"لن نغادر أرضنا".. سكان جزر توريس يقاضون أستراليا لحمايتهم من النزوح القسري
"لن نغادر أرضنا".. سكان جزر توريس يقاضون أستراليا لحمايتهم من النزوح القسري
طالب العم باباي باباي والعم بول كاباي، وهما من زعماء سكان جزر مضيق توريس، الحكومة الفيدرالية الأسترالية بتحمل مسؤولياتها المناخية، مؤكدَين أن مجتمعاتهم لا تريد أن تُجبر على الرحيل من أراضيها بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر.
قال العم باباي، الذي يعيش في جزيرة بويغو: "لا نريد أن نكون لاجئي مناخ"، جاءت هذه الرسالة ضمن قضية تاريخية يُنتظر أن تصدر فيها المحكمة الفيدرالية الأسترالية حكمًا حاسمًا هذا الأسبوع، وهي دعوى قضائية تتعلق بمسؤولية الحكومة عن حماية المجتمعات الأصلية من تداعيات أزمة المناخ.
وأطلق العم باباي والعم بول عام 2021 دعوى قضائية ضد الكومنولث الأسترالي، سعيا لإلزامه باتخاذ تدابير عاجلة لخفض الانبعاثات الغازية، والامتثال لأفضل ما توفره الأبحاث العلمية من توصيات، بما يحمي مجتمعات مضيق توريس من الكوارث المناخية، تمسك المدعيان بحجة قانونية مفادها أن على الحكومة واجب رعاية نحو السكان الأصليين، يفرض عليها اتخاذ خطوات ملموسة لحمايتهم من المخاطر المناخية المتزايدة.
ورفض محامو الحكومة تلك المطالب، مؤكدين أن الكومنولث غير مُلزم قانونًا بالاعتماد على الأدلة العلمية في تحديد أهدافه المناخية أو عند رسم سياسات خفض الانبعاثات.
تغيرات مناخية تهدد الهوية
قدّم سكان الجزر، خلال جلسات الاستماع التي عُقدت عام 2023، شهادات مباشرة وثّقت كيف أن ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الفيضانات البحرية دمّرا أجزاء كبيرة من بيئتهم وثقافتهم، وتحدث العم بول عن التحولات التي شهدتها جزيرته سايباي، حيث تآكلت الشواطئ، وتحولت التربة إلى أوحال، وغمرت المياه المالحة الأراضي الزراعية ومجاري الأنهار.
قال بأسى: "حتى مقابرنا لم تسلم من الفيضانات.. مواقعنا الثقافية تُدمر، ومناطق الصيد لم تعد آمنة، فكيف سنُعرّف الجيل القادم بثقافتنا؟".
رفض المدعيان تقبل فكرة أن فقدان الجزر هو أمر لا مفر منه، واعتبر العم باباي أن التهديد الحقيقي يكمن في تقاعس السلطات عن التحرك، لا في الكوارث ذاتها، وأكد أن سكان بويغو وسايباي وغيرهما من الجزر، لم يُغادروا أرضهم منذ قرون، ولن يقبلوا بأن تُهجر قراهم بسبب الإهمال السياسي.
استمرار لنضال الأجيال
أوضح أن هذه المعركة، رغم طابعها القانوني، هي في جوهرها استمرار لنضال الأجيال السابقة، استشهد باباي بالمثال التاريخي للمناضل إيدي مابو، الذي خاض معركة قضائية طويلة اعترفت من خلالها المحكمة العليا الأسترالية بحقوق السكان الأصليين في ملكية الأرض.
وقال العم باباي: "إذا فزنا فهذا سيكون انتصارًا لابني ولكل من يسكن هذه الجزر، ولكل الشعوب الأصلية في العالم".
وركّز العم باباي على أن دافعه الأكبر هو حماية مستقبل ابنه البالغ من العمر عامين، وضمان أن يتمكن من العيش في أرض أجداده، وأوضح أن نضاله يمتد ليشمل كل الأطفال والمجتمعات المتضررة من الفيضانات والحرائق في أنحاء أستراليا.
وتابع: "هذا ليس من أجلنا فقط، بل من أجل الجيل الجديد في جزر مضيق توريس، وفي المزارع، وفي المدن، ومن أجل كل طفل قد يفقد منزله بسبب المناخ".
تحول في الوعي
أكد العم بول أن المعركة القضائية، بغض النظر عن نتيجتها، أحدثت فارقًا ملموسًا، وقال بثقة: "الحكومة تستمع الآن.. لم تكن تُصغي لنا من قبل، لكنها باتت تعرف ما يحدث.. ونحن نجبرها على التحرك".
وأضاف أن مجرد الاستماع لصوت سكان الجزر، لأول مرة بهذا الشكل، هو بحد ذاته تحولٌ في المشهد السياسي الأسترالي.
وتُعد هذه الدعوى أول اختبار قضائي من نوعه في أستراليا بشأن مسؤولية الدولة عن حماية السكان الأصليين من آثار التغير المناخي، كما أنها تسلط الضوء على قضية أشمل تتعلق بمصير ملايين الأشخاص حول العالم، الذين يواجهون خطر التهجير القسري بسبب الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات.
ويُتوقع أن يُحدد الحكم المنتظر ما إذا كانت الحكومة الأسترالية ستكون ملزمة قانونًا باتباع العلم لحماية المجتمعات الضعيفة.
بصوت يملؤه الإصرار، يكرر العم باباي عبارة تختصر مشاعر مجتمعه: "لن نغادر، هذه أرضنا.. هذه قصتنا، وسنواصل الدفاع عنها"، بهذا الإيمان، يدخل سكان جزر مضيق توريس مرحلة حاسمة من معركتهم مع التغير المناخي؛ معركة لا تدور فقط على أرضهم، بل في أروقة القضاء، وفي ضمير أستراليا السياسي.