في سابقة أوروبية.. فرنسا تمنح امرأة فلسطينية حق اللجوء رغم غياب حماية "الأونروا"

عدّت الحرب "اضطهاداً على أساس الجنسية"

في سابقة أوروبية.. فرنسا تمنح امرأة فلسطينية حق اللجوء رغم غياب حماية "الأونروا"
باريس

في خطوة جديدة أثارت انقساماً في الأوساط القانونية والسياسية الفرنسية، أصدرت محكمة فرنسية حكماً يقضي بمنح حق اللجوء لفلسطينية من قطاع غزة وطفلها، رغم عدم خضوعهما لحماية وكالة "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة.

وعد البعض هذه الخطوة سابقة قانونية تدعم حقوق الفلسطينيين خارج الإطار الأممي، في حين رأى آخرون أنه مجرد مناورة سياسية فرنسية لا تحمل تأثيراً فعلياً في مسار القضية الفلسطينية وفق وكالة “فرانس برس”.

وجاء القرار القضائي في سياق تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومع تزايد التصريحات من فرنسا حول إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث عدت المحكمة الوطنية الفرنسية لحق اللجوء أن المرأة الفلسطينية وطفلها "يخشيان -بحق- التعرض شخصياً للاضطهاد" إذا ما عادا إلى غزة، بسبب "جنسيتهما" فقط، كما ورد في نص الحكم الذي صدر وفقًا لاتفاقية جنيف لعام 1951.

وبحسب ما نقلته "فرانس برس"، استندت المحكمة إلى الأساليب القتالية "العشوائية وغير المتكافئة" التي تتبعها إسرائيل منذ استئناف العمليات العسكرية بعد انهيار وقف إطلاق النار في مارس 2025، ما يبرر منح الحماية الكاملة لطالبي اللجوء الفلسطينيين.

بين الحماية الفرعية واللجوء الكامل

وكان المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (أوفبرا) في فرنسا قد رفض العام الماضي منح الفلسطينية وضع اللاجئ الكامل، مكتفيًا بتوفير "الحماية الفرعية"، على خلفية اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023 عقب الهجوم المفاجئ الذي شنّته حركة "حماس" على إسرائيل.

ورغم إقراره بـ"نزاع استثنائي الحدة"، عدّ المكتب حينها المرأة لم تُظهر مؤشرات واضحة على تعرضها للاضطهاد، لكن المحكمة الوطنية لحق اللجوء، وفي جلسة استثنائية ترأسها تسعة قضاة بدلًا من الثلاثة المعتادين، نقضت هذا القرار، في تطور وصفته محاميتها مايا لينو بأنه "انتصار إنساني وقانوني"، مؤكدة أن الحكم يعترف بالخطر الوجودي الذي يواجهه الفلسطينيون لمجرد كونهم فلسطينيين.

سابقة قانونية أم خطوة رمزية؟

قرار المحكمة يفتح الباب أمام استفادة شريحة جديدة من الفلسطينيين من حق اللجوء، ولا سيما من لا تشملهم ولاية الأونروا، والذين يقدّر عددهم بنحو 20% من سكان قطاع غزة، وفق تقديرات مراقبين.

ويشير الحكم إلى تحول محتمل في السياسة القضائية الفرنسية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، بعد أن كانت صفة "اللاجئ الكامل" تُمنح فقط للمسجلين لدى الأونروا أو لمن غادروها لأسباب قاهرة، بناء على اجتهادات سابقة لمحكمة العدل الأوروبية.

وفي سبتمبر 2024، كانت المحكمة ذاتها قد أقرت أن الفلسطينيين الخاضعين لحماية الأمم المتحدة، والبالغ عددهم نحو 1.6 مليون من أصل 2.4 مليون نسمة في غزة، يمكن منحهم حق اللجوء بسبب الأوضاع الإنسانية المتدهورة.

في سياق التحركات الدولية

يتزامن القرار مع استعداد باريس لاستضافة المؤتمر الدولي المعني بالتسوية السلمية للقضية الفلسطينية في 28 و29 يوليو الجاري، بالشراكة مع السعودية، بعد تأجيله في يونيو الماضي بسبب التوتر بين إسرائيل وإيران.

كما يأتي بعد أيام من دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "اعتراف مشترك" بالدولة الفلسطينية من جانب فرنسا والمملكة المتحدة، في خطوة عدّها مراقبون محاولة لإعادة تحريك الملف الفلسطيني على الساحة الأوروبية والدولية.

ومع ذلك، يرى خبراء تحدثوا إلى "جسور بوست" أن القرار القضائي، رغم أهميته الرمزية، لا يحمل قوة إلزامية سياسية، وقد يكون جزءاً من استراتيجية فرنسية لإبقاء الملف الفلسطيني في دائرة الاهتمام دون اتخاذ خطوات عملية حاسمة.

جدل بين الدعم والمناورة

وأثار الحكم القضائي الفرنسي الذي منح حق اللجوء الكامل لمواطنة فلسطينية من قطاع غزة وابنها جدلاً واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية، بعدما اعتبر سابقة قانونية تتيح اللجوء لفلسطينيين خارج ولاية وكالة "الأونروا"، وتُبنى على أسس الاضطهاد القائم على الجنسية، وليس فقط النزاع المسلح.

ويعد هذا القرار الأول من نوعه في فرنسا، حيث استندت المحكمة إلى اتفاقية جنيف لعام 1951، معتبرة أن "الأساليب العسكرية التي تتبعها إسرائيل في غزة تشكل اضطهادًا على أساس الهوية القومية"، وهو ما يشكل تحولًا في طريقة تعامل القضاء الأوروبي مع مطالب اللجوء الفلسطينية، ويفتح الباب أمام إعادة تقييم الحماية الأممية التقليدية.

وقال الدكتور أمجد شهاب، أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "القرار يمنح للمرة الأولى صفة لاجئ كامل بموجب اتفاقية جنيف، وليس مجرد حماية فرعية، وهو ما يعني أن أساليب الحرب الإسرائيلية في غزة باتت تعتبر اضطهادًا ممنهجًا، وليس فقط أعمالاً حربية".

وأوضح شهاب أن المحكمة الفرنسية اعتبرت أن الفلسطينيين غير المسجلين لدى الأونروا أو من فقدوا فعليًا مظلتها لم يعودوا يتمتعون بحماية أممية، خاصة في ظل تكرار الحروب على القطاع، مما يجعلهم عرضة لانتهاكات جسيمة.

وأشار إلى أن القرار يعزز من الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في فرنسا، بمنحهم إقامة لعشر سنوات، وحرية التنقل، وحق لمّ الشمل، معتبرًا أن "هذا اعتراف ضمني بفشل نظام الحماية الدولي الذي تمثّله الأونروا".

وأكد أن المحكمة استندت أيضًا إلى تاريخ طويل من العدوان الإسرائيلي، شمل السنوات 2008، 2009، 2012، 2014، 2018، 2021، و2023، مشيرة إلى أن الأونروا نفسها أقرت بعدم قدرتها على توفير الحماية الفعلية داخل غزة.

سابقة أوروبية وضغط سياسي

ويرى شهاب أن القرار يفتح الباب أمام سوابق قانونية مشابهة في دول أوروبية أخرى، خاصة مع تمتع اللاجئ المعترف به في فرنسا بحماية قانونية واسعة، مشيرًا إلى أن "الاعتراف بأن المجازر التي ترتكب في غزة تمثّل اضطهادًا على أساس العرق والجنسية يعكس تحولًا في الخطاب الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية".

وأضاف أن هذه السابقة قد تدفع باتجاه ضغط دولي متزايد للاعتراف بدولة فلسطين، وتعزيز حق تقرير المصير، مؤكدًا أن "القرار يحمل رسالة سياسية واضحة بأن الوضع في غزة تجاوز مفاهيم الدفاع عن النفس أو النزاع التقليدي".

توسيع مظلة الحماية القانونية

من جانبه، اعتبر الباحث الفرنسي في الشؤون الدولية، بيير لويس ريمون، أن القرار "يمثل سابقة تمر عبرها السلطات الفرنسية لتوسيع مظلة الحماية التي كانت حصريًا بيد الأونروا"، موضحًا أن "القرار يؤكد استقلالية القضاء الفرنسي، وقدرته على الاستجابة السريعة والفردية للحالات الطارئة".

واستبعد ريمون، في تصريح لـ"جسور بوست" أن يشكل القرار تحولًا جذريًا في المدى القريب، لكنه وصفه بأنه "خطوة مهمة قد تُهيكل قرارات أوروبية لاحقة"، في ظل الخصوصية الدبلوماسية الفرنسية تجاه القضية الفلسطينية، التي كانت دائمًا في طليعة المبادرات الحقوقية.

وأكد أن "القرار يأتي في سياق الدعم الفرنسي المتصاعد لفكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنه لا يُغني عن الحاجة إلى إجراءات أكثر صرامة، مثل الاعتراف الرسمي وغير المتردد بفلسطين".

بين الرمزية والمناورة

في المقابل، يرى المحلل السياسي المقيم في فرنسا، نزار الجليدي، أن القرار "رمزي أكثر منه فعلي، ولا يحمل صفة الإلزام تجاه الحكومة الفرنسية أو مكتب اللاجئين"، مشيرًا إلى أن القضاء الفرنسي لا يُمثّل بالضرورة موقف الرئيس أو الحكومة.

وقال الجليدي لـ"جسور بوست": "لا يمكن اعتبار هذا القرار اجتهادًا قضائيًا عامًا، فهو لا يشكل فقهًا قانونيًا ثابتًا، ولا يغير من واقع أن فرنسا لم تتخذ موقفًا سياسيًا فعليًا لدعم القضية الفلسطينية".

وانتقد الجليدي بشدة تحركات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبرًا أنها "مناورة سياسية تهدف إلى تلميع صورة فرنسا، خاصة بعد تراجع النفوذ الفرنسي في أوروبا وانكشاف الموقف من حرب أوكرانيا".

وأضاف: "الاعتراف بدولة فلسطين من طرف واحد لا يعني شيئًا دون دعم من مجلس الأمن، ولا بد من التفريق بين الاعتراف بالدولة ووجودها وسيادتها الحقيقية".

ولفت إلى أن فرنسا كانت قد صوتت بالفعل لأجل منح فلسطين صفة "دولة مراقب" في الأمم المتحدة عام 2012، ثم لأجل عضوية كاملة في 2024، لكنه عدّ هذه التحركات لا تُترجم إلى دعم فعلي على الأرض.

واختتم تصريحه بالقول: "من يدعم فلسطين بحق لا يساوم على سيادتها، ولا يبحث عن حلول وسط في ظل هيمنة اللوبيات الصهيونية على القرار الفرنسي".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية