بين غزة وأوكرانيا.. مواقف متباينة تكشف ازدواجية المعايير الإنسانية الأوروبية
بين غزة وأوكرانيا.. مواقف متباينة تكشف ازدواجية المعايير الإنسانية الأوروبية
حين اندلعت الحرب في أوكرانيا، هرعت أوروبا مجتمعةً إلى دعم كييف سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وفتحت أبوابها للاجئين، وشددت عقوباتها على روسيا، باسم "الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان". لم تتردد المفوضية الأوروبية في استخدام أقسى العبارات لإدانة موسكو، ولم تتوقف عن المطالبة بمحاسبة مرتكبي الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وبدا المشهد مختلفاً جذرياً حين كانت المجازر تُرتكب في غزة، وتُقصف البيوت والمستشفيات وتُقطع الكهرباء عن المدنيين، وتُستهدف النساء والأطفال وسط حصار خانق، ولم نشهد ذات الحزم ولا نفس الاندفاع السياسي أو القانوني، بل وقّع الاتحاد الأوروبي، في خضم تصاعد العدوان، اتفاقية طاقة مع إسرائيل تُسهّل تصدير الغاز إلى أوروبا عبر بنية تحتية تمر بمحاذاة المياه الفلسطينية المحتلة، في خطوة رآها مراقبون خرقاً صارخاً للقانون الدولي، ومؤشراً على تواطؤ أوروبي ضمني في الانتهاكات الإسرائيلية.
وأثار هذا التناقض الصارخ بين السرعة في حماية أوكرانيا وبين التباطؤ في حماية المدنيين الفلسطينيين، انتقادات واسعة من منظمات حقوقية ونواب أوروبيين وخبراء قانونيين، اعتبروا أن الاتحاد الأوروبي يمارس ازدواجية سياسية وأخلاقية، ويغضّ الطرف عن مبادئه حين تتقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية مع حقوق الشعوب المحتلة.
بات السؤال المطروح بقوة الآن.. هل تقف أوروبا اليوم على قاعدة راسخة من القيم العالمية، أم أنها باتت تختار متى وأين تطبق القانون الدولي وفقاً لمصالحها الجيوسياسية؟
أزمتا غزة وأوكرانيا
بينما تصوّرت أوروبا نفسها حارسة للعدالة والقانون الدولي، كشفت أزمتا غزة وأوكرانيا عن ازدواجية الخطاب الأوروبي، فحين حازت الأزمة الأوكرانية على دعم شامل وعاجل، أظهرت قضية غزة استبعاد كبار من صانعي القرار الأوروبيين، ما أفرز شكوكًا حول مصداقية "الدفاع عن القيم" والولاء لمعايير حقوق الإنسان.
وقالت منظمة “غلوبال ويتنس”، في بيان لها، اليوم الاثنين، إن اتفاقية غاز شرق المتوسط الموقعة مع إسرائيل ومصر عام 2022 تمثل قفزًا فوق الحقوق الفلسطينية، وقد تكون مخالفة للقانون الدولي، لأن خط الأنابيب يمر عبر المياه الفلسطينية دون موافقة من السلطات الفلسطينية.
وقد دعا هؤلاء إلى وقف جميع واردات الغاز من الخط كإجراء يوقف التعاون المخالف للقانون الدولي، إذ تُعد هذه الصفقة شكلاً من أشكال التواطؤ الأوروبي.
الصمت أمام معاناة غزة
رغم تحذيرات أممية، واصل الاتحاد استيراد الغاز بعد تجديد الصفقة تلقائيًا في يونيو الماضي، متحديًا الاحتجاجات القائمة على انتهاكات إسرائيل.
وفي المقابل، مارست بروكسل ضغوطًا لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، كما ظهر جليًا في مبادرة الدبلوماسية الأوروبية بزيادة قوافل الغذاء والوقود، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز".
ودعا عضو البرلمان الأوروبي باري أندروز إلى تعليق الاتفاقية “نظرًا للاحتلال غير القانوني المستمر”، محذرًا من التورط في “تمويل إبادة جماعية محتملة” في غزة.
وأثنى أستاذ القانون الدولي غليدر هيرنانديز على موقف “غلوبال ويتنس”، مؤكداً أن استمرارية الاتفاق تمثل حالة من التسامح مع انتهاكات الاحتلال.
صورة أوروبا في المرآة العالمية
انتقد الدبلوماسيون الأوروبيون أنفسهم العلاقة المشوهة مع الأزمة الفلسطينية مقارنة بالرد الأوروبي على الحرب في أوكرانيا، واعترف جوسيب بوريل بوجود اختلال كبير في المعايير، مؤكدًا أن “الحياة الفلسطينية لا تُحسب بذات القيمة”.
وحذّر سكرتير الأمم المتحدة غوتيريش من تبدد مصداقية القانون الدولي إذا ما فُرضت المعايير الانتقائية على غزة وأوكرانيا على حد سواء.
ولاحظت المنظمات الحقوقية الدولية أن إدانة أوروبا لإنهاء العملية العسكرية الروسية كانت حازمة، لكن انتقادها لإسرائيل ظل باهتًا، ما أضعف مكانتها بين دول الجنوب.
ودعا مفوضو حقوق الإنسان وزعماء أوروبيون إلى تعليق الاتفاقية لحفظ سمعة وصورة الاتحاد الأوروبي أمام العالم، فيما طالب المدافعون عن القانون الدولي داخل الاتحاد يطالبون بإجراءات ملموسة، لا مجرد بيانات.