آخرها رحمة الجزائرية.. جرائم الكراهية تتصاعد ضد العرب والمسلمين في أوروبا

آخرها رحمة الجزائرية.. جرائم الكراهية تتصاعد ضد العرب والمسلمين في أوروبا
الجزائرية رحمة عياض

بين جدران شقة بمدينة هانوفر الألمانية، سقطت الممرضة الجزائرية الشابة رحمة عياض ضحية جديدة في سلسلة متصاعدة من جرائم الكراهية التي تطول العرب والمسلمين في أوروبا. 

لم يكن مقتل رحمة حدثًا منفردًا أو معزولًا؛ بل يعكس صورة قاتمة لواقع تتزايد فيه أشكال العنف والتمييز العنصري والديني ضد الجاليات القادمة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن الطعن والقتل إلى الاعتداءات اللفظية وحرق المساجد، تتعدد أشكال الانتهاكات، فيما يزداد قلق المهاجرين والمسلمين من غياب الحماية وفتور الردود الرسمية.

في القارة التي طالما رفعت شعارات "حقوق الإنسان" و"التنوع الثقافي"، يكشف الواقع اليوم عن انفصام مؤلم بين القيم والممارسات، وترصد تقارير المؤسسات الأوروبية سنويًا مئات الجرائم المرتكبة بدافع الكراهية، بينما تشير منظمات حقوقية إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، بسبب الخوف من التبليغ، أو عدم تصنيف الجرائم على أساس ديني أو عرقي.

وفي ظل الأزمات السياسية المتتالية، وازدياد الخطاب الشعبوي اليميني، أصبحت الجاليات المسلمة، وبخاصة النساء المحجبات، كبش فداء دائمًا لكل أزمة، من الإرهاب إلى الهجرة، ومن البطالة إلى الصراعات الخارجية.

رحمة أحدث الضحايا

قُتلت الممرضة الجزائرية رحمة عياض في أوائل يوليو الجاري بمدينة هانوفر بألمانيا داخل شقتها، وسط تحليلات تراوح بين القتل الفردي ودوافع عنصرية، خاصة بعد تأكيد صديقاتها أنها كانت ترتدي الحجاب وتعرضت سابقًا لمضايقات من جارها. 

وأثارت الواقعة صدمة في الجزائر وأوساط الجاليات المغتربة. ولم تحدد الشرطة الدوافع بعد، لكن الاتهامات العنصرية أثارت غضبًا واسعًا وتطرح تساؤلات عميقة بشأن أمن العرب والمسلمين في المدن الأوروبية.

تأتي هذه الجريمة ضمن موجة متصاعدة من العنف والتحريض الموجه ضد المسلمين والمهاجرين العرب منذ هجمات الشرق الأوسط، ما يعكس تصاعدًا غير مسبوق منذ أعوام. يكشف التقرير التالي نمط هذه الجرائم وتحديات مكافحتها عبر القارة، مستنداً إلى بيانات أوروبا الرسمية وتحقيقات مؤسسات دولية.

انتشار واسع للكراهية

أظهر تقرير وكالة الحقوق الأساسية بالاتحاد الأوروبي (FRA) أن 47% من المسلمين في 13 دولة يواجهون التمييز في مجال العمل أو السكن، بارتفاع ملحوظ منذ 2016، بينما تتعرض نساء الحجاب لضغوط مضاعفة، ولا سيما الشابات دون الثلاثين.

وفي ألمانيا، سجّلت الشرطة عام 2021، 732 جريمة مرتبطة بالعداء للإسلام، منها 212 ضمن حالات تمييز مباشرة و45 عنفًا.

وفي بريطانيا، تضاعفت الهجمات الإسلامية بنسبة 73% عام 2024 مقارنة بـ2023، وفق جمعية "Tell Mama" لمكافحة الإسلاموفوبيا، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وبلغت الجرائم الدينية في إنجلترا وويلز 10,484 حادثة عام 2023-24، منها 3,866 ضد المسلمين، بنسبة ارتفاع 13%، بحسب ما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش.

كراهية وتحريض ضد المسلمين

عقب هجمات إرهابية مثل هجوم 7/7 في لندن وفي ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، شُهدت زيادة كبيرة في الجرائم والتحريض ضد المسلمين.

وفي ألمانيا، وأخيرًا باريس، ارتفعت حالات الاعتداء على البرك والمساجد، في ظل تحذيرات منظمات أبرزها Human Rights Watch من فشل الحكومات في حماية المجتمعات المسلمة.

وعلى مر السنين، رُصدت سلسلة حوادث عنيفة ضد نساء محجبات في أنحاء أوروبا، ففي ألمانيا، قُتلت ماروى الشربيني في قضية تحولت إلى رمز للإسلاموفوبيا، بعد توجيه المتهم لها ألفاظاً عدائية في قاعة محكمة عام 2009.

وفي فرنسا، فتحت السلطات تحقيقاً إرهابياً في مقتل حاجة تونسية على يد جارها المتعصب، وترجمة الأمر أيضًا ظهرت في جريمة رحمة عياض الأخيرة، التي ربما تكون واحدة من أحدث الضحايا في موجة جرائم الكراهية.

جهود رسمية ومجتمعية 

تواجه أوروبا صعوبة في التقاط هذه الظواهر بشكل دقيق، بسبب قصور نظام الرصد الرسمي، حيث لا تُصنف الكثير من الدول الإسلاموفوبيا كجريمة مستقلة، ما يقلل من عدد التحقيقات والإجراءات المُتخذة.

وفي المقابل، تنشط منظمات مجتمع مدني بارزة مثل "Tell Mama" في بريطانيا التي رصدت أكثر من 10,700 واقعة ضد المسلمين في عامي 2023 و2024.

وهناك أيضًا دعوات من الاتحاد الأوروبي لتطبيق خطط لمواجهة الكراهية خاصة بـ"Beyond 2025 Anti-Racism Action Plan"، لكنها تعاني من ضعف التنفيذ الحقيقي والحماية القانونية.

استجابة غير كافية

حادثة مقتل رحمة عياض، وإن لم تحدد دوافعها رسمياً بعد، تعكس مدى هشاشة مصير العرب والمسلمين في أوروبا، حيث يمكن أن يتطور الخطر من تمييز يومي إلى جريمة قتل.

وفي ظل تجاهل رسمي نسبي، وغياب رؤية واضحة، فانضباط الكراهية في السلوك العام، يحتاج إلى استنفار قانوني وسياسي أكبر، يقرر تصنيف الاسلاموفوبيا كجريمة مستقلة، وتحسين رصد البيانات والإبلاغ، وتعزيز العقاب وردع مرتكبي هذه الجرائم.

الكراهية تجاه الآخرين، ورفضهم بسبب الدين أو الأصل، لا يستهدف المسلمين فقط؛ بل يزعزع سلام المجتمعات نفسها، فالطريق إلى مجتمع أوروبي أكثر أمانًا يتطلب استجابة شاملة، ورفضًا حاسمًا لهذا التمييز.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية