الجوع في العالم.. أزمة إنسانية متفاقمة تهدد حقوق وحياة ملايين البشر

الجوع في العالم.. أزمة إنسانية متفاقمة تهدد حقوق وحياة ملايين البشر
أزمة الجوع - أرشيف

في عالم يزخر بالابتكارات العلمية والطفرة التكنولوجية، يظل الجوع وصمة عار على جبين البشرية في القرن الحادي والعشرين، فبينما تُنفق مئات المليارات على التسلّح والتقدم الصناعي، ينام مئات الملايين من البشر كل ليلة وهم محرومون من أبسط حقوقهم؛ وهو الحق في الغذاء.

وتشير أحدث التقارير الأممية إلى أن القضاء على الجوع بحلول عام 2030، الهدف الذي تبنّته الأمم المتحدة ضمن أجندة التنمية المستدامة، أصبح بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى. بل إن الأزمة لا تكتفي بالتفاقم رقميًا، بل تكشف عن أبعاد حقوقية وإنسانية عميقة تقوّض أسس العدل والكرامة الإنسانية.

أرقام تكشف الفجوة العالمية

بحسب تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2025 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، يعاني اليوم نحو 638 إلى 720 مليون شخص حول العالم من الجوع المزمن، ورغم تراجع طفيف بنسبة 0.3% عن أرقام 2023 بفضل تحسن الأوضاع في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، فإن الأرقام في إفريقيا وغرب آسيا تبقى مخيفة، ففي إفريقيا وحدها، يُتوقع أن تضمّ أكثر من 60% من إجمالي الجياع بحلول نهاية هذا العقد.

ويشير التقرير إلى تفاوتات صارخة، ففي بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء وأجزاء من غرب آسيا، يتجاوز معدل انعدام الأمن الغذائي الحاد 20%، فيما تنعم مناطق أخرى بوفرة غذائية نسبية، وهذه الفجوة ليست مجرد أرقام، بل دليل على تمييز هيكلي في توزيع الموارد، يعمّق الهوة بين الشمال والجنوب، ويُبقي ملايين البشر رهائن للفقر والجوع.

وتجسّد غزة المحاصَرة واحدة من أبشع صور استغلال الجوع سلاحاً في صراعات القرن الحالي، فقد ذكر ألفارو لاريو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، أن الناس في غزة يموتون جوعًا، في حين أكدت تقارير أممية أن جميع سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة يعانون من انعدام أمن غذائي حاد، ومنذ بداية الحرب الأخيرة، توفي أكثر من 147 شخصًا بسبب مضاعفات سوء التغذية، بينهم أطفال ورضّع.

أما في السودان، الذي دخل عامه الثاني من النزاع المسلح، فقد وصفت الأمم المتحدة الوضع هناك بأنه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، تسببت الحرب في نزوح أكثر من 14 مليون شخص داخل البلاد وخارجها، وتدمير شبه كامل لسلاسل الإمداد والأسواق المحلية، ما دفع الملايين إلى شفا المجاعة.

أسباب متشابكة لأزمة مزمنة

لا ينشأ الجوع من فراغ، بل هو نتيجة تضافر عوامل سياسية واقتصادية وبيئية أهمها النزاعات المسلحة التي تُعدّ أكبر مولّد للجوع، إذ تدمر الزراعة، تعرقل الإمدادات، وتجبر ملايين الناس على الفرار، مانعة وصول المساعدات، وبحسب برنامج الأغذية العالمي، يعيش نحو 70% من الجياع في دول متأثرة بالنزاعات.

كما أن تغير المناخ، ممثلاً في الظواهر المناخية المتطرفة كالفيضانات والجفاف، أدى خلال العقد الماضي إلى نزوح ملايين الفلاحين وخسارة محاصيل بمليارات الدولارات، وفي القرن الإفريقي وحده أودى الجفاف المستمر منذ 2020 بحياة الآلاف، وأدى إلى خسارة أكثر من 13 مليون رأس ماشية.

وتؤدي الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب، كما حدث في أوكرانيا وجائحة كوفيد-19، إلى ارتفاع أسعار الحبوب والزيوت والأسمدة عالميًا، ووفقًا للبنك الدولي، ارتفع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الحاد بنحو 335 مليون شخص مقارنة بعام 2019.

وفيما يتعلق بالفقر وعدم المساواة يعيش أكثر من 700 مليون شخص تحت خط الفقر الدولي (1.90 دولار في اليوم)، معظمهم في مناطق ريفية تعتمد على الزراعة التقليدية، في مواجهة أسواق غير عادلة وهيمنة شركات كبرى.

تداعيات حقوقية 

الحق في الغذاء منصوص عليه في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومع ذلك، يُحرم مئات الملايين من هذا الحق كل يوم، بما يجرّ وراءه انتهاكات أخرى: فقدان الحق في الصحة، التعليم، والحياة الكريمة. الجوع لا يُميت جسديًا فقط، بل يسحق القدرات الذهنية للأطفال، ويكرّس الفقر بين الأجيال.

تؤكد المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن سوء التغذية يُسهم في وفاة نحو 45% من الأطفال دون الخامسة عالميًا، كما يسبب أمراضًا مزمنة ويُقوّض النمو العقلي، ما يُضعف المجتمعات اقتصاديًا واجتماعيًا.

جهود دولية.. لكنها غير كافية

توجد جهود أممية كبيرة، منها برنامج الأغذية العالمي الذي وفّر مساعدات لنحو 160 مليون شخص في 2024، ومبادرات الاتحاد الإفريقي التي تهدف لتخصيص 10% من الناتج المحلي الإجمالي للزراعة. لكن التحديات هائلة؛ فقد خفّضت بعض الدول الغربية تمويلها الإنساني بحلول 2024 بنسبة وصلت إلى 20%، ما يهدد بإيقاف برامج إنقاذ في اليمن والصومال وجنوب السودان.

وفي العام 1996، تعهد قادة العالم في قمة الغذاء العالمية بخفض عدد الجياع إلى النصف بحلول 2015، لكن ذلك لم يتحقق بالكامل. وفي 2015، تبنّى العالم هدف القضاء التام على الجوع بحلول 2030، ضمن أهداف التنمية المستدامة، الآن، ومع بقاء أقل من خمس سنوات، تؤكد الأمم المتحدة أن العالم خارج المسار تمامًا لتحقيق هذا الهدف.

وتؤكد التقارير الحقوقية والأممية أن إنهاء الجوع يحتاج نهجًا شاملاً نحو إنهاء النزاعات المسلحة باعتبارها الجذر الأخطر، وكذلك تعزيز الأمن الغذائي المحلي عبر دعم صغار المزارعين، الابتكار الزراعي، وتحسين التخزين والتوزيع، بجانب التصدي لتغير المناخ من خلال استراتيجيات التكيف، مثل تطوير محاصيل مقاومة للجفاف، وزيادة شبكات الحماية الاجتماعية لحماية الأكثر ضعفًا من صدمات الأسعار، إضافة إلى تفعيل المحاسبة الدولية لكل من يستخدم الجوع سلاحاً أو يعرقل وصول المساعدات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية