوا مادلين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية