نحو الكرامة والمساواة.. نساء مغربيات يخضن معركة التمكين عبر "المقاولة الذاتية"
نحو الكرامة والمساواة.. نساء مغربيات يخضن معركة التمكين عبر "المقاولة الذاتية"
في زوايا المدن المغربية، حيث يلتقي الفقر بالتهميش، لا تزال النساء في أوضاع هشّة يخضن معركة يومية ضد الفقر، والعزلة القانونية، وغياب الاعتراف بمجهوداتهن الاقتصادية.
وعلى أطراف مدينة المحمدية، وتحديداً في منطقة عين حرودة، تصنع مجموعة من النساء قصة مقاومة هادئة؛ قصة تبدأ بورشة صغيرة وتفتح أبواب التغيير نحو حياة أكثر استقلالاً وأماناً، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الثلاثاء.
ففي قاعة متواضعة بمقر جمعية "الندى" لتأهيل النساء في أوضاع هشاشة، اجتمعت نحو 20 امرأة للمشاركة في ورشة تدريبية بعنوان "المقاولة الذاتية.. طريق النساء نحو التمكين الاقتصادي".
الورشة ليست مجرد جلسة معلومات، بل هي لحظة استثنائية تعيد للمرأة الهشّة صوتها ومكانتها، وتمنحها أدوات رسم طريق مهني قانوني، بعيداً عن الاقتصاد غير المهيكل الذي طالما سجن إمكانياتها في الظل.
بوابة للتمكين والاعتراف
في المغرب، يشكل نظام "المقاول الذاتي" خطوة مفصلية في منح الأفراد، وخاصة النساء، فرصة للعمل القانوني المستقل، مع ما يتضمنه من تغطية صحية، وإثبات للدخل، وولوج للبرامج الاجتماعية.
لكن هذا النظام، رغم بساطته القانونية، لا يزال بعيد المنال عن آلاف النساء، خاصة في مناطق مثل الشلالات، حيث تسود الأمية القانونية والرقمية، وتغيب التوعية المالية.
تقول وفاء جميل، إحدى الناشطات والمؤطرات في جمعية "الندى": "هذه الورشة ليست مجرد تدريب، إنها محاولة حقيقية لإخراج النساء من دائرة الهشاشة نحو الاستقلال الاقتصادي.. كثير من المشاركات لا يعرفن حتى كيف يملأن وثيقة رسمية، نحن نرافقهن خطوة بخطوة".
وتضيف: "المقاولة الذاتية ليست فقط قانوناً، إنها اعتراف اجتماعي ومهني، كثير من النساء يمارسن مهناً كالخياطة، الطبخ، الحلاقة أو التجارة، لكن من دون حماية أو هوية مهنية. نحن نمنحهن أدوات البدء بشكل سليم وآمن".
نحو العيش بكرامة
في الورشة، بدا واضحاً أن الطموح لا يحتاج إلى رأس مال كبير، بل إلى ثقة وإرشاد، المشاركات جئن من خلفيات متنوعة، أغلبهن مسؤولات عن أسر، ولا يطلبن إلا سبيلاً نحو العيش بكرامة.
في حديثها، توضح وفاء أن المبادرة ترتكز على تحويل المهارات اليومية غير المعترف بها رسميًا إلى مصدر دخل قانوني، مثل الطهو المنزلي، خياطة الملابس، أو بيع المنتجات التقليدية.
لكن هذا الانتقال يتطلب كسر حاجز الأمية القانونية والرقمية، وهو ما تعمل عليه الجمعية من خلال ورشات مبسطة وشروحات ميدانية.
وتمتد المرافقة إلى ما بعد التدريب، عبر جلسات متابعة فردية، وربط النساء بشبكات تمويل وتسويق محلية تضمن استدامة المشاريع الوليدة.
الحقوق الاقتصادية مدخلاً للمساواة
التمكين الاقتصادي ليس غاية مادية فقط، بل هو مدخل رئيسي لتحقيق العدالة الجندرية والمساواة، النساء في المغرب، رغم المكاسب التشريعية، لا يزلن يواجهن تمييزاً مضاعفاً حين يخرجن من الأحياء الفقيرة أو المناطق الريفية، خاصة في سوق الشغل الرسمي الذي لا يعترف بغير الشهادات والمساطر المعقدة.
وفي هذا السياق، يمثل نظام "المقاول الذاتي" فرصة قانونية متاحة ومنخفضة التكلفة، إلا أن النساء المهمشّات يواجهن عقبات تتعلق بالمعرفة، الثقة بالنفس، والولوج إلى المعلومات، وهنا تتدخل مبادرات المجتمع المدني لسد الفجوة، من خلال توفير برامج الدعم، التكوين، والمتابعة الحقوقية.
اللقاء التدريبي في عين حرودة، ورغم بساطته، يعكس تحولاً ملموساً في النظرة إلى النساء في أوضاع هشاشة، ليس كضحايا، بل كفاعلات اقتصاديات لديهن الحق في الاعتراف والاحترام.
تقول وفاء في ختام اللقاء: "الرهان أن نحول الهشاشة إلى فرصة، والاحتياج إلى مشروع، التمكين الحقيقي هو ذلك الذي يراعي كرامة النساء وحقهن في مستقبل آمن ومستقل".