زواج القاصرات في المغرب.. قضية تؤجّج الخلافات وتختبر صدق الالتزام بحقوق النساء
تصريحات بنكيران تعيد الجدل حول حقوق الفتيات
أشعلت تصريحات عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية الأسبق، موجةً واسعةً من الانتقادات بعد أن اعتبر الزواج هو الخلاص الوحيد للفتيات، دون إيلاء الاعتبار لأهمية التعليم أو العمل في بناء حياة كريمة ومستقلة للنساء.
واعتُبر هذا التصريح تراجعًا خطيرًا عن مكتسبات النساء المغربيات، وإساءة مباشرة لكرامتهن، خاصة في سياق الحراك المدني والحقوقي الواسع الذي يدعو إلى تجريم تزويج القاصرات وتعزيز تمكين النساء.
وأدانت "التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة"، في بيان لها، اليوم الاثنين، تصريحات بنكيران، واعتبرتها معادية لمبدأ المساواة، ومحاولة خطيرة لفرض وصاية ذكورية على مستقبل الفتيات المغربيات.
ووصفت الخطاب بأنه عنيف وتمييزي، ويتناقض مع التزامات المغرب الدولية، وخاصة اتفاقية "سيداو" واتفاقية حقوق الطفل، إضافة إلى الهدفين الرابع والخامس من أهداف التنمية المستدامة المتعلقين بالتعليم والمساواة بين الجنسين.
الدفاع عن حقوق الطفلات
طرحت قضية زواج القاصرات نفسها بقوة على الساحة السياسية في المغرب خلال السنوات الأخيرة، وتباينت مواقف الأحزاب السياسية بين مؤيد لتقييد الظاهرة أو تجريمها، ومتردد في تغيير القوانين بدعوى احترام الخصوصية الثقافية والدينية.
وأبدى حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية، تحفظًا مرارًا على تجريم زواج القاصرات بشكل قاطع، متمسكًا بما تسميه بعض قياداته "مرونة مدونة الأسرة" التي تتيح للقضاة تزويج الفتيات تحت سن 18 في حالات استثنائية.
ودافع بعض أعضاء الحزب عن استمرار هذه الاستثناءات، بزعم "الخصوصية المغربية" و"الظروف الاجتماعية"، وهو ما يتعارض مع مطالب الجمعيات الحقوقية التي تؤكد أن هذه الثغرة القانونية تحولت إلى قاعدة.
دعوات لمنع زواج القاصرات
في المقابل، عبّر حزب التقدم والاشتراكية عن موقف واضح يدعو إلى منع قاطع لزواج القاصرات، مع تعديل مدونة الأسرة بشكل ينسجم مع الالتزامات الدولية للمغرب.
وطالب الحزب بإلغاء المادة 20 من المدونة التي تمنح القضاة سلطة تزويج الفتيات دون سن 18، واعتبر أن استمرار تزويج الطفلات يهدد مستقبلهن، ويكرّس الفقر والعنف والتمييز ضد النساء.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فقد ساند بشكل صريح مبادرات الحركات النسائية لتعديل مدونة الأسرة، وشدد على ضرورة أن تكون الأولوية لحماية الطفلات من الزواج المبكر، وربط ذلك بمسؤولية الدولة في توفير تعليم عمومي مجاني وإجباري للفتيات، ما يجعل من تزويج القاصرات إجراء غير مبرر لا قانونيًا ولا إنسانيًا.
المجتمع المدني يدفع نحو التغيير
كشفت مواقف المنظمات النسائية والحقوقية، مثل "اتحاد العمل النسائي" و"جمعية جسور"، عن إصرار واضح على تعديل شامل لمدونة الأسرة، مع سن قانون يُجرّم صراحة زواج القاصرات دون استثناء.
وقدّمت هذه المنظمات تقارير ميدانية تُظهر أن آلاف الفتيات المغربيات يُزوّجن سنويًا قبل بلوغهن 18 عامًا، في ظل غياب الحماية القانونية الكافية، وانتشار ممارسات قائمة على العرف.
ودفعت هذه المعطيات الحكومة إلى إطلاق مشاورات من أجل مراجعة مدونة الأسرة، بتكليف من الملك محمد السادس، الذي دعا في خطابه عام 2022 إلى مراجعة النصوص القانونية بما يتوافق مع مبدأ المساواة والعدل والإنصاف، إلا أن هذه المراجعات ظلت بطيئة، في ظل الخلافات السياسية والأيديولوجية حول جوهر التعديل المطلوب.
التعليم والتمكين بديل للزواج المبكر
أجمعت الدراسات الوطنية والدولية على أن زواج القاصرات يقوّض فرص التعليم والعمل لدى الفتيات، ويؤدي إلى سلسلة من الانتهاكات، أبرزها الحمل المبكر، والتعرض للعنف الأسري، والانقطاع عن الدراسة، والفقر طويل الأمد.
وتشير إحصاءات وزارة العدل المغربية إلى أن أكثر من 13 ألف حالة زواج قاصرات تم تسجيلها في سنة واحدة فقط، رغم تحديد السن الأدنى للزواج بـ18 سنة.
ودعت التنسيقية النسائية الأسر المغربية إلى رفض هذا المصير لبناتهن، مشددة على أن التعليم هو بوابة الاستقلال والكرامة، وليس الزواج المبكر الذي يُفقد الفتيات أبسط حقوقهن.
كما نادت جميع القوى الديمقراطية إلى رفض كل الخطابات التي تُشرعن تزويج القاصرات تحت غطاء "الستر" أو "العفة"، مؤكدة أن هذه الممارسات تنتمي إلى زمن الظلام والقهر.