"العطش كسلاح".. كيف تستغل إسرائيل المياه في حربها على غزة؟

"العطش كسلاح".. كيف تستغل إسرائيل المياه في حربها على غزة؟
العطش يهدد سكان غزة - أرشيف

في ظل الحرب المستمرة على غزة منذ أكتوبر 2023، تنكشف تدابير لا تقل بشاعة عن القصف المباشر.. العطش يُستخدم كوسيلة ضغط واستهداف ممنهج يطول ملايين المدنيين، ليس مجرد نقص في المياه أو فشل للبنية التحتية، بل استهداف لحياة المدنيين وتدمير لمواردهم الأساسية. 

ويعكس هذا الاستخدام المقصود يعكس تحولًا في شكل المواجهة، ليصبح الماء –المبعوث للحياة– رمزًا للسلطة والموت، ومحور صراع يعكس مدى الانهيار الإنساني والمؤسّسي في القطاع.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان له، الاثنين، إن القوات الإسرائيلية "تواصل تنفيذ سياسة ممنهجة تهدف إلى تجفيف مصادر المياه واستهداف المدنيين"، فيما وثّقت تقارير محلية مقتل أكثر من 700 شخص، بينهم العديد من الأطفال، خلال انتظارهم لطوابير تعبئة المياه، وتدمير أكثر من 720 بئرًا بكل تعمد.

وأشار البيان إلى أن 112 نقطة لتوزيع المياه استُهدفت بالقصف، كان آخرها مجزرة "المخيم الجديد" شمال غرب النصيرات، حيث قُتل 12 مدنيًا بينهم 8 أطفال.

تدمير البنية التحتية المائية

لم يقتصر الأمر على الاعتداءات المباشرة، بل امتد إلى قطع إيصال الوقود بشكل كامل، ما أدى إلى شلل شبه تام في تشغيل الآبار ومحطات التحلية ومحطات الصرف الصحي، ما تسبب في تفشي الأمراض والأوبئة.

ومنذ يناير الماضي، قُطعت إمدادات شركة "ميكروت" للمياه، تبعتها إيقاف الكهرباء عن محطة تحلية مركزية في مارس، ما زاد الأزمة إلى حد إخراج أكثر من مليون وربع المليون شخص من دائرة الوصول إلى المياه النظيفة.

وتقول تقارير إن نحو 94–95% من الإمدادات المائية تلاشت، ما أدى إلى اعتماد السكان على مياه ملوثة أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به الأمم المتحدة (15 لتراً/شخص/يوم)، حتى بات المتوسط أقل من 5 لترات فقط.

وتُشير الأمم المتحدة ومنظمة "أوكسفام" إلى تدمير خمس محطات مياه وصرف صحي كل ثلاثة أيام تقريبًا، ما قد يُعد "جريمة حرب" بموجب القوانين الدولية.

تُصنّف هذه الخطوات كـ"عقوبة جماعية" محرّمة بموجب المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، وقد وصفتها هيئات كـHuman Rights Watch بأنها استراتيجية شاملة لاستخدام العطش كسلاح ضد السكان المدنيين.

طفرة في الأمراض المنقولة

أدى تراجع المناهج الطبيعية أو الصناعية للمياه إلى طفرة في الأمراض المنقولة بالماء، لا سيما بين الأطفال، ومن بينها الكوليرا والإسهالات الحادة. 

وأشارت منظمة اليونيسف إلى اكتشاف فيروس شلل الأطفال في عينات مياه الصرف، وهو مؤشر خطير لتدهور الحالة الصحية العامة.

كما يتدفق الأنهار الصرفية غير المعالجة إلى البحر والأرض، مهددة مصايد المياه الزليفة ومساهمة في تلوث خطير يمتد ما وراء القطاع إلى السواحل الإقليمية.

ضغوط حقوقية ودولية

أدانت منظمات دولية كـ"أوكسفام" و"هيومن رايتس ووتش" هذا الاستخدام المتعمد للماء كسلاح، وقالت إن الدعم الدولي لإدخال الوقود والمعدات الأساسية ضرورة عاجلة.

وانتقد مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، محاولات فرض حصار ممنهج على الماء والطعام، واعتبرها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.

رغم ذلك، تبقى استجابة المجتمع الدولي غالبًا أوراقًا فقط، وسط صمت من الدول الكبرى وتصاعد التراخي في المساءلة القانونية ضد الاحتلال.

أزمة تُنذر بكارثة صحية

يضع استخدام العطش كأداة حرب في غزة المدنيين في مواجهة مباشرة مع الموت البطيء والمضاعفات الصحية الخطيرة، ومع كل بئر تُدمر، ومع كل نقطة توزيع يُستهدف، ترتفع وتيرة الجريمة الإنسانية، ما يعني أن غزة اليوم ليست ببؤرة حرب عسكرية فحسب، بل بمخبر تجارب لأسلحة موجهة ضد المدنيين والعالم المتحضّر ملزم بالتدخل. 

وقد أصبح فرض إعادة تشغيل البُنى التحتية للمياه ومعالجة أزمة الوقود ضرورة إنسانية فورية، لا ترفاً ولا رأياً، وإلا سنشهد انهيارًا كاملاً يصعب علاجه بعد الحرب.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية