«الفاو»: الجوع وقود الأزمات.. والأمن الغذائي تغتاله ثلاثية التغير المناخي والحروب وشح المياه (حوار)
«الفاو»: الجوع وقود الأزمات.. والأمن الغذائي تغتاله ثلاثية التغير المناخي والحروب وشح المياه (حوار)
كيف تواجه الفاو ندرة المياه والتغيرات المناخية لتحقيق استدامة زراعية؟
النزاعات والأزمات الاقتصادية.. كيف تؤثر في الأمن الغذائي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات متزايدة تؤثر في استقرارها ونموها المستدام، ما يجعل البحث عن حلول فعالة أولوية قصوى، بداية من الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، مرورًا بشح الموارد الطبيعية، والاضطرابات السياسية، وصولًا إلى أزمة تغير المناخ وندرة المياه، ما وضع المنطقة في مواجهة مستمرة مع عوامل تؤثر -بشكل مباشر- في حياة شعوبها.
وبلا شك يُعد الأمن الغذائي واحدًا من أكبر التحديات، حيث تؤثر ندرة المياه وتغير المناخ في الإنتاج الزراعي، ما يزيد من الاعتماد على الواردات الغذائية. في الوقت ذاته، تواجه دول عدة مشكلات البطالة والهجرة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، ما يزيد من تعقيد المشهد.
وفي ظل هذه التحديات، تحتاج المنطقة إلى رؤى جديدة وحلول مستدامة تعزز الأمن الغذائي، وتدعم التنمية الاقتصادية، وتواجه التغيرات المناخية بطرق مبتكرة، فكيف يمكن التصدي لهذه العقبات؟ وما الاستراتيجيات المطلوبة لضمان مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا؟
في هذا الإطار حاورت "جسور بوست" الدكتور عبدالحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، لمحاولة فهم التحديات وكيفية التعامل معها.. وإلى نص الحوار:
ما الأزمات الأكثر إلحاحاً التي تواجهها دول الشرق الأوسط وإفريقيا في مجال الأمن الغذائي حالياً؟ وكيف تختلف هذه التحديات بين المنطقتين؟
تعتمد دول الشرق الأوسط -بشكل كبير- على الواردات الغذائية، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، واضطرابات سلاسل التوريد، بالإضافة إلى ذلك، تعاني المنطقة ندرة شديدة في الموارد المائية؛ إذ تُعد من أكثر المناطق جفافًا في العالم. النزاعات المستمرة في بعض دول المنطقة تؤدي إلى تدمير البنية التحتية الزراعية، وتعطيل سلاسل الإمداد الغذائي، ما يزيد من معدلات الجوع وسوء التغذية، ولا يمكننا تجاهل تأثير التغير المناخي الذي يزيد من تكرار الظواهر الجوية المتطرفة وشدتها؛ مثل الجفاف والفيضانات، ما يؤثر سلبًا في الإنتاج الزراعي.
في إفريقيا، الفقر والبطالة يعدان من أكبر التحديات التي تواجه الأمن الغذائي، إذ تعاني دول عدة بالقارة معدلات عالية من الفقر والبطالة، ما يحد من القدرة على شراء الغذاء، والوصول إلى تغذية كافية، بالإضافة إلى ذلك، تعاني القارة ضعفًا في البنية التحتية الزراعية، كقلة الطرق والمرافق التخزينية، ما يعوق نقل المنتجات الزراعية وتوزيعها بشكل فعال. التغير المناخي يؤثر أيضًا بشكل كبير في الزراعة بإفريقيا؛ حيث يؤدي إلى تغيرات في أنماط الأمطار، وزيادة في درجات الحرارة، ما يؤثر في إنتاجية المحاصيل. كما تواجه إفريقيا تحديات كبيرة بسبب انتشار الأمراض والآفات الزراعية التي تؤثر في المحاصيل والثروة الحيوانية، ما يقلل من الإنتاجية الزراعية.
بينما تعتمد دول الشرق الأوسط بشكل كبير على الواردات الغذائية، تعتمد دول إفريقية عدة على الزراعة المحلية، ما يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي والأمراض الزراعية. تعاني إفريقيا ضعفًا أكبر في البنية التحتية مقارنة بالشرق الأوسط، ما يؤثر في كفاءة توزيع الغذاء، والوصول إلى الأسواق. بينما تؤثر النزاعات -بشكل كبير- في الأمن الغذائي ببعض دول الشرق الأوسط، فإن تأثير النزاعات في إفريقيا يكون أكثر انتشارًا؛ إذ يؤثر في مناطق واسعة من القارة.
إن تحقيق الأمن الغذائي في كل من الشرق الأوسط وإفريقيا يتطلب جهودًا متكاملة تشمل تحسين البنية التحتية، وتعزيز الإنتاج الزراعي المحلي، وتطوير سياسات مستدامة لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.
كيف تؤثر النزاعات المسلحة في الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار الزراعي والغذائي؟ وما استراتيجيات الفاو للتكيف مع هذه البيئات الهشة؟
النزاعات المسلحة لها تأثير مدمر في القطاع الزراعي والأمن الغذائي. تؤدي تلك الحروب إلى تدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية المخصصة للري، ما أثر -بشكل كبير- في إنتاج المحاصيل الأساسية مثل الذرة والقمح. النزوح الجماعي للمزارعين من المناطق الريفية التي تشهد الصراع تؤدي إلى تقليص مساحات الأراضي المزروعة، ما يقلل من حجم الإنتاج، ويزيد من الاعتماد على الواردات الغذائية.
النزاع المستمر يؤدي -في بعض الأوقات- إلى تدمير البنية التحتية الزراعية، وتعطيل سلاسل الإمداد الغذائي. كما أن الحصار المفروض على بعض المناطق يؤدي إلى نقص حاد في المواد الغذائية، وارتفاع أسعارها، ما يزيد من معدلات الجوع وسوء التغذية بين السكان.
وتعمل الفاو على تنفيذ استراتيجيات متعددة للتكيف مع البيئات الهشة في مناطق النزاعات المسلحة، ومن بين هذه الاستراتيجيات، تقديم الدعم الفني والمالي للمزارعين المتضررين، وتوفير المدخلات الزراعية الأساسية مثل البذور والأسمدة، كما تعمل الفاو على تعزيز القدرات المحلية من خلال تدريب المزارعين على تقنيات الزراعة المستدامة وزيادة الإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، تركز الفاو على تعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وتحسين سلاسل الإمداد الغذائي. كما تسعى الفاو إلى تطوير سياسات طويلة الأمد لإعادة بناء القطاع الزراعي، وتعزيز الأمن الغذائي في المناطق المتضررة من النزاعات.
في ظل ندرة المياه في الشرق الأوسط وتصحر الأراضي في إفريقيا، ما الخطط المبتكرة التي تعتمدها الفاو لتعزيز قدرة المزارعين على التكيف مع هذه التغيرات؟
تواجه دول الشرق الأوسط تحديات كبيرة بسبب ندرة المياه، ما يؤثر مباشرةً في الإنتاج الزراعي. لمواجهة هذه التحديات، تعتمد الفاو على مبادرات مبتكرة؛ مثل: مبادرة ندرة المياه في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، وتهدف هذه المبادرة إلى تحسين إدارة الموارد المائية من خلال تقنيات الري الحديثة، مثل: الري بالتنقيط، والري بالرش، والتي تساعد على تقليل استهلاك المياه وزيادة كفاءة استخدامها.
كما تعمل الفاو على تعزيز استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الاستشعار عن بعد، واستخدام والبيانات الجغرافية لتحسين إدارة المياه، وتحديد المناطق الأكثر احتياجًا للمياه. هذه التقنيات تساعد على تحسين توزيع المياه وزيادة الإنتاجية الزراعية في المناطق الجافة.
في إفريقيا، تواجه القارة تحديات كبيرة بسبب التصحر وتدهور الأراضي. لمواجهة هذه التحديات، تدعم الفاو مبادرة الحزام الأخضر العظيم، وهي مبادرة تهدف إلى استعادة الأراضي المتدهورة وزيادة الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية. تعمل الفاو على تنفيذ مشاريع زراعة الأشجار والنباتات المحلية التي تساعد على تحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاجية الزراعية.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الفاو على تقنيات حصاد المياه، مثل بناء السدود الصغيرة والخزانات، لجمع مياه الأمطار واستخدامها في الري، وهذه التقنيات تساعد على تحسين توفر المياه وزيادة الإنتاجية الزراعية في المناطق المتأثرة بالتصحر.
تعتمد الفاو على نهج شامل يجمع بين التقنيات الحديثة والممارسات التقليدية لتعزيز قدرة المزارعين على التكيف مع التغيرات البيئية، ومن بين هذه الخطط، تقديم التدريب والدعم الفني للمزارعين على استخدام تقنيات الزراعة المستدامة، وتعزيز التعاون مع الشركاء المحليين والدوليين لتوفير الموارد المالية والتقنية اللازمة.
إن تعزيز قدرة المزارعين على التكيف مع ندرة المياه، وتصحر الأراضي، يتطلب جهودًا متكاملة تشمل استخدام التقنيات الحديثة، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، وتعزيز التعاون الدولي لتحقيق التنمية المستدامة.
هل يمكن ذكر أمثلة على مشاريع ناجحة لاستخدام التكنولوجيا (كالري الذكي أو الزراعة الذكية مناخياً) في دول تعاني الجفاف، مثل الصومال أو العراق؟
في الصومال، أطلقت الفاو مشروع 'Ugbaad'، الذي يعني 'الأمل' باللغة الصومالية، بتمويل من الصندوق الأخضر للمناخ بقيمة 95 مليون دولار أمريكي، ويهدف المشروع إلى بناء قدرة القطاع الزراعي على الصمود في وجه تغيّر المناخ من خلال تعزيز ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، وتحسين الوصول إلى المياه، واعتماد التقنيات الزراعية القادرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ. يشمل المشروع استصلاح أكثر من 50,000 هكتار من الأراضي المتدهورة، وتدريب 86,000 مزارع وراعٍ على الزراعة الذكية مناخيًا، وإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية مثل قنوات الري والطرق الريفية".
يمثل مشروع 'Ugbaad’ أكبر استثمار مناخي للصندوق الأخضر للمناخ بقيادة الفاو، ويهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات الريفية والنظم الإيكولوجية على الصمود، من خلال تعزيز ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، وتحسين الوصول إلى المياه.
أما في مصر والأردن والعراق، تعمل الفاو على تنفيذ مشروع وطني لتطوير تقنيات الري، يهدف إلى تحسين كفاءة استخدام المياه وزيادة الإنتاجية الزراعية. يشمل المشروع استخدام أنظمة الري الذكي مثل الري بالتنقيط والري بالرش، والتي تساعد على تقليل استهلاك المياه، وتحسين جودة المزروعات، كما تدعم الفاو مبادرات مثل: “قاف لاب”، وهي حاضنة أعمال ومركز ابتكار في الموصل، تسعى لتطوير حلول مبتكرة لمواجهة تحديات تغير المناخ في القطاع الزراعي، وتشمل هذه الحلول استخدام تقنيات الزراعة الذكية مناخيًا لتحسين مقاومة المحاصيل في وجه الضغوطات البيئية مثل الجفاف والفيضانات.
وأود أن أوكد على أن استخدام التكنولوجيا في الزراعة يمثل حلًّا مستدامًا لمواجهة تحديات الجفاف وتغير المناخ، ويسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتحسين سبل العيش للمزارعين في المناطق المتأثرة.
كيف تؤثر الأزمات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الغذاء في دول المنطقة، خاصة تلك التي تعتمد على الاستيراد؟ وما أدوار الفاو في تخفيف هذا العبء؟
تواجه دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات كبيرة نتيجة الأزمات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الغذاء. تعتمد دول عدة بالمنطقة -بشكل كبير- على استيراد المواد الغذائية، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية واضطرابات سلاسل التوريد. ارتفاع أسعار الغذاء يؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة، ويؤثر -بشكل مباشر- في الأسر ذات الدخل المحدود، ما يزيد من معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
الأزمات الاقتصادية العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا وجائحة كورونا، أدت إلى تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف النقل، ما أثر في توفر المواد الغذائية، ورفع أسعارها، وهذا الوضع يزيد من الضغوط على الحكومات لتوفير الدعم المالي للأسر المتضررة وضمان استقرار الأسعار.
تعمل الفاو على تنفيذ استراتيجيات متعددة لتخفيف العبء عن دول المنطقة، ومن بين هذه الاستراتيجيات، تقديم الدعم الفني والمالي للحكومات لتحسين إدارة الموارد الغذائية، وتعزيز القدرات المحلية على إنتاج الغذاء، كما تعمل الفاو على تعزيز التعاون الدولي لتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة وتحسين سلاسل الإمداد الغذائي.
بالإضافة إلى ذلك، تدعم الفاو مبادرات مثل تطوير تقنيات الزراعة المستدامة، وتحسين كفاءة استخدام المياه، ما يساعد على زيادة الإنتاجية الزراعية، وتقليل الاعتماد على الواردات، كما تعمل الفاو على تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد الغذائية لضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر احتياجًا.
كما أود أن أؤكد أن مواجهة تأثير الأزمات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الغذاء يتطلب جهودًا متكاملة تشمل تقديم الدعم الفوري، وتعزيز القدرات المحلية، بالإضافة إلى تطوير سياسات مستدامة للتكيف مع التحديات البيئية والاقتصادية.
ما آليات تعزيز التمويل المحلي والدولي لدعم صغار المزارعين، وخاصة النساء والشباب، في مواجهة التحديات الاقتصادية؟
إن تعزيز التمويل المحلي والدولي لدعم صغار المزارعين، وخاصة النساء والشباب، يتطلب جهودًا متكاملة تشمل تقديم الدعم المالي والفني، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات المالية، وتوفير التدريب والموارد اللازمة لتحسين الإنتاجية الزراعية وتحقيق التنمية المستدامة.
لذا تعمل الفاو على تعزيز التمويل المحلي من خلال تقديم الدعم الفني والمالي للجمعيات التعاونية وجمعيات المزارعين وروابط المرأة الريفية، وتقدم هذه الجمعيات التمويل بصيغ المرابحة والمشاركة وخطوط التمويل، ما يتيح للمزارعين الحصول على المدخلات الزراعية الأساسية مثل البذور والأسمدة والأدوات الزراعية، كما تعمل الفاو على تعزيز الشراكات مع البنوك المحلية والمؤسسات المالية لتوفير قروض ميسرة لصغار المزارعين.
على الصعيد الدولي، تعمل الفاو بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) وبرنامج الأغذية العالمي لتعزيز التمويل لصغار المزارعين، وتشمل هذه الجهود تقديم قروض وأدوات لإدارة الأخطار مثل: الضمانات، واستثمارات في الأسهم لدعم مشاريع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ومنظمات المزارعين، ويهدف برنامج تمويل القطاع الخاص إلى زيادة الاستثمارات الخاصة في المناطق الريفية، ما يساعد على تحسين سبل العيش، وخلق فرص عمل جديدة، خاصة للشباب والنساء.
تولي الفاو اهتمامًا خاصًّا بدعم النساء والشباب في القطاع الزراعي. من خلال برامج التمكين الاقتصادي، تعمل الفاو على توفير التدريب على المهارات التقنية وإدارة الأعمال، ما يساعد النساء والشباب على تطوير أنشطة مدرة للدخل مثل مشاتل الشتلات وتربية الدواجن وتربية الأسماك، كما تعمل الفاو على تعزيز الوصول إلى الموارد الإنتاجية والتقنيات الزراعية الحديثة، ما يساعد على زيادة الإنتاجية وتحسين سبل العيش.
كيف تضمن الفاو وصول المساعدات الغذائية إلى النازحين واللاجئين في مناطق النزاعات؟
تعمل الفاو على تنفيذ استراتيجيات متعددة لضمان وصول المساعدات الغذائية إلى النازحين واللاجئين في مناطق النزاعات، ومن بين هذه الاستراتيجيات، التعاون الوثيق مع الشركاء الدوليين والمحليين لتنسيق الجهود وتقديم المساعدات الغذائية بشكل فعال.
تعتمد الفاو على استخدام تقنيات حديثة مثل نظم المعلومات الجغرافية (GIS) وتقنيات الاستشعار عن بعد لتحديد المناطق الأكثر احتياجًا وتوجيه المساعدات إليها، كما تعمل الفاو على تعزيز القدرات المحلية من خلال تدريب العاملين في المجال الإنساني على إدارة الأزمات وتوزيع المساعدات بشكل فعال.
في بعض الأوقات تواجه الفاو تحديات كبيرة في إيصال المساعدات الغذائية إلى النازحين واللاجئين في مناطق النزاعات، مثل انعدام الأمن وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق، للتغلب على هذه التحديات، وتعتمد الفاو على استراتيجيات مبتكرة مثل إنشاء مراكز توزيع متنقلة واستخدام الطائرات بدون طيار لتوصيل المساعدات إلى المناطق النائية.
ما طبيعة الشراكات بين الفاو والحكومات المحلية أو المنظمات الإقليمية (مثل الاتحاد الإفريقي) لتنفيذ برامج مستدامة لمكافحة الجوع؟
تعمل الفاو على تعزيز الشراكات مع الحكومات المحلية من خلال تقديم الدعم الفني والمالي لتنفيذ برامج مستدامة لمكافحة الجوع، وتشمل هذه الشراكات تطوير سياسات زراعية مستدامة، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، وتعزيز القدرات المحلية على إنتاج الغذاء. على سبيل المثال، في مصر، تعمل الفاو بالتعاون مع الحكومة المصرية على تنفيذ مشروع لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، ما يساعد على زيادة الإنتاجية الزراعية وتقليل الفاقد من المياه.
وتتعاون الفاو بشكل وثيق مع المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، لتعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الجوع.
تتولى الفاو من خلال شراكتها مع جامعة الدول العربية دعم وتفعيل دور اللجنة الوزارية لوزراء الزراعة والموارد المائية، وذلك بهدف توحيد سياسات الإدارة المستدامة للموارد المائية من قبل قطاع الزراعة وإنتاج الغذاء، كما تشارك الفاو في الدعم الفني لمبادرة مكافحة الجوع التي أطلقتها جامعة الدول العربية والتي تهدف إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول العربية ودعم حوار السياسات على المستوى الإقليمي.
أمثلة على المبادرات الناجحة على الصعيد العالمي:
التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر: تدعو الفاو جميع أعضائها وشركائها للانضمام إلى التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر، الذي أطلقته الرئاسة البرازيلية لمجموعة العشرين، يهدف التحالف إلى تسريع التقدم نحو القضاء على الفقر والجوع بحلول عام 2030 من خلال توفير منصة للتعاون الدولي وتبادل المعرفة"
برنامج القضاء على الجوع في البرازيل: استشهد المدير العام للفاو شو دونيو بتجربته مع برنامج القضاء على الجوع في البرازيل، الذي نجح في إخراج 40 مليون شخص من دائرة الفقر والجوع. يشمل البرنامج إنشاء مطاعم شعبية تقدم أغذية متوازنة ومغذية بأسعار منخفضة، وتعزيز شراء الأغذية المنتجة محليًا، ما أسهم في تقوية الاقتصاد المحلي.
وأود أن أؤكد أن الشراكات بين الفاو والحكومات المحلية أو المنظمات الإقليمية تمثل دورًا حاسمًا في تنفيذ برامج مستدامة لمكافحة الجوع، وتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.
ما دور الابتكار الزراعي في تحويل النظم الغذائية بالمنطقة؟ وهل هناك مبادرات ملهمة يمكن تعميمها؟
يلعب الابتكار الزراعي دورًا حاسمًا في تحويل النظم الغذائية بالمنطقة، خاصة في ظل التحديات البيئية والاقتصادية المتزايدة، ومن بين الابتكارات الزراعية المهمة، استخدام البذور المقاومة للجفاف التي تساعد على تحسين إنتاجية المحاصيل في المناطق الجافة وتقليل الاعتماد على المياه، وهذه البذور طُوِّرت من خلال برامج البحث والتطوير التي تدعمها الفاو بالتعاون مع المؤسسات البحثية المحلية والدولية.
مبادرات ملهمة يمكن تعميمها:
مبادرة الحزام الأخضر العظيم في إفريقيا: تدعم الفاو مبادرة الحزام الأخضر العظيم، التي تهدف إلى استعادة الأراضي المتدهورة وزيادة الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية، وتشمل هذه المبادرة زراعة الأشجار والنباتات المحلية التي تساعد على تحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاجية الزراعية.
برنامج البذور المقاومة للجفاف في المغرب: في المغرب، أطلقت الفاو برنامجًا لتطوير وتوزيع البذور المقاومة للجفاف بالتعاون مع المعهد الوطني للبحث الزراعي، ويهدف البرنامج إلى تحسين إنتاجية المحاصيل في المناطق الجافة وزيادة قدرة المزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية وهذا البرنامج يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى في دول أخرى تعاني التحديات نفسها.
مبادرة ندرة المياه في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا: تعمل الفاو على تحسين إدارة الموارد المائية من خلال تقنيات الري الحديثة مثل: الري بالتنقيط، والري بالرش، والتي تساعد على تقليل استهلاك المياه، وزيادة كفاءة استخدامها، كما تعتمد الفاو على تقنيات الاستشعار عن بعد والبيانات الجغرافية لتحسين إدارة المياه وتحديد المناطق الأكثر احتياجًا للمياه.
إن الابتكار الزراعي يمثل حلًّا مستدامًا لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية، ويسهم في تحويل النظم الغذائية بالمنطقة، ويمكن تعميم المبادرات الناجحة لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة.
كيف تعالج الفاو قضية هدر الغذاء في دول المنطقة، خاصة في المدن الكبرى؟
تعمل الفاو على تنفيذ استراتيجيات متعددة لمعالجة هدر الغذاء في دول المنطقة، خاصة في المدن الكبرى ومن بين هذه الاستراتيجيات، تعزيز التعاون مع الحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية لتطوير سياسات وبرامج تهدف إلى تقليل هدر الغذاء، كما تعتمد الفاو على نهج الاقتصاد الدائري الذي يهدف إلى تحويل النفايات الغذائية إلى موارد قيمة، مثل تحويل النفايات إلى سماد عضوي أو طاقة حيوية.
وتعمل الفاو على تعزيز الوعي العام حول أهمية تقليل هدر الغذاء من خلال حملات توعوية وبرامج تعليمية تستهدف المدارس والمجتمعات المحلية، وهذه الحملات تهدف إلى تغيير سلوكيات المستهلكين، وتشجيعهم على تبني ممارسات مستدامة في استهلاك الغذاء
ما التحديات الخاصة التي تواجهها النساء في الريف بالقطاع الزراعي بالمنطقة؟ وكيف تدعم الفاو تمكينهن اقتصادياً؟
تواجه النساء في الريف في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا تحديات كبيرة في القطاع الزراعي، منها التمييز الاجتماعي والاقتصادي الذي يحد من وصولهن إلى الموارد الإنتاجية مثل الأراضي والمياه والتمويل، كما تعاني النساء نقصًا في التعليم والتدريب الزراعي، ما يحد من قدرتهن على تبني التقنيات الحديثة وزيادة إنتاجيتهن.
تعمل الفاو على تنفيذ برامج مثل “تمكين المرأة الريفية” الذي يوفر التدريب على المهارات الزراعية والتقنيات الحديثة، والدعم المالي والفني لتمكين النساء من الوصول إلى الموارد الإنتاجية، كما تعزز الفاو الشراكات مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لتطوير سياسات تحسن حقوق النساء في الملكية والوصول إلى الموارد.
في تونس يوجد مشروع يعمل على تعزيز حقوق النساء في الملكية الزراعية، ويوفر التدريب والدعم الفني، ما يسهم في تحسين وصول النساء إلى الموارد الإنتاجية، ويعد هذا المشروع شراكة فريدة بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأمم المتحدة للمرأة) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)؛ حيث يعالج الحواجز التي تواجه النساء الريفيات من خلال نهج شامل يشمل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للتمكين، ويجري تنفيذ البرنامج المشترك لتسريع التقدم نحو التمكين الاقتصادي للمرأة الريفية حاليًا في نيبال والنيجر وتنزانيا وتونس ورواندا وجزر المحيط الهادي (فيجي وكيريباتي وجزر سليمان وتونغا).
ما الدروس المستفادة من الأزمات الأخيرة (مثل جائحة كوفيد-19 أو الحرب في أوكرانيا) في تعزيز مرونة النظم الغذائية بالمنطقة؟
أظهرت جائحة كوفيد-19 أهمية تعزيز مرونة النظم الغذائية لمواجهة الأزمات المستقبلية، ومن بين الدروس المستفادة، ضرورة تنويع مصادر الغذاء، وتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الطويلة والمعقدة، كما أظهرت الجائحة أهمية تعزيز التعاون الدولي لتبادل المعلومات والتجارب وأفضل الممارسات في إدارة الأزمات الغذائية، كما دفعت الجائحة إلى تسريع تبني التقنيات الرقمية في الزراعة، مثل استخدام التطبيقات الذكية لتحسين إدارة المزارع وتوزيع المنتجات الزراعية. هذه التقنيات ساعدت على تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الفاقد من الغذاء.
أدت الحرب في أوكرانيا إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد العالمية، ما أثر في توفر المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، ومن بين الدروس المستفادة، ضرورة تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الاستثمارات في الزراعة المستدامة لتقليل الاعتماد على الواردات، كما أظهرت الحرب أهمية تطوير سياسات تجارية مرنة تسمح بتكيف الأسواق مع التغيرات السريعة في العرض والطلب.
كيف تُقاس فعالية برامج الفاو على المدى الطويل؟ وهل هناك مؤشرات إيجابية تُبشر بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030؟
تُقاس فعالية برامج الفاو على المدى الطويل من خلال مجموعة من المؤشرات الكمية والنوعية التي تتابع التقدم المحرز في تحقيق الأهداف المحددة، وتشمل هذه المؤشرات تحسين الإنتاجية الزراعية، زيادة دخل المزارعين، وتحسين الأمن الغذائي، وتقليل معدلات الفقر والجوع، وتعتمد الفاو على نظم الرصد والتقييم المستمرة لجمع البيانات وتحليلها، لتحديد مدى تحقيق الأهداف وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
كما تعتمد الفاو على الشراكات مع الحكومات المحلية والمنظمات الدولية لتبادل المعلومات والخبرات وأفضل الممارسات في تنفيذ البرامج، ويتم تقييم البرامج من خلال تقارير دورية ومراجعات مستقلة لضمان الشفافية.
هناك مؤشرات إيجابية عدة تُبشر بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، فعلى سبيل المثال، في مصر، حققت الحكومة تقدمًا ملحوظًا في تقليل معدلات الفقر، وتحسين الأمن الغذائي، من خلال برامج مثل 'تكافل وكرامة' التي توفر الدعم المالي للأسر الفقيرة، كما انخفض معدل التقزم بين الأطفال دون سن الخامسة بشكل كبير، ما يعكس تحسنًا في التغذية والصحة العامة.
وفي المغرب، أظهرت البيانات تحسنًا في إنتاجية المحاصيل وزيادة دخل المزارعين بفضل تبني تقنيات الزراعة المستدامة وتحسين إدارة الموارد المائية، وهذه النتائج تعكس التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالقضاء على الجوع وتحسين الأمن الغذائي.
كيف تتوقعون مستقبل الأمن الغذائي في الشرق الأوسط خلال السنوات العشر القادمة؟ وهل لديكم توصيات محددة لصناع القرار لتحسين الأمر؟
من المتوقع أن يواجه الشرق الأوسط تحديات كبيرة في مجال الأمن الغذائي خلال السنوات العشر القادمة، نتيجة لتزايد الضغوط البيئية والاقتصادية، ومن بين هذه التحديات، ندرة المياه، وتدهور الأراضي، والتغيرات المناخية التي تؤثر في الإنتاج الزراعي. كما أن النمو السكاني السريع وزيادة الطلب على الغذاء سيزيدان من الضغوط على الموارد الطبيعية.
ومع ذلك، هناك فرص كبيرة لتحسين الأمن الغذائي من خلال تبني تقنيات زراعية مبتكرة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورًا حاسمًا في تحسين كفاءة استخدام الموارد وزيادة الإنتاجية الزراعية.
ختامًا، يؤكد الدكتور الواعر أن تعزيز الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وإفريقيا يتطلب تبني سياسات مستدامة، والاستثمار في البنية التحتية الزراعية، وتعزيز التعاون الدولي، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا للأجيال القادمة.
وقدم الدكتور الواعر توصيات عدة لصناع القرار، تشمل:
تحويل نظم الأغذية الزراعية؛ حيث يجب على صناع القرار زيادة التمويل لتحويل نظم الأغذية الزراعية من خلال تبني آليات تمويل مبتكرة مثل الضمانات الرأسمالية، والتمويل القائم على النتائج، والتمويل المناخي، وتبادل الديون، والالتزامات السوقية المسبقة، وحاضنات الابتكار؛ هذه الأدوات المالية المبتكرة هي عنصر أساسي في تحويل النظم الغذائية في المنطقة وسد فجوة التمويل، مع ضرورة تكييف هذه المقاربات مع القدرات المالية لكل بلد وتطوير البيئة التنظيمية لجذب رؤوس الأموال.
تعزيز الاستثمار في الزراعة المستدامة، حيث يجب على الحكومات تعزيز الاستثمار في تقنيات الزراعة المستدامة مثل الري الذكي والزراعة الرأسية، والتي تساعد على تحسين كفاءة استخدام الموارد وزيادة الإنتاجية.
تحسين إدارة الموارد المائية، حيث أكد أنه يجب تطوير سياسات فعالة لإدارة الموارد المائية، ومنها تحسين تقنيات الري وتبني ممارسات الزراعة المستدامة التي تقلل من استهلاك المياه.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي؛ ممثلًا في تعزيز التعاون بين الدول في المنطقة لتبادل المعرفة والتجارب وأفضل الممارسات في مجال الأمن الغذائي. يمكن للتعاون الدولي أن يسهم في توفير الدعم المالي والفني لتنفيذ المشاريع الزراعية المستدامة.
تطوير سياسات تجارية مرنة من خلال تطوير سياسات تجارية مرنة تسمح بتكيف الأسواق مع التغيرات السريعة في العرض والطلب، ما يساعد على تحقيق استقرار الأسعار، وضمان توفر المواد الغذائية.
السلام هو عنصر أساسي لتحقيق الأمن الغذائي، مؤكدًا أن النزاعات تؤدي إلى تدمير البنية التحتية الزراعية، وتعطيل سلاسل الإمداد الغذائي، ما يزيد من معدلات الجوع وسوء التغذية، فيما تعمل الفاو على دعم المجتمعات المتضررة من النزاعات من خلال تقديم المساعدات الزراعية الطارئة، وإعادة بناء البنية التحتية الزراعية.